آل البيت.. ميراث الطهارة وسبيل النجاة
صنعاء سيتي | مقالات | بشير ربيع الصانع
أيها العاشقون للحَق، وأيها السالكون سبيل اليقين! نحن على موعد مع حديث ليس كغيره من الأحاديث، ومع سر لا تناله إلا القلوب المتيمّة بغرام من اصطفاهم الرحمن ورفع ذكرهم.
لقد تعبت الأرواح في بحثها عن منارة الهدى، وضاقت السبُل على من أضاع بُوصلة النجاة، وبقيت الأُمَّــة تترقب بين تلهُّفٍ وظمأ.
فأين المطلب؟ وأين المغنم؟
النور لم ينقطع، بل بقيت له مشارب متوارثة، وبقيت للرسالة ودائع مقدسة.
إنها ودیعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وسلالته الطاهرة التي جعلها الله وصية في أعناق المؤمنين.
فمن أراد أن يخوض بحر الفتن دون أن تغرق سفينة إيمانه، فليمد بصره وبصيرته شطر بيوت العترة؛ ففيها سر الأمان، ومنها ينبع منهل الولاء الصادق.
هلموا بنا لنهيم سويًّا في رحاب هؤلاء الأطهار، ولنرتل بقلوبنا آيات محبتهم وفضلهم، لأن عشقهم ليس إلا عشقًا لكل ما هو جميل ومنزه في هذا الكون.
فلنبدأ بسم الله، ولنعبر بسفينة تولٍ، إلى أن نصل إلى شاطئ النجاة ببركة هذه السلالة المباركة.
يا لها من قلوب مسعفة، تعرفت على موطن السر ومكمن الطهر! ويا له من شرف عظيم أن يكون غرامنا متجهًا صوب بيوت أذن الله أن ترفع ويُذْكَرُ فيها اسمُه.
الحديث عن آل بيت النبوة الأطهار هو روح المنهج، وقلب العقيدة، ونبض التولي الصادق الذي يرفع الروح إلى ذرى الكمال.
إنهم امتداد النور المحمدي، ووديعة الرسالة الخاتمة في هذه الأُمَّــة.
فمن لم يهِم بهم هيامًا لا ينتهي، ومن لم يعشقهم عشقًا يزج الروحَ بالعقيدة، فهل ذاق حقيقة الإيمان والولاية؟
ارتفع شأن هذه السلالة المباركة ارتفاعا إلهيًّا، لم يطال مدح البشر.
جعلهم الله محل إرادته في التطهير، ومهبط عنايته في إزالة كُـلّ رجس، حتى كأن الطهارة خلقت لتسكن بين جدرانهم.
{إنما يريد الله ليذهبَ عنكم الرجس أهلَ البيت ويطهِّرَكم تطهيرًا}.
هذه الإرادَة الإلهية هي عقد التفرد، وصك العصمة في التمسك بالحق.
فالقلب الذي يسكنه الهيام ويعلم أنه يتبع سلالة أذهب الله عنها الرجس، يجد الاطمئنان الذي لا يعرف الشك، والتولي الصادق الذي يقود إلى عين اليقين.
ما أجمل أن يكون غرامنا بأهل البيت جزءًا من طاعتنا لله! جعلهم سيدَ الكائنات رسول الله صلى الله عليه وآله ثمنَ نُصحه وجهاده، ليس لنيل شيء، بل لنيل الأُمَّــة شرفَ العبور إلى الجنة عبر هذا الحب:
{قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}.
ليست مُجَـرّدَ مطالبة بالمودة، بل تحويل المودة إلى عمل صالح، ومنهج لا يضل.
هيام القلوب بهم استجابة عملية لهذا النداء الإلهي العظيم.
علم النبي صلى الله عليه وآله بما سيعتري الأُمَّــة من خطب وفتن كقطع الليل المظلم، فجعل لنا ملاذًا، ووصف لنا وصف النجاة بوضوح:
“إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كِتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي، إن اللطيفَ الخبيرَ نبَّأني إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض”.
إنهم سفنُ النجاة التي تخترق أعاب الفتن، وترمي بأشرعتها على شاطئ الأمان.
من نبذ العترة فقد نبذ شطر النجاة، ومن أهمل قيادتهم فقد جازف بروحه في متاهات الضلال.
قضية النصر والعزة والانتصار على الطغاة، قضية تمكين إلهي مرتبط بالاستقامة التامة على المنهج.
ولا يمكن للأُمَّـة أن تستقيم إلا بقيادة لا يشوبها هوى ولا يدنسها طمع.
فمن أولى بهذه القيادة من سلالة ربّاها الوحي، وسقتها يد النبوة، وحازت وصف الطهارة الإلهية؟
التاريخ يعلمنا، والأحداث تؤكّـد: الخذلان الحقيقي للأُمَّـة بدأ حين تخلت عن مناط النصر الذي جعله الله في ورثة نبيه.
الهيام العقيدي بقيادة رجل من أهل البيت، يصنع الفرق بين أُمَّـة تعيش التمزُّق وأمة تعرف وجهة النصر الموعود.
إنه الولاء الذي يبعث روح الجهاد في القلوب ويوحد الصفوف تحت راية ناصعة البياض.
يا أيها القلب المتيم، ويا أيها الروح المتعطشة، ابقيا في محراب هذا العشق النبوي.
التولي الصادق لآل البيت وصفة الخلاص في كُـلّ زمان ومكان.
هي محبة لا تنقضي، وغرام يزداد بالتمسك، وولاء يجعلنا في صف المطهرين.
صلاةٌ عليهم ملءَ الأكوان، ومودةٌ تشبهُ تدفق الينابيع، وعشقٌ هو ذخيرة القلب ليومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
التعليقات مغلقة.