لبنان بين “الدولة الفاشلة” ومشروع المقاومة.. معركة وجود لا مساومة

صنعاء سيتي | مقالات | فهد شاكر أبوراس

 

في لحظةٍ حرجة من عمر الأُمَّــة، تعود الولايات المتحدة لتُطلِق وصف “الدولة الفاشلة” على لبنان، ليس كتشخيصٍ موضوعي لواقعٍ معقّد، بل كسلاحٍ نفسي وسياسي يُستخدم لتفكيك آخر معاقل الرفض في المنطقة.

فالتوصيف الأمريكي ليس تحليلًا، بل إعلان نوايا ضمن مشروعٍ أمريكي–إسرائيلي يهدف إلى تفكيك معادلة الردع التي بناها اللبنانيون بدمائهم، وتقديم لبنان كفاتورةٍ جديدة في سوق التطبيع.

الأزمة اللبنانية، في جوهرها، ليست اقتصادية أَو إدارية فقط، بل وجودية.

فهي ليست في انقطاع الكهرباء أَو انهيار العُملة، بل في المحاولة الممنهجة لتجريد لبنان من سلاح المقاومة، ذلك السلاح الذي لم يُبنَ ليهدّد الجيران، بل ليحمي الوطن من مخالب الاحتلال.

فالمقاومة في الوعي اللبناني ليست خيارًا طارئًا، بل هي خلاصة تجربة مريرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ونتاج إدراك عميق بأن السيادة لا تُمنَح، بل تُنتزَع.

التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، ليست سوى امتداد لحربٍ نفسية تُدار من واشنطن وكَيان الاحتلال، تهدف إلى إقناع اللبنانيين بأن “الخلاص” يكمن في التنازل عن سلاحهم مقابل وعودٍ اقتصادية وهمية.

فالمبادرة الأمريكية التي تتحدث عن مليارات الدولارات لتنمية الجنوب، ما هي في حقيقتها إلا مقايضةٌ صريحة: المال مقابل نزع السلاح.

وهي نفس المعادلة التي فشلت في غزة ولبنان مرارًا، لأنها تتجاهل حقيقة بسيطة: أن الكرامة لا تُشترى، وأن السيادة لا تُباع.

ولعل رفض القوى الوطنية والشعبيّة لهذا الطرح، وتمسكها بالواقع العسكري–السياسي القائم، هو ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى الإعلان الصريح عن “فشل” مساعيهم، ووصْف لبنان بـ”الدولة الفاشلة”.

لكن الحقيقة أن “الفشل” الحقيقي هو فشل المشروع الأمريكي في فرض إرادته على شعبٍ اختار أن يقاوم بدل أن يستسلم.

وراء الوعود الاقتصادية، يختبئ مشروعٌ أمني خطير: إنشاء “منطقة عازلة” في جنوب لبنان تُدار دوليًّا، على غرار ما يُروّج له في غزة.

هذا الاقتراح لا يهدف إلى “الاستقرار”، بل إلى تقسيم لبنان جغرافيًّا وسياسيًّا، وتحويله إلى كانتونات طائفية تحت غطاء “التنمية”، في خطوةٍ تُكرّس الاحتلال الإسرائيلي وتُهمّش الدولة اللبنانية.

في هذا السياق، تبرز المقاومة كحائط الصدّ الوطني الحقيقي.

فهي ليست بديلًا عن الدولة، بل سندها حين تعجز مؤسّساتها عن مواجهة التهديدات الوجودية.

والمفارقة أن من يطالب لبنان بنزع سلاح المقاومة اليوم، هو ذاته من يرفض إلزام إسرائيل باحترام قرارات الشرعية الدولية، والإفراج عن الأسرى، ووقف سرقة الثروات النفطية والغازية من المياه الإقليمية اللبنانية.

المقاومة، إذن، ليست مشكلة لبنان، بل ضمانة بقائه.

أما المشكلة الحقيقية، فهي في الفساد السياسي، والطائفية المُمنهَجة، والحصار الاقتصادي غير المبرّر الذي تفرضه القوى الغربية لدفع لبنان نحو الاستسلام.

لو أن المجتمع الدولي صادقًا في دعمه للبنان، لطالب إسرائيل أولًا بإنهاء احتلالها، لا أن يطالب لبنان بنزع سلاحه!

اليوم، تدور في لبنان معركة إرادات: بين مشروع المقاومة الذي يمثل إرادَة الحياة والكرامة، ومشروع الاستسلام الذي تدفعه واشنطن وتل أبيب.

واللبنانيون، الذين عاشوا تجربة الاحتلال لعقود، يعرفون جيِّدًا أن التفاوض من موقع الضعف لا يجلب سوى الهزائم، بينما القوة وحدَها تصنعُ السلامَ العادل.

الحل لا يكمن في التنازل عن سلاح المقاومة، بل في تبني استراتيجية دفاعية وطنية متكاملة، توحّد الجيش والشعب والمقاومة في بوتقة واحدة، وتُعيد للدولة هيبتها دون أن تُفرّط في أدوات ردعها.

فلبنان لا يحتاج إلى وصاية خارجية، بل إلى دعمٍ حقيقي يحترم خياراته الوطنية.

وفي النهاية، فإن درب التحرّر طويلٌ وشاق، لكنه الوحيد الذي يؤدي إلى العزة والكرامة.

والاستجابة للإملاءات الأمريكية اليوم تعني التخلي عن مجد لبنان، وتبني مشروع التبعية والاستسلام.

وهو ما لن يقبله أي لبناني شريف يؤمن بأن بلاده تستحق الحرية، لا التطبيع.

التعليقات مغلقة.