المسيرة القرآنية.. نورٌ يبعثُ الأُمَّــة من جديد

صنعاء سيتي | مقالات | بشير ربيع الصانع

 

بعد الظلم والقهر والاستعباد الذي وصلت إليه الأُمَّــة، كان لا بدّ من قبسٍ إلهي يبدد عتمة الواقع ويوقظ ما خمد في النفوس من إيمان وكرامة. ومن جبال مران، انطلقت المسيرة القرآنية لتكون نداء الوعي الإلهي، ومشروع النهوض الشامل الذي يعيد للأُمَّـة عزتها المفقودة، ويربطها من جديد بمصدر قوتها الأول: كتاب الله القرآن الكريم.

فالمسيرة القرآنية التي أسسها الشهيد القائد رضوان الله عليه هي السبيل الوحيد لإنقاذ الأُمَّــة من الذل والعبودية للطواغيت. لقد كان قلب الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه مفعمًا بالغيرة على دين الله، فلم يحتمل رؤية الأُمَّــة تركع لغير خالقها. ومن رحم المعاناة، ومن وهج الإيمان الصادق، انبلجت هذه المسيرة كسبيلٍ وحيد، وكقاربٍ أخير ينتشل الأرواح المعذبة من بحر الذل الطاغي.

وتحَرّكت كعهد إنساني جديد يقطع سلاسل العبودية التي كبّلت عقول الأُمَّــة وقراراتها، ويعلن فجر الحرية الكبرى، حرية الوقوف بعزة وثبات أمام جبروت الطغيان متكئين على قوة الله وحده. إنها صرخة الكرامة التي أعادت للإنسان العربي والإسلامي إنسانيته المسلوبة.

لقد دعت المسيرة القرآنية الأُمَّــة إلى العودة الجادة والصادقة إلى القرآن الكريم؛ باعتبَاره المخرج الوحيد مما تعانيه. ففي زمنٍ ضاقت فيه الأنفاس واشتد فيه الخناق، أشَارَت هذه المسيرة بصدقٍ وإصرار إلى المصدر الأبدي للنور والهداية: كتاب الله.

فالقرآن الكريم هو كتاب يتدفق في شرايين الحياة، وبلسم يداوي جراح التيه والضياع. العودة إليه هي عودة إلى الفطرة النقية واحتضان لرسالة الله التي تهدي إلى سواء السبيل.

المسيرة القرآنية هي مدرسة تربوية تصنع في الأُمَّــة روح المسؤولية تجاه قضاياها العادلة ونصرة دينها والمستضعفين من أبنائها. إنها واقعٌ تربوي يصوغ النفوس على الإحساس بالواجب والغيرة على الدين، ويغرس في القلوب حب العدل ونصرة المظلومين، لتكون الأُمَّــة أمينة على رسالتها الربانية.

كما أنها تعلم الفرد غايته في الحياة وتعرّفه بمسؤوليته أمام الله. فحياة الإنسان هي رحلة ذات هدف عظيم يليق بخليفة الله في الأرض. ومن خلال المسيرة يتعرف الفرد على الأعمال التي يجب أن يقوم بها ليكون وجوده مثمرًا ومتصلًا بخالقه، مساهمًا في عمارة الأرض بالإصلاح والعدل.

لقد أعادت المسيرة القرآنية الأُمَّــة إلى مسارها الصحيح، حَيثُ يريدها الله أن تكون، بعد أن تاهت في دهاليز التبعية والضياع. جاءت كمنارة هدى ثابتة لتشد الأُمَّــة إلى موقعها الطبيعي، أُمَّـة شاهدةً على الناس، قائدةً للبشرية نحو النور، رافعةً راية العزة والاستقلال في وجه الطغيان.

كما كانت حصنًا منيعًا للشعب اليمني في وجه محاولات الاختراق الفكري والثقافي، وأعادت له هويته الإيمانية الأصيلة التي حاول الأعداء طمسها. إنها مشروعٌ إلهيّ للأُمَّـة كلها، يحمل رسالة العزة والكرامة لكل الشعوب، ويدعوها إلى العودة إلى الله وإلى مبادئ الإسلام.

وربطت المسيرة القرآنية الأُمَّــة بالقيادة الربانية المتمثلة في آل بيت النبوة، الذين هم امتداد النور الإلهي ومصدر الأمان من الضلال. بهذا الارتباط وجدت الأُمَّــة البوصلة الصحيحة التي تهديها في زمن كثرت فيه الفتن وتعددت فيه الأصوات المضللة، فعرفت من تتبع، وعلى من تعتمد.

كما وجهت المسيرة بوصلة العداء إلى مكانها الصحيح بعد أن انحرفت في واقع الأُمَّــة، فوضحت العدوّ الحقيقي، ودعت إلى الاعتصام بحبل الله وإقامة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتبقى الأُمَّــة يقظةً حية تحرس نقاء مجتمعها وطهارة عقيدتها.

ولم تقف عند حدود الوعي الفكري، بل بثت في الأُمَّــة روح الاعتماد على الذات في الزراعة والصناعة والابتكار، مؤكّـدةً أن الأُمَّــة التي تستمد قوتها من عدوها لا يمكن أن تنتصر ولا يمكن أن تمتلك استقلالها وسيادتها. فالقوة الحقيقية تنبع من داخل الأُمَّــة، من عملها وإنتاجها وجهد أبنائها.

كما حصنت المسيرة المجتمع اليمني من الفساد الأخلاقي، وأغلقت مواطن الانحراف التي كانت تفسد النفوس وتغضب الله، فحافظت على زكاء الأرواح وطهارة المجتمع. إنها ثورة أخلاقية إيمانية أعادت للمجتمع صفاءه ونقاءه.

إن هذه المسيرة المباركة هي دعوة مفتوحة لكل الأُمَّــة للاطلاع على منهجيتها القرآنية، ففيها عزتها وكرامتها واستقلالها. إنها نداءٌ عالميٌ يعيد بناء الإنسان على أَسَاس القرآن والإيمان، ليحيا بحريةٍ وعزةٍ وكرامة، كما أراد الله له أن يكون.

التعليقات مغلقة.