الشهداء.. مشاعل الطريق وبوصلة الصمود
صنعاء سيتي | تقرير خاص
في رحاب الذكرى السنوية للشهيد، تتجدد في وجدان الشعب اليمني معاني العزة والإباء، ويستحضر اليمانيون بقلوبٍ مفعمة بالإيمان والوفاء تلك القوافل الطاهرة التي روت بدمائها تراب الوطن، وصنعت من عروقها جسور النصر والسيادة.
إنها ذكرى لا تُختزل في الشعارات أو الخطب، بل هي محطة إيمانية وتربوية تُذكّر الأجيال بأن الكرامة لا تُستجدى، وأن الحرية ثمنها الدم، وأن الشهادة ليست نهاية الحياة بل بدايتها الحقيقية في معراج المجد الإلهي.
لقد قدّم الشهداء أعظم الدروس في التضحية والإيمان، حين واجهوا أعتى عدوان عرفته الأمة المعاصرة بثباتٍ نابعٍ من وعيٍ قرآنيٍّ جعلهم يرون النصر وعدًا إلهيًا لا يُخلف.. ومنهم من صدق ما عاهد الله عليه، ومنهم من لا يزال على الدرب يقاتل بعزيمةٍ لا تعرف الانكسار، مؤمنين بأن من سار على درب الشهداء، فلن يُهزم أبدًا.
إنّ الشهداء هم من أعادوا تعريف معنى الانتماء للوطن والإيمان بالقضية، فالشهادة لم تكن مجرّد موقفٍ بطولي في ساحة المعركة، بل كانت مشروعًا لبناء الإنسان المقاوم.. لقد تعلّم من دمائهم طلابُ العلم والمجاهدون والعمال والفلاحون أن الحرية لا تُمنح، وأن الكرامة لا تُشترى، وأنّ الأمة التي تقدّس دماء شهدائها لا يمكن أن تُستعبد.
إنّ الشهداء هم بُناة الوعي ومعلّمو الصبر، رسموا للأجيال معاني الفداء والبصيرة، وجعلوا من كل أمٍّ شهيد مدرسة صبر، ومن كل أسرة شهيد منارة وطنيّة تزرع العزة وتورّث الكرامة.. ولذلك تحوّلت ذكرى الشهيد في اليمن إلى موسم وطني إيماني تُستعاد فيه معاني التضحية، وتُصاغ فيه ملامح المرحلة المقبلة على نهج التحرّر والسيادة.
لم تكن دماء الشهداء مجرّد صفحات في سجل الفداء، بل كانت وقودًا لمسيرةٍ جهادية أطلقت اليمن من عباءة التبعية إلى فضاء القرار الحرّ.. فبفضل تضحياتهم، أصبحت معادلة الردع واقعًا ماثلاً، وأضحى اليمن اليوم رقماً صعباً في معادلة الإقليم، يُحسب له ألف حساب في البحر والبر والسماء.
إنّ انتصارات البحر الأحمر، وصمود الجبهات في مواجهة التحالف الأمريكي السعودي، وإغلاق ميناء إيلات، كلها حلقات في سلسلة واحدة من العطاء الخالد الذي بدأه الشهداء الأوائل في مسيرة القرآن المباركة.. لقد أراد الأعداء أن يبقى اليمن تابعًا ضعيفًا، فجعله الشهداء بلدًا حرًا يفرض إرادته بدمه وصموده.
دماء الشهداء في اليمن وفلسطين ولبنان والعراق وإيران تصبّ في نهرٍ واحد، هو نهر المقاومة في وجه الاستكبار العالمي.. ومن هذا النهر تُروى شجرة الحرية التي تتساقط على جذورها أوراق الأنظمة المطبّعة والمتخاذلة.
لقد أثبتت دماء الشهداء أن الروح الجهادية الصادقة تجمع ما فرّقته المؤامرات، وتوحّد الصف في وجه أعداء الأمة.. اليوم، يتردّد صدى اليمن في فلسطين، ويتردّد صدى غزة في صنعاء، لأن دماء الشهداء هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الصهيوني ومن يقف خلفه من قوى الطغيان الأمريكي.
حين نحيي ذكرى الشهداء، فإننا نستحضر أولى القطرات الطاهرة التي روت شجرة المسيرة القرآنية، من دماء الشهداء الأوائل الذين واجهوا الطغيان بوعيٍ وإيمانٍ، حتى تكلّل ذلك الطريق بدم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، الذي قدّم نفسه فداءً لمشروعٍ إلهي أراد أن يعيد للأمة وعيها وكرامتها، ويُخرجها من عبودية الطاغوت إلى عبودية الله وحده.
منه ومن رفاقه الشهداء انطلقت القافلة المباركة، ومن فكره وصرخته ودمائه الزكية ودمائهم، وُلدت روح الجهاد والصمود التي تسري اليوم في عروق كل مجاهدٍ على ثرى اليمن وفلسطين وكل ساحات المقاومة.. فأولئك الشهداء هم الامتداد الطبيعي لثورته الإيمانية، وهم من ثبّتوا معالم الطريق الذي لن ينتهي إلا بزوال الطغيان وإقامة الحق والعدل الإلهي على الأرض.
إن دم الشهيد القائد ورفاقه لم يكن حادثة في التاريخ، بل كان الشرارة التي أنارت درب الحرية، وأيقظت في الأمة روح العزة، ليأتي بعدهم آلاف الشهداء الذين ساروا على بصيرتهم، فصنعوا أعظم ملاحم الصمود في وجه العدوان الأمريكي الصهيوني وأدواته، مؤكدين أن طريق الشهداء هو طريق الكرامة والنصر والتمكين.
يُجدّد الشعب اليمني في ذكرى الشهيد العهد والوفاء بأنّ دماء الأبطال لن تذهب هدرًا، وأنّ كل خطوةٍ نحو التحرّر هي وفاءٌ لأولئك الذين وهبوا أرواحهم فداءً لله والوطن.. فالشهداء ليسوا ذكرى من الماضي، بل حاضر الأمة ومستقبلها، وهم الذين بصمودهم جعلوا من اليمن شعلة الحرية في وجه الظلم والهيمنة.
ومهما اشتد العدوان، ستبقى راية الشهداء مرفوعة، وبندقية المجاهدين مشرعة، لأنّ شعبًا يستلهم قوته من دماء الشهيد القائد ومن تضحيات رفاقه لا يمكن أن يُهزم، وسيظل شعار المسيرة القرآنية وعدًا صادقًا: “هيهات منا الذلة”.
*نقلاً عن موقع 21 سبتمبر
التعليقات مغلقة.