اليمن نهض من تحت الركام ليزيحَ الردمَ عن غزةَ
صنعاء سيتي | مقالات | محمد نبيل اليوسفي
إنَّ اليمنَ الذي خاضَ معركةً مصيريةً حاسمةً استمرتْ خلالَ عشرِ سنواتٍ من التضحيةِ والصمودِ والثباتِ ضدّ مليشياتٍ محليةٍ، وتحالفاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ تحتَ وطأةِ قوى الهيمنةِ والاستكبار «الصهيو-أمريكية» هادفين بذلك إلى عزلِ اليمن دوليًّا وتهميشه حضاريًّا وشيطنته اجتماعيًّا واحتلاله جغرافيًّا ثم المحاولةَ على مسحِ هُويتهِ الثقافيةِ والتاريخيةِ وتحويلهِ إلى مُجَـرّد ساحةٍ مفتوحةٍ للهيمنةِ والاستعمار.
ينهضُ اليمن اليومَ حاملًا على كتفيه شعارَ الحريةِ والكرامةِ والاستقرار القوميِّ والدينيِّ والثقافيِّ والوطنيِّ، هادفًا بذلك نحو التحرّر الكاملِ للأُمَّـة العربيةِ والإسلاميةِ من مربعِ الخزي والخنوع للوصايةِ والهيمنةِ والاستعمار والاحتلال الذي تسعى إليه قوى الهيمنةِ الأمريكيةُ والإسرائيليةُ في المنطقةِ كلِّها.
حيثُ إنَّ المعركةَ المصيريةَ التي شهدَتْها الساحةُ المحليةُ والإقليميةُ والدوليةُ في عامِ 2014 فَجَّرتِ الانتصاراتِ والفتوحاتِ التي حقّقها الجيشُ واللجانُ الشعبيّة ضدَّ مرتزِقةِ العدوانِ السعوديّ والإماراتيِّ الذين عملا تحت شعاراتٍ زائفةٍ عملت على خلقِ اضطراباتٍ داخليةٍ ونفسيةٍ ومعنويةٍ فرضتْ أزمة اقتصاديةً عميقةً أجبرت المجتمعَ على العيشِ في ظلِّ المعاناةِ والخوفِ الذي يُهدّد الوجودَ والهويةَ القوميةَ والوطنيةَ.
إلا أنَّ اليمنَ اليوم باتَ جليًّا: من بعدِ تلكَ الحروبِ المصيريةِ التي هدّدت الكيانَ والهويةَ أصبح درعًا واقيًا للجبهةِ الداخليةِ اليمنيةِ وتحصينها من مربعِ الخنوعِ الذي أرتمت فيه أغلبيةُ الأنظمة العربيةِ والإسلاميةِ.
ثم حوّلَ اليمنُ نفسه من جبهةٍ للدفاعِ إلى جبهةٍ للإسنادِ المتكاملِ للمواجهةِ المباشرةِ والملحميةِ ضدَّ الكيانِ الإسرائيليِّ الذي صبَّ عدوانَهُ الهمجيَّ على غزة، بل أصبح اليمنُ حصنًا منيعًا للأُمَّـة أجمعَ، ومنذ عامين من الإسنادِ اليمنيِّ لغزةَ شعبيًّا ورسميًّا قدّمَ نفسهُ كنموذجٍ فريدٍ من الصمودِ والتضحيةِ والفداءِ الذي تحوّلَ إلى صواريخٍ انشطاريةٍ أغمرتْ مستوطناتِ الكيانِ المحتلّ وفرضتِ المعادلةَ.
اليمنُ الذي يُقدِّمُ اليوم على الساحةِ العالميةِ أعظم المواقفِ البطوليةِ التي شهدها العالمُ بالصوتِ والصورةِ، التي رسمت ملاحمَ الفداءِ وجسّدت معانيَ الأخلاق وروّت إعلامَ ومبادئَ الحقيقةِ، وسطَّرت أقوى الملاحمِ الميدانيةِ التي لم تقتصر على تقديمِ الحقِّ كما هو – لا يُهزمُ.
والقضايا العادلةَ جعلها تستمدُّ قوّتها من عقيدتِها وإيمانِها؛ فتمثّلُ اليوم النموذجَ الأرقى الذي لا يرضى بالعيشِ تحتَ وطأةِ قوى الهيمنةِ والاستكبار.
أيضًا إنَّ اليمنَ الذي بذلَ في ظلِّ معركةِ الفتحِ الموعودِ والجهادِ المقدسِ الغاليِ والنفيسِ مساندةً لغزةَ وفلسطينَ، فهو لم يَكنْ يسعى بذلك لا هادفًا إلى الشكرِ ولا إلى العرفانِ، أَو حتى الاستعراض بالعضلاتِ؛ وإنما سعى لتنفيذِ ما تخلّتْ عنهُ الأمم اليومَ وهيَ المسؤوليةُ الدينيةُ أولًا، والإنسانيةُ ثانيًا.
أَيْـضًا ما قدّمهُ يمنُ الإيمانِ والحكمةِ لم يكن نتيجةَ صدفةٍ، بل كان نتيجةَ وقتٍ طويلٍ خاضَ فيه جميعَ الصعوباتِ التي جعلتْ منه اليوم قوّةً إلهيةً لا تُقهرُ.
قوّةً إلهيةً تجاوزت حتى الإراداتِ السياسيةَ والعسكريةَ في المواجهةِ المباشرةِ والملحميةِ مع ألدِّ الأعداء أمريكا وكَيان الاحتلال.
كما أنَّ اليمنَ كان خلالَ المراحلِ الماضيةِ، بدءًا منذِ الالتحامِ المباشرِ مع الحلفاءِ المحلّيين والإقليميِّين الذين حولوا أنفسهم إلى أدوات تعملُ لصالحِ قوى الهيمنةِ والاستكبار الهادفةِ إلى احتلال الأرض والعرضِ والمقدّساتِ، حوّلَ من نفسهُ أَيْـضًا إلى جذعٍ صلبٍ نحو الاستعداد لمواجهةِ الأمريكيِّ والإسرائيليِّ مباشرةً.
حيثُ إنَّ كُـلّ التضحياتِ الجسيمةِ التي قدّمها اليمنُ منذ السابقِ وعَمِلَ على تحييزِ مرتزِقةِ الداخلِ ومن ثمَّ التحولِ إلى لاعبٍ إقليميٍّ فعّالٍ أثخنَت كاهلَ الأعداء في شتى المجالاتِ لتحقيقِ الأمنِ والاستقرار السياسيِّ والعسكريِّ والفكريِّ والثقافيِّ، فصار الحصنَ المنيعَ والصُّلبَ لحمايةِ الأُمَّــة بأكملها؛ فهو الذي وَضّحَ للأُمَّـة العربيةِ والإسلاميةِ المتخاذلةِ مدى التأييدِ الإلهيِّ، وأمّا لأحرار العالمِ فهو الذي قدّمَ لهم معانيَ الإنسانيةِ والحريةِ.
في الختامِ إنَّ كُـلّ ما تحتاجُهُ اليومَ كُـلّ الأمم هو الاقتدَاء باليمنِ الذي يُمثّلُ اليومَ نفسهُ كاختبار ومحكٍّ حقيقيٍّ يُجسِّدُ معانيَ الإنسانيةِ والثقافةِ القرآنيةِ لمن أراد أن يعرفَ من أين هوَ المصدرُ، ومن أين هوَ منبعُ الانتصاراتِ البارعةِ في شتّى المجالاتِ الميدانيةِ التي تستعيدُ الحقوقَ المسلوبةَ والرؤى البِناءَةَ للقدراتِ وللابتكاراتِ الحرةِ والعادلةِ لإثبات القوةِ والإرادَة من صميمِ عقيدتِها التي تُنمّي الوطنَ شعبًا وقيادةً.
التعليقات مغلقة.