الضفة الغربية.. العدو يكثف جرائمه ويسرع مشاريع الضم والاستيطان
صنعاء سيتي | تقرير | يحيى الشامي
تتواصل الجرائم اليومية التي يرتكبها العدو في الضفة الغربية المحتلة، في سلسلة جرائم تُظهر تواصلاً ملحوظاً مع سياقه التاريخي من الاعتداءات الممنهجة التي تهدف إلى تفكيك الوجود الفلسطيني، وفرض وقائع جديدة عبر التهجير والتوسع الاستيطاني. وتشير التطورات الأخيرة إلى تصعيد خطير في حملة القمع والعنف، تزامناً مع مساعٍ معلنة لتحويل الضفة إلى جزء لا يتجزأ من مشروع توسعي يُنفَّذ عبر قرارات إدارية وعسكرية، أبرزها ما أقره ما يسمى “الكنيست” مؤخراً من مشروع لضم مناطق واسعة من أراضي الضفة، في خطوة تُعَدّ امتداداً لاستراتيجية قديمة تُركّز على تغيير الوضع الديموغرافي بالقوة.
في الساعات الماضية، اقتحمت قوات العدو بلدة عنبتا شرقي طولكرم، حيث اندلعت مواجهات عنيفة استخدمت خلالها قنابل الغاز والرصاص المعدني لتفريق الشبان الفلسطينيين، بينما تزامن ذلك مع اقتحام قوة راجلة لحي شمالي مدينة جنين، وردت سرايا القدس – كتيبة جنين باستهداف الآليات العسكرية بعبوة ناسفة أرضية، وفق مصادر محلية. وفي القدس المحتلة، أغلقت قوات العدو مداخل بلدة حزما بعد تعرض حافلة لمستوطنين لأضرار جراء رشقها بالحجارة، في إجراء يُنظر إليه أنه “عقاب جماعي” يعكس نمطاً مكرراً من الانتقام العشوائي. هذه المشاهد، التي تُوثقها شهادات السكان يومياً، ليست وليدة اللحظة، بل جزء من سلسلة ممنهجة تبدأ من هدم المنازل وتنتهي بتهجير العائلات، في إطار مشروع أوسع يهدف إلى تفتيت ارتباط الفلسطيني بأرضه.
في قلقيلية، هدمت جرافات العدو منزلين في بلدة الفندق، بذريعة “البناء دون ترخيص” في مناطق مصنفة (ج)، في خطوة تكرر نفسها منذ سنوات، لكن وتيرتها ازدادت منذ أكتوبر 2023، بينما نقل الهلال الأحمر الفلسطيني شاباً أُصيب بالرصاص في قدمه خلال محاولته اجتياز جدار الفصل العنصري في الرام شمال القدس، في جريمة تعيد التذكير بأن 44 عاملاً فلسطينياً استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة على غزة جراء محاولاتهم العبور بحثاً عن لقمة العيش. وفي الخليل، تكثّف هجمات المغتصبين اليهود، حيث أصابوا خمسة أفراد من عائلة واحدة بحالات اختناق جراء اعتدائهم على منزلهم في وادي جحيش، وكسروا أبوابه ودمروا مركبتهم وحظيرة أغنامهم، بينما شق المغتصبون طريقاً استيطانياً جديداً بين قريتي المفقرة وشعب البطم، في تأكيد على أن الانتهاكات ليست “أخطاء فردية”، بل جزء من خطة مدروسة لربط المستوطنات بعضها ببعض، وتفتيت التجمعات السكانية الفلسطينية.
السياق الزمني لهذه الانتهاكات يكشف عن استمرارية جرائم العدو، الذي لم يكتفِ بـالاحتلال كحالة مفروضة، بل حولها إلى مشروع إبادة جماعية مُخطّط له، فمنذ أكتوبر 2023، سجّلت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أكثر من 7 آلاف اعتداء من قبل المغتصبين، أدى إلى استشهاد 33 فلسطينياً، وتهجير 33 تجمعاً بدوياً، بينما أقام العدو 114 بؤرة استيطانية جديدة، وصادر 73 دونماً من أراضي رام الله والبيرة عبر أوامر عسكرية جديدة، تحت ذريعة “الأغراض الأمنية”. هذه الأرقام ليست إحصائيات جافة، بل وثيقة لعملية تهجير مُمنهجة تتسارع مع كل قرار يصدر عن ما تسمى “الحكومة الإسرائيلية”، وآخرها مشروع ضم أراضٍ واسعة من الضفة الذي أقرّه “الكنيست” في خطوة تُظهر أن الهدف النهائي ليس “الأمن” كما تزعم سلطات العدو، بل ضم الضفة ككل ضمن مشروع توسعي يمتد جذوره إلى عقود.
لا يمكن فصل هذه الجرائم عن السياق الاستراتيجي الذي يسعى العدو إلى تنفيذه، منذ إنشاء “المنطقة العازلة” حول المستوطنات في الثمانينيات، وحتى موجة الهدم الحالية التي تتركز على المناطق البدوية مثل “مسافر يطا”، حيث تهدف إلى إفراغ هذه المناطق من سكانها الأصليين لتحويلها إلى ممرات استيطانية. وتكشف الإحصائيات أن 30 منطقة عازلة جديدة أُنشئت منذ أكتوبر 2023، في وقت تزداد فيه وتيرة بناء الطرق الاستيطانية التي تقطع الارتباط بين القرى الفلسطينية، وتُفقدها مكانتها الجغرافية والاقتصادية. هذا المشروع لا يقتصر على التوسع المادي، بل يمتد إلى استهداف النسيج المجتمعي الفلسطيني عبر تهجير العائلات، واعتقال الأطفال، وتحويل الأطفال إلى أهداف للعنف، كما حصل في بيت عوا حيث أصيب طفل بقنبلة صوتية في رأسه.
في هذا الإطار تبدو الادعاءات الإسرائيلية حول “الرد على التهديدات” ذريعةً واهية، بينما تثبت الحقائق اليومية أن الهدف هو فرض وقائع ميدانية تُحيّد أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، عبر تفتيت الضفة إلى كيانات معزولة تُدار من قبل المغتصبين اليهود وقوات العدو. ورغم الإدانات الرمزية من بعض الجهات الدولية، يظل الصمت العالمي مُخزياً، بينما تستمر الجرائم في الازدياد، تأكيدا على أن الصراع ليس بين “طرفين”، بل بين مشروع إبادة جماعية ومجتمع يقاوم من أجل حقوقه وأرضه، في ظل تواطؤٍ عربي وغياب إسلامي، بل وحتى تشجيع عربي للعدو، وتماهٍ متكامل مع مشاريعه العدوانية.
استغل العدو حالة الانشغال العالمي بحربه على غزة ليُسَرِّع خططه في الضفة، حيث ارتفع عدد الاعتداءات بنسبة 40% منذ أكتوبر 2023، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. وبدلاً من أن تكون الضفة “هادئة نسبياً” كما في الفترات السابقة، تحولت إلى ساحة مفتوحة لـ:
– هدم المنازل (أكثر من 200 منزل منذ بداية العام).
– بناء الطرق الاستيطانية لربط بؤر المغتصبات، خاصة في “مسافر يطا” و”غور الأردن”.
– تشريع الضم -صهيونيا- عبر أوامر عسكرية (مثل مصادرة 73 دونماً في رام الله)، وقرارات الكنيست الأخيرة التي تفتح الباب لضم مناطق واسعة.
هذه الخطوات تُعَدُّ جزءاً من خطة مدروسة، وقد بدأت قبل حرب غزة، لكنها تسارعت بعد 7 أكتوبر للاستفادة من الانشغال الدولي بالعدوان على قطاع غزة وماخلفه من كارثة تاريخية.
كما أن العدو يهدف إلى كسر المقاومة في غزة عبر عزلها عن الدعم الشعبي في الضفة، لذا تُركّز عملياته على:
- اعتقال القيادات والنشطاء في الضفة (أكثر من 20,000 معتقل منذ أكتوبر 2023)، لمنع أي تنسيق محتمل مع المقاومة في غزة.
- تهجير العائلات من المناطق الاستراتيجية مثل الخليل وجنين، لقطع طرق الإمداد المُفترضة، وتحطيم الروابط الجغرافية مع غزة.
ما يعني أن الضفة ليست “بديلاً” لغزة، بل جزء من مشروع احتلالي مخطط له منذ عقود، ويسعى العدو اليوم -عبر تكثيف مشاريعه وتسريعها- إلى فرضه بالقوة.
*نقلاً عن موقع أنصار الله
التعليقات مغلقة.