مميزات الإسناد اليمني: عزيمةٌ بلا سقوف ومبادرةٌ وتضحيات

صنعاء سيتي | تقرير 

 

في ساحات الإيمان وحيث تُصنع المواقف الكبرى، خطّ الشعب اليمني اسمه بعزيمة الإيمان والوفاء. تميزت جبهة الإسناد اليمنية بثلاث سمات جوهرية جعلت من اليمن في طليعة من وقفوا إلى جانب غزة: سقفٌ عالٍ من الإسناد لا توقفه حدود، ومبادرة حازمة في اتخاذ القرار، وتضحيات كبيرة تؤكد صدق الانتماء ونقاء الأهداف.

يقول السيد القائد في كلمته عن آخر التطورات 16 أكتوبر الجاري: “تميَّزت جبهة الإسناد اليمنية بمستوى الموقف، عندما تحرَّكت في أعلى مستوى من العطاء. وبالمبادرة، المبادرة منذ بداية الأحداث. وكذلك بتقديم الشهداء بشكلٍ مستمر، في طول هذه المرحلة وهي مستمرَّةٌ في الإسناد”.

أولاً: إسناد بلا سقوف

الإيمان عند اليمنيّ تعدا الشعارات الرنانة، باعتباره قاعدة تَخرج منها القرارات. لا تسوقه الحسابات المؤقتة، ولا تثنيه ضغوطات السياسة ولا تهديدات الأعداء، فالإسناد هنا فريضة دينية وأخلاقية وإنسانية قبل أن يكون خياراً استراتيجياً. منذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى أعلن السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي إسناد غزة بلا سقوف كإطار سلوكي يختزل المؤثرات على الإسناد إلى عاملين اثنين فقط: ضوابط أخلاقية للحرب، وحدود القدرات العسكرية اليمنية.

ومن هذا المنطلق تصاعدت العمليات اليمنية من خلال التكثيف المتواصل في تطوير العتاد، والتوسّع في مدى العمل حتى بلغ ما يزيد على سبعمئة وخمس وخمسين عملية، مستخدمةً صواريخ باليستية ومجنّحة، وطائرات مسيرة، وزوارق بحرية. أما ساحة المواجهة فامتدت بذات العزيمة إلى أعماق البحار والمحيطات، لتصل إلى مناطق أبعد وأبعد وصولا إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، فتتحول قدرة الإسناد اليمني إلى تهديد حقيقي للكيان الإسرائيلي، بدءاً بملاحته البحرية، وصولا إلى تهديد الأماكن الحساسة على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولأنّ الهمة كانت أكبر من كل حدود جغرافية، سجلت عمليات نوعية أعادت تعريف مدى قدرة اليمن المبنية أساسا على الثقة بالله، والاعتماد عليه في تطوير الأسلحة، وبالتالي فالأهداف اتسعت من السواحل اليمنية لتشمل مضايقة وملاحقة السفن على مسافات بعيدة، وصولاً إلى ضرباتٍ في البحر الأبيض المتوسط. وفي مشهد دلت به الوقائع، نفذت قواتنا عمليةً في مطلع سبتمبر على بعد ما يزيد عن ألف كيلو متر بالقرب من ميناء ينبع بالمملكة السعودية،  فأقرّت بها جهات دولية متخصصة، وسجلت هذه الحادثة تحوّلاً نوعياً في معادلات القوة البحرية.

أما في مواجهة القطع الحربية الكبرى فقد كتب اليمن مشهداً آخر من الحضور القوي: معارك بحرية متكررة مع بوارج وفرقاطات وحاملات طائرات، دارت فيها تبادلات أظهرت استعداد الشعب لأن يواجه أدوات القوة مهما امتلكت من تكنولوجيا. هذا التطور العملي في ميدان الاشتباك أفرز خبرات جعلت اليمن يدخل مرحلةً متقدمة من تطوير السلاح، حتى بلغ من القدرة شيئًا مكّنه من تهديد القطع الكبرى نفسها.

بلغت عمليات الاشتباك مع البوارج الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية ذروتها لتصل إلى (68) عملية اشتباك، كل عملية منها كانت تُحدث ثقبا واسعا في التكنولوجيا الأمريكية، وصولاً إلى إحداث إصابات مباشرة في بعض حاملات الطائرات التي بلغت أربع حاملات انتهى بها الأمر إلى مغادرة البحر الأحمر بشكل نهائي بعد الإقرار بسقوط ثلاث طائرات من طراز “إف18″، آخرها قبل إعلان اتفاق التهدئة بساعة، والتي أقر الأمريكي حينها بأن حاملة الطائرات “ترومان” اضطرت لإحداث انعطافة كبيرة هربا من الصواريخ اليمنية، ما أدى لسقوط طائرة “إف 18″، في مؤشر واضح على تمكن الجيش اليمني من اختراق كل الخطوط الدفاعية للقطع البحرية الأمريكية بمختلف مستوياتها.

ثانياً: المبادرة في اتخاذ القرار

الميزة الثانية في قرار اليمن الإسنادي لغزة يتمثل في سرعة المبادرة وشجاعة اتخاذ القرار. فاليمن لم ينتظر موازين القوى التقليدية، ولا مكاسب ظرفية، ولا تهيئة الظروف المناسبة، وإنما بادر في اتخاذ القرار والدخول في معركة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.

إعلانُ الحرب على الكيان الإسرائيلي جاء مبكراً، وفي وقت كانت المقاومة الفلسطينية في حالة انتصار بعدما حققت إنجازات نوعية باقتحام مغتصبات العدو، وقتل وجرح وأسر عشرات الصهاينة، وفي تلك اللحظة المصيرية من تاريخ الأمة بادر اليمن في اتخاذ خطواتٍ عملية تمثلت في فرض حظرٍ بحريٍّ على الملاحة الإسرائيلية، وتشديد استهداف العمق الإسرائيلي.

هذه المبادرة تُعَدُّ من الخيارات الاستراتيجية غير الممكن اتخاذها بهذه السرعة إن لم يكن لدى صانع القرار إرادة صادقة وانطلاقات مبدئية دينية لا يمكن المساومة عليها، خاصة وأن اليمن -حينها- لا يزال يعيش أوضاعا غير مستقرة نتيجة 8 سنوات من العدوان والحصار الأمريكي السعودي. ومع ذلك اختار اليمن خيار المبدأ على حساب المصالح، وأجّل مصالحه وأولوية حروبه الخاصة حفاظاً على مبدأ لا يساوم عليه: نصرة القضية الفلسطينية التي تعد القضية المركزية للأمة.

قرار الحظر على الملاحة الإسرائيلية، واستهداف العمق الإسرائيلي -رغم علم القائد بالتداعيات الدولية وردود أفعال القوى الكبرى- كشف عن قناعة راسخة بأن الحرية والمبدأ لا يُقايَضان بتكلفةٍ أو حسابٍ استراتيجي. لقد تسامى اليمن على كل الضغوط والمغريات دفعاً للوفاء بواجب أبرّ وأنبل ما يمكن أن تقوم به أمةٌ في وجه الظلم والطغيان.

ثالثا: تضحياتٌ تليق بالمبدأ

السمة الثالثة والأعمق في الإسناد اليمني لغزة تتمثل في التضحيات التي قُدمت، حيث تعرض الشعب اليمني للقصف والتدمير، فتعرض لآلاف الغارات، وسقط مئات بين شهداء وجرحى، بينهم قيادات ومؤسسات، واستُهدفت المنشآت الحيوية والموانئ والمصانع ومحطات الطاقة، في مساع من الأعداء لضرب القدرة المعيشية للشعب، وإحباط الروح القتالية. لكن ردود الفعل كانت عكسية، فلم تُضعف الغارات عزيمةَ اليمنيين، ولم تُثنِهم عن مسارهم. بل زادتهم إيماناً بأن التضحية إنما تقاس بمدى اتساقها مع المبدأ. حتى الضغوط السياسية والضغوط الاقتصادية الخارجية لم تكن كافية ليُثنِي شعباً آثر الوفاء على الانحناء.

سياسياً أيضاً، تعرّضت محاولات التهدئة والاتفاقات لمساومات أمريكية غربية سعت لتغييب هذا الموقف؛ لكن الشعب ظل ثابتا على قرارِه، رافضاً الذلّ ومتشبثاً بخيار الشهادة والتأييد.

موقفٌ يخلدُه التاريخ

هكذا تكون المواقف العظيمة التي لا تقاس بالأرقام أو الإحصاءات، وإنما بوضوح المبدأ وصلابة القرار وسخاء التضحيات. ومن هنا فإن اليمن قدم درسا يعلّم فيه كيف يكون الوفاء، وأن الإيمان يولّد قراراً، والقرار يولِد إنجازات ويصنع معادلات مع دفع التضحيات التي تثمر عزا ونصرا.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.