حمزة العصر.. حين تجتمع القيادة بالبصيرة
صنعاء سيتي | مقالات | جميل المقرمي
منذ بداياته الأولى، لم يكن حمزة العصر، سيدي هاشم الغماري، مُجَـرّد اسم عابرٍ في مسار الأحداث، بل ظاهرةً إنسانيةً وقياديةً تشكّلت مع انطلاقة المسيرة القرآنية. هاجرَ من محافظة عمران إلى صعدة الإباءِ والصمودِ امتثالًا لقوله تعالى: “أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا”
جمع بين صفاء النشأة وصلابة الموقف، وبين حكمة الرؤية وجرأة القرار، حتى غدَا رمزًا لمن يرى النور وسط العواصف ويمضي بخطىٍ ثابتةٍ نحو ما يؤمن به.
في مرحلةٍ مبكرةٍ، اختار طريقَ الجهاد وهو يدرك أن ثمرةَ هذا الطريق هي الاصطفاء؛ فقد باع نفسه لله فربح البيع، وأصبح من الأحياء عند ربهم، بينما لا نزال نحن في صفوف الأموات حتى يصطفينا الله كما اصطفى الأولين، ومنهم الشهيد الغماري.
كان حضوره في كُـلّ محطة امتدادا لمسيرته القرآنية ومشروعه الإيماني في إقامة دين الله ونصرة المستضعفين. لم يكن يسعى إلى مكانٍ في الصدارة بقدر ما كان يحمل همًّا؛ يرى في كُـلّ قضية واجبًا، وفي كُـلّ محنةٍ اختبارا لمعادن الرجال.
وهل هناك قضية أعظم من قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ وهل هناك مظلومية أعظم من مظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لأبشع الجرائم على مرأى ومسمع من العالم، وخُصُوصًا من الشعوب العربية والإسلامية؟
ولمن أراد أن يعرف الشهيد الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري (سيدي هاشم)، فليسأل كيف كانت القوات المسلحة اليمنية قبل عام 2015 وكيف أصبحت بعدها. ليسأل عن شِدَّةَ بأسِ الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي أرعبت الأساطيل والبوارج الأمريكية في البحار، وكذا الأُسطورةَ الأمريكيةMQ-9، وعن ميناء أم الرشراش وإيلات وحيفا ويافا وبن غوريون واللد. ليسأل ستّةَ ملايين يهوديٍ وهم يدخلون الملاجئ كالجرذان، فعندها فقط سيعرف من هو الشهيد الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري.
أما نحن فقد عرفناه قائدًا متواضعًا، يتقدّم الصفوف لا بالكلمة فحسب، بل بالموقف. كان يؤمن أن القيادة ليست سلطةً، بل مسؤولية تُقاس بمدى القدرة على إلهام الآخرين وتحريك وعيهم. لذلك ظلّ يتعامل مع الميدان كمدرسةٍ لتخريج القيم، ومع التحديات كفرصٍ لاختبار الثبات.
امتاز بقدرته على الجمع بين الانضباط والتجديد، بين حزم القائد ورحابة الإنسان. كان حاضرًا في أدقّ التفاصيل وأبعد الرؤى، يرى في كُـلّ خطوةٍ مجالًا للتأمل، وفي كُـلّ انتصار دافعًا للتواضع. ومن تلك الروح تولّد تميّزه؛ إذ لم يكن الصراع بالنسبة إليه غايةً، بل وسيلةً لصناعة الوعي وصون الكرامة.
لقد كان حمزة العصر يقرأ الواقع بعينٍ ثاقبة، ويزن المواقف بميزان الحكمة؛ فلا تستهويه الشعارات ولا تُغريه المظاهر، واقفًا على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، متسلّحًا ببصيرةٍ جعلته يتقدّم في زمنٍ تعثّر فيه كثيرون.
وفي مسيرةٍ امتدت عبر سنواتٍ من العمل المتواصل، قدّم نموذجًا للقائد الذي لا يغيب عن الميدان، ولا يتنازل عن المبدأ مهما تبدّلت الظروف.
واليوم، حين نتحدث عنه فإن الحديث لا يكون مُجَـرّد استذكارٍ لسيرةٍ شخصيةٍ فحسب، بل قراءةٌ لتجربةٍ نادرةٍ جمعت بين الفكر والموقف، بين الصبر والتضحية، بين الإيمان بالفعل والإخلاص في العطاء. والولاء والانتماء والاقتدَاء والاهتداء بخاتم الأنبياء والمرسَلين وأهل بيته من أعلامِ الهدي، وفي مقدّمتهم سيدي ومولاي القائد العظيم السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي – أرواحنا وأموالنا وأولادنا له الفداء…
تلك التجارب تُكتب في وجدان الأُمَّــة قبل أن تُكتب في دفاتر التاريخ، لتقول إن العظمة لا تُقاس بما نملك، بل بما نقدّم من صدقٍ وإخلاص في دروب المسؤولية. والتضحية والفداء لمواجهة طواغيت العصر – أمريكا و(إسرائيل).
التعليقات مغلقة.