عنوان المرحلة ومقتضياتها .. وعيٌ تام وجهوزيةٌ عالية

صنعاء سيتي | مقالات | عبدالحكيم عامر

 

 

في ظل ما تشهده منطقتنا من تطورات مصيرية، وما تعرض له شعبنا الفلسطيني في غزة خلال العامين الماضيين من إبادة جماعية وعدوان وحشي من قبل العدو الصهيوني، بدعم أمريكي مباشر، ندخل اليوم مرحلة جديدة عنوانها الأساسي: الوعي بأن ما حصل لا يتجاوز كونه جولة من جولات الصراع المفتوح مع المشروع الأمريكي الصهيوني الاستعماري الاستكباري الذي لا يزال يملك أدواته العسكرية والإعلامية والسياسية، ويواصل تنفيذ مؤامراته بأشكال أكثر خُبثًا وتركيبًا.

من الخطأ القاتل أن يُفهم أي تراجع تكتيكي للعدو على أنه نهاية المعركة، فالعدو لم يتخلّ عن أهدافه ولم يتراجع عن مشروعه، وإنما يعيد ترتيب أوراقه ويستعد لجولات أخرى من الحرب، هذه الحقيقة المحورية هي مفتاح قراءة المشهد الراهن، وهي التي تحدد ملامح ما يجب أن يكون عليه الموقف العربي والإسلامي، والتي يجب أن تترسخ في وعي الشعوب الحرة، وفي مقدمتها محور المقاومة، الذي بات اليوم الرقم الأصعب في معادلة الصراع مع المشروع الصهيوأمريكي.

إن ما حصل خلال العامين الماضيين من عدوان صهيوني همجي على غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، بدعم مباشر من أمريكا والغرب، كشف عن طبيعة المشروع المعادي: مشروع لا يعترف بوقف دائم للعدوان، ولا يؤمن بحقوق الشعوب، ولا يتراجع عن مخططاته، بل يعيد ترتيب أوراقه ويستبدل أدواته ويغير تكتيكاته ليواصل المؤامرة بأشكال جديدة، إنهم ببساطة يعلنون بوضوح أن الحرب بالنسبة لهم صراع وجودي طويل الأمد، وليس جولة مؤقتة، وهذا ما يجب أن يُدركه محور المقاومة بكامل مكوناته.

العدو الصهيوني اليوم ليس في وضع ضعف كامل، لكنه في حالة ارتباك استراتيجي غير مسبوقة، في المقابل، فإن أي شعور بالاطمئنان الزائف من جانبنا قد يشكل ثغرة قاتلة يمكن أن يستغلها العدو في جولة جديدة من عدوانه، ومن هنا، فإن الوعي العميق بطبيعة هذه المرحلة يفرض علينا أن نرتقي في مستوانا الفكري، والسياسي، والإعلامي، والعسكري، بحيث نكون أكثر استعداداً من أي وقت مضى.

إن مقتضى المرحلة اليوم هو العمل الحثيث لتحويل هذه الانتصارات إلى قوة رادعة دائمة، وإلى منظومة وعيٍ شعبيٍ وفكريٍ تُحبط أي مؤامرة جديدة، فالأمريكي والصهيوني لم يتوقفا عن التخطيط؛ بل أعادا حساباتهما ويعملان على جبهات متعددة العسكرية والإقتصادية والسياسية والإعلامية.

أمام هذا المشهد، لا بد أن تكون الجهوزية الشاملة عنواناً لموقفنا، وهذه الجهوزية ليست محصورة في السلاح والعدة فحسب، بل تمتد لتشمل: جهوزية الفكر والوعي، أن نفهم جيداً طبيعة العدو ومشروعه، وأن لا نسمح بحالة التراخي أو الغفلة، فكل هدوء مؤقت قد يخفي وراءه عاصفة قادمة، الوعي الشعبي هو خط الدفاع الأول ضد أي اختراق

وجهوزية الإعلام المقاوم، لا بد من بناء خطاب إعلامي مقاوم واعٍ، يُفكك رواية العدو، ويكشف أكاذيبه، ويحصّن الجبهة الداخلية ضد الحرب النفسية التي تُعد اليوم من أخطر أسلحة الصهاينة والأمريكان.

جهوزية الجبهة السياسية والإقتصادية والجبهة الداخلية، لتعزيز الصمود وعدم السماح بخلق ثغرات يستغلها العدو، عبر تعزيز وحدة الصف الداخلي، وإفشال كل محاولات الاختراق والتمزيق، وإيجاد وعي جماعي يجعل من كل فرد جزءًا من معركة الوعي والصمود.

جهوزية عسكرية وأمنية بالاستعداد لأي عدوان، وبناء القوة الردعية المتصاعدة التي تُربك العدو وتمنعه من تحقيق أهدافه، وتعزز معادلة “الردع بالردع”.

إن المعركة اليوم هي معركة وعي بالدرجة الأولى، لأن من يملك وعي الشعوب يملك قدرتها على الصمود والانتصار، كل جولة يخوضها العدو يخسر فيها مزيداً من شرعيته وسمعته وقدرته على الهيمنة، بينما تكتسب المقاومة مزيداً من الحضور والمصداقية الشعبية والإقليمية، لكن هذا لا يعني أن العدو قد استسلم، بل هو يستعد لجولات قادمة أكثر خطورة، خصوصاً في ظل انكشافه أمام الشعوب الحرة وفقدانه عنصر المفاجأة.

ولهذا فإن عنوان المرحلة هو الوعي فهو السلاح الأول، والجهوزية هي صمام الأمان، فكل جولة تُكسبنا خبرة ووعياً وصلابة أكبر، والعدو بدوره يزداد انكشافًا ووهنًا رغم ما يملكه من أدوات القوة، أما من يظن أن المعركة انتهت، فإنه يترك الباب مفتوحًا لمؤامرات أشد خطورة، لأن المشروع الصهيوني الأمريكي ما زال يستهدف الأمة، والاستحقاقات القادمة أكبر. وواجبنا أن نكون بحجم التحدي، حاضرين بكل وعينا، جاهزين بكل طاقاتنا، ثابتين في ميدان المواجهة حتى تحقيق الوعد الإلهي بالنصر.

التعليقات مغلقة.