طوفان الأحرار.. إرادة فلسطينية لا تعرف الانكسار
صنعاء سيتي | تقرير
في مشهد تاريخي ينتمي إلى زمن الكبرياء الفلسطيني، ويُعيد تشكيل المعادلات من قلب المواجهة، دوّى صدى “طوفان الأحرار” كعنوان ملحمي جديد في تاريخ الجهاد والمقاومة ضد العدو الصهيوني، حيث انتزعت المقاومة الفلسطينية – بإرادتها الصلبة وثباتها الأسطوري – انتصارًا استراتيجيًا قلّ نظيره، أُجبر فيه العدو الإسرائيلي على الخضوع، لا لمعادلة القوة الغاشمة، بل لمعادلة الإرادة، والكرامة، والتفاوض بشروط المقاومة.
بعد عامين من القتل والدمار والحصار، وبعد أن استنفد العدو الإسرائيلي كل محاولات الاسترداد العسكري لأسراه، وجد نفسه مرغمًا على العودة إلى طاولة التبادل، يجرّ أذيال العجز، ويسلّم بموازين جديدة فرضتها المقاومة، فكانت صفقة تبادل الأسرى هذه لحظة فاصلة، ومفترقًا في مسار الصراع.
في هذه الصفقة، تحرر 1968 أسيراً فلسطينياً، بينهم رموز كبيرة ومئات من أصحاب الأحكام المؤبدة والعالية، مقابل إطلاق المقاومة سراح 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء، سلّمتهم كتائب القسام عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في مشهدٍ استثنائي يتحدى المنطق العسكري للعدو الإسرائيلي، ويعكس عمق التنظيم والانضباط في أداء المقاومة.
- عدد المحررين: 1968 أسيرًا فلسطينيًا.
منهم:
- 192 أسيرًا محكومون بالمؤبد.
- 25 من أصحاب الأحكام العالية.
- 16 أسرى متوقع الحكم عليهم بالمؤبد.
- 1718 أسيراً من قطاع غزة، اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023.
الجانب الإسرائيلي: تسلم 20 أسيرًا أحياء، بالإضافة إلى جثامين 4 آخرين سلّمتهم كتائب القسام في وقت لاحق.
وصباح اليوم وصلت 38 حافة إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، تقل 1736 أسيرا اعتقلوا خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر2023. بينهم أسيرتان، و3 أسرى أردنيين هم: منير عبد الله مرعي، هشام أحمد كعبي، ووليد خالد منصور.
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، فقد أفرج العدو اليوم عن 250 أسيراً حكم عليهم بالمؤبد، 83 منهم من سجن “عوفر”، و167 أسيرا من سجن النقب (كتسيعوت)، وضمت القائمة 24 أسيرا من محافظة القدس يقضون أحكاما متفاوتة بالسجن الفعلي.
أما من الجانب الفلسطيني فقد بدأت عملية التبادل على دفعتين، حيث قامت كتائب القسام بتسليم اللجنة الدولية للصليب الأحمر 7 أسرى إسرائيليين عند الساعة الثامنة صباحا في مدينة غزة، ثم نفذت الدفعة الثانية وشملت 13 أسيرا آخرين بعد الساعة العاشرة والنصف صباحا في جنوب القطاع.
وفي وقت لاحق أعلنت كتائب القسام أنها سلمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جثامين أربعة أسرى إسرائيليين. وذكرت الكتائب في تصريح صحفي، أن الأسرى الذين تم تسليم جثامينهم هم: “غاي إيلوز، يوسي شرابي، بيفين جوشي، ودانيال بيريز”.
وبهذه الصفقة، انخفض عدد الأسرى المحكومين بالمؤبد في سجون العدو الإسرائيلي من 608 مؤبدات إلى 121، في تطور لافت يعكس حجم الإفراجات التي تمت خلال صفقات التبادل الثلاث التي جرت في إطار معركة طوفان الأقصى. وأسفرت الصفقات عن تحرير أكثر من 3985 أسيراً فلسطينياً من مختلف الفصائل والانتماءات، وتضمنت الصفقات الإفراج عن 486 أسيراً محكوماً بالمؤبد، و319 أسيراً من أصحاب الأحكام العالية، إضافة إلى 33 أسيراً كانوا متوقعين الحصول على مؤبد أو أحكام مرتفعة، إلى جانب 144 أسيرة و297 طفلاً من المعتقلين. كما شملت عمليات الإفراج 2724 أسيراً من أبناء قطاع غزة الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر.
وضمن المحررين 4 من أبرز قادة حماس، وهم:
الأسير القائد محمود عيسى (54 عامًا)، من بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة، أحد أقدم الأسرى الفلسطينيين وأحد مؤسسي العمل العسكري لحركة حماس في مدينة القدس. اعتقله العدو الإسرائيلي عام 1993، وحكم عليه بثلاثة مؤبدات و46 عامًا بتهمة قيادة خلية نفذت عملية أسر الجندي الإسرائيلي “نسيم توليدانو” عام 1992، التي وصفها العدو بأنها أخطر عملية أسر في تاريخه. قضى عيسى 28 عامًا متواصلة في السجون و13 عامًا منها في العزل الانفرادي، حُرمت خلالها عائلته من زيارته، ويُعرف بأنه من أبرز قادة الحركة الأسيرة، وكاتب ومؤلف أصدر من داخل السجن أعمالًا فكرية وأدبية عدة، منها “حكاية صابر” و”المقاومة بين النظرية والتطبيق”. ولد محمود عيسى عام 1968، ودرس في كلية الشريعة بجامعة القدس، وعمل قبل اعتقاله مديرًا لمكتب صحيفة “صوت الحرية والحق” داخل أراضي 1948.
الأسير باهر محمد بدر (47 عامًا) من بلدة بيت لقيا برام الله، اعتقل في 7 أبريل 2004 بعد مطاردة استمرت سنوات خلال انتفاضة الأقصى. اتهمه العدو بالانتماء لحركة حماس والمشاركة في التخطيط لعمليات نوعية، أبرزها عملية تسريفين عام 2004، ومقهى هليل في القدس، والمحطة المركزية في “تل أبيب”. يقضي بدر حكمًا بالسجن 11 مؤبدًا، وهو من الأسرى الذين شكلوا رموزًا للنضال داخل المعتقلات، لما عُرف عنه من انضباط وتنظيم ودور مؤثر في صفوف الحركة الأسيرة.
الأسير نصري عاصي (48 عامًا) من بلدة بيت لقيا غرب رام الله، اعتقل في 17 يوليو 2005، بعد نحو شهر ونصف من زفافه، وحُكم عليه بـ18 مؤبدًا و70 عامًا بتهمة الانتماء إلى كتائب القسام والمشاركة في عملية استشهادية. عاش نصري تجربة قاسية داخل سجون العدو الإسرائيلي، أنهى دراسته الثانوية في الأسر، ويُعد من الأسرى الذين واصلوا التحدي رغم سنوات الحكم الطويلة والعزلة القاسية.
الأسير أيمن عبد المجيد عاشور سدر (57 عامًا) من بلدة أبو ديس شرق القدس، اعتقل في 13 مايو 1995 على حاجز بيت حانون أثناء عودته من غزة، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة إضافة إلى 25 عامًا. خضع لتحقيق قاسٍ استمر خمسة أشهر في مركز المسكوبية، وتعرض لتعذيب ممنهج وحرمان طويل من الزيارة. رفض العدو إدراجه ضمن صفقة وفاء الأحرار عام 2011، وأغلق منزله بالباطون المسلح بعد اعتقاله. يعاني سدر من أمراض مزمنة في الكلى والمفاصل، وأصيب خلال جائحة كورونا بجلطة رئوية حادة نُقل إثرها للعناية المكثفة، دون أن يتلقى الرعاية الطبية اللازمة. يُعرف بدوره التنظيمي والتربوي داخل السجون، ويحظى بتقدير واسع بين رفاقه الأسرى. درس المرحلة الأساسية في مدارس القدس المحتلة، ودرس المرحلة الثانوية في المعهد العربي في أبو ديس، وحصل على الثانوية العامة من سجون العدو، ونال درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، ودرجة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من قسم الدراسات العليا في كلية الدعوة الجامعة للدراسات الإسلامية في لبنان.
في قلب المشهد، أصدرت كتائب القسام بيانًا جاء فيه أن هذه الصفقة هي ثمرة صمود الشعب الفلسطيني، ومقاوميه، وثباتهم في مواجهة آلة الحرب النازية. وأكدت الكتائب أنها التزمت بالاتفاق، وفاءً لأسرى الحرية، وأن العدو الإسرائيلي لم يكن ليستعيد أسراه لولا هذه الصفقة، بعد أن فشل في استردادهم بالقوة رغم فظاعة عدوانه.
وأشارت إلى فشل العدو في استعادة أسراه بالضغط العسكري، رغم تفوقه الاستخباري وفائض القوة التي يملكها، وها هو يخضع ويستعيد أسراه من خلال صفقة تبادلٍ؛ كما وعدت المقاومة منذ البداية. وأكدت أنه كان بإمكان العدو النازي استعادة معظم أسراه أحياء منذ شهورٍ عديدة، ولكنه ظل يماطل ويكابر، وفَضّل أن يقوم جيشُه بقتل العشرات منهم نتيجة سياسة الضغط العسكري الفاشلة.
ألوية الناصر صلاح الدين أعلنت أنها أفرجت عن أحد الأسرى الإسرائيليين – أرييل كونيو – وأكدت أن الصفقة انتصار سياسي وميداني، ودليل على إخفاق العدو الإسرائيلي في فرض إرادته بالقوة.
حركة حماس من جهتها أكدت أن الصفقة إنجاز وطني تاريخي، وأكدت أن تحرير الأسرى هو وعد المقاومة الذي لا يتخلف، وحق على رأس الأولويات الوطنية. كما دعت المؤسسات الحقوقية لتحمّل مسؤولياتها إزاء ما كشفه المحررون من تعذيب وحشي تعرضوا له داخل سجون العدو.
وأكدت حركة حماس أن تحرير أسرانا الأبطال، ومن بينهم أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية الذين قضوا عقودًا طويلة خلف القضبان، هو ثمرة بطولة وصمود شعبنا العظيم في قطاع غزة، وأبنائه في المقاومة الباسلة، وهو وفاءٌ من المقاومة بعهدها لشعبها وأسراها، وتجسيد لإرادة التحرير التي لا تنكسر أمام بطش النازيين الجدد. ونبهت إلى أن نتنياهو وجيشه لم ينجح على مدار عامين من حرب الإبادة والتدمير في تحرير أسراه بالقوة، واضطر في النهاية للرضوخ لشروط المقاومة، التي أكّدت أنّ طريق عودة جنوده الأسرى لا يكون إلا عبر صفقة تبادل، وإنهاء حرب الإبادة.
من جهته أكد زياد النخالة، أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، أن ما تحقق هو ثمرة تضحيات رجال المقاومة، وأن راياتها ستبقى عالية حتى تحرير كل الأسرى. مضيفا أن هذا الإنجاز لم يكن ليتمّ لولا رجال المقاومة وبسالة المقاتلين في الميدان، ولولا وحدة الشعب الفلسطيني خلف مقاومته. وأضاف: “بقيت رايات المقاومة عالية ولم تُكسر، وبقيت المقاومة في الميدان، وبقي شعبنا عزيزاً كريماً متمسكاً بمقاومته، ولن يسقط هدف تحرير باقي أسرانا البواسل من أولويات المقاومة”.
وفي هذا الانتصار العظيم: في غزة، والضفة، والقدس، خرج الناس في مشاهد احتفالية عارمة، زُف فيها الأسرى المحررون كالعائدين من ساحة الشرف، وسط الأهازيج والدموع، في لوحة وطنية تعبر عن مشاعر النصر مجددة التأكيد على أن الأمة التي تقاتل من أجل كرامتها ومقدساتها لن تنكسر.
*نقلاً عن موقع أنصار الله
التعليقات مغلقة.