صمود غزة، وسقوط سردية العدو. قراءة في كلمة السيد القائد بالذكرى السنوية الثانية لطوفان الأقصى

صنعاء سيتي | تقرير | صادق البهكلي

 

 

في زمن تتكالب فيه قوى الطغيان العالمي على أمتنا، وتُحاك المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية وتغييب هوية الشعوب، سطعت غزة من جديد كقبس أمل وميدان بطولة، فدوّى صوت المقاومة ليكسر جدران الحصار ويزلزل كيان الاحتلال ويُربك حساباته. شهدت الأعوام الأخيرة تحولات غير مسبوقة في معادلات الصراع، حيث تعرّت حقيقة العدو الإسرائيلي أمام العالم، وانكشفت هشاشة دعمه الأمريكي والغربي، مقابل صمود أسطوري لشعب يواجه الإبادة بصدور عارية وإيمان لا يلين. 

وبينما خذلت الأنظمة الرسمية القضية الفلسطينية وارتضت العجز، كان للأحرار في أمتنا كلمتهم… من جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق وإيران، إلى حشود الملايين في الساحات والميادين، امتدّ الوعي، وتنامى الزخم، لتتجسد وحدة القضية في الموقف والعمل والتضحية.

في هذا التقرير نرصد أبرز مسارات العدوان والمقاومة، حسب ما تناوله السيد القائد في كلمته الأسبوعية، ويكشف فيها بالأرقام والحقائق كيف تحوّل طوفان الأقصى إلى نقطة تحوّل في تاريخ الأمة والصراع مع العدو، ويضيء على الدروس والاستحقاقات القادمة في معركة الوعي والصمود والتحرر.

عامان من الإبادة في غزة: جريمة العصر

في كلمته الأسبوعية حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية أطل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي على غزة المثخنة بالجراح، ليضعنا وجهًا لوجه أمام أعتى مشهد عرفه هذا العصر في الإجرام والطغيان، ففي الذكرى السنوية الثانية لعملية طوفان الأقصى، ومع الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار، تتجدد الأسئلة حول معنى العدوان الذي قال عنه السيد القائد: “عدوانٌ هو الأكثر دمويةً، وإجراماً، وطغياناً في هذا العصر، وعلى مسار العدوان الإسرائيلي، والاحتلال الإسرائيلي، والظلم الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، منذ بداية الاحتلال إلى اليوم؛ لأن العدو الإسرائيلي هو في حالة عدوانٍ مستمر منذ بداية احتلاله لفلسطين وإلى اليوم”.

عامان من الإبادة الجماعية، كما يصفها السيد عبد الملك، لم تكن أرقامًا في نشرات الأخبار، بل جرحًا مفتوحًا على الذاكرة والضمير. يعدد السيد القائد أوجه الجريمة بلا مواربة، فيقول: “بأفتك وسائل القتل، وبكل أنواعها، من القنابل الأمريكية المدمِّرة والحارقة، إلى زخَّات الرصاص، التي يطلقها العدو الإسرائيلي، أحياناً بشكلٍ عشوائي، وأحياناً بالقناصة، حتَّى للأطفال، والاستهداف لهم بإطلاق النار على كل مناطق القتل: على قلوبهم، وعلى رؤوسهم، في استهدافٍ متعمَّد، وكذلك هو الحال في الاستهداف للنساء، في الاستهداف للمدنيين بشكلٍ عام، بكل وسائل القتل والإبادة.”

أما الجوع والعطش، فقد تحولا إلى سلاح بيد العدو، حتى “وصل إلى درجة أن يكون حليب الأطفال على رأس قائمة الممنوعات على الشعب الفلسطيني، وعلى أطفاله”. ويضيف السيد عبد الملك: “دمَّر العدو الإسرائيلي آبار المياه… يستهدف الذين يسعون للحصول على الماء بشق الأنفس، ويعملون على جلبه لأسرهم، وحتَّى الأطفال منهم يستهدفهم بالقتل، حتَّى حوَّل مسألة الحصول على شربة الماء إلى مسألة معقَّدة ومحفوفة بالمخاطر”.

وفي وصف مأساة القطاع الطبي، يقول السيد القائد: “جعل عدداً من عملياته العسكرية مركَّزةً على المستشفيات، وارتكب فيها أبشع الجرائم، بما في ذلك: الاستهداف للأطفال الرُّضَّع، والأطفال الخُدَّج، وهم في الحضَّانات في المستشفيات، القتل للمرضى، والاستهداف لكل مقومات المجال الطبي؛ وبهدف إبادة الشعب الفلسطيني، وحرمانه من أيِّ رعاية طبِّيَّة”.

هذه الجرائم -كما يعددها السيد عبد الملك- لم تقتصر على البشر فقط، بل طالت الحجر والشجر، فـ”مارس التدمير الشامل لقطاع غزَّة، في شماله، في وسطه، في جنوبه، في مدينة غزَّة، وسعى لإنهاء أحياء كاملة، ومربَّعات سكنية كبيرة، وجلب مقاوليه من الصهاينة؛ ليكونوا عاملين في هذا الاتِّجاه مع جيشه المجرم، وعصاباته الإجرامية.” ويضيف: “العدو الإسرائيلي جعل التهجير القسري هدفاً من أهدافه العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ومنع أي حالة استقرار للشعب الفلسطيني. تهجير مستمر من مربَّع إلى آخر، من منطقةٍ إلى أخرى، مناطق يعلنها [آمنة]، ثم يستهدف النازحين فيها.”

وفي أرقام تصرخ من عمق الكارثة يقول السيد عبد الملك: “قتل العدو الإسرائيلي وجرح -وبشراكةٍ أمريكية- ما نسبته 11% من أهالي قطاع غزَّة… أكثر من (سبعةٍ وستين ألف شهيد)، ما يقارب نصفهم من الأطفال والنساء، أكثر من (عشرة آلاف مفقود)، أكثر من (مائة وتسعة وستين ألف جريح)، منهم أكثر من (تسعة عشر ألف جريح) في مصائد الموت، الَّتي نصبها الأمريكي والإسرائيلي مع التجويع.”

ولا ينسى السيد القائد أن يشير إلى استهداف كل مقومات الحياة: “استهدف أيضاً المساجد في قطاع غزَّة: أكثر من (ألف مسجد)… استهدف المدارس بشكلٍ واسع… استهدف حتَّى المقابر في قطاع غزَّة: أكثر من (أربعين مقبرة)… سرق الجثامين: أكثر من (ألفين جثمان) سرقها… استهداف للإعلاميين بشكلٍ واسع… استهداف للعاملين في المجال الإنساني، والدفاع المدني… استهدف الكبار والصغار، والأطفال والنساء، استهدف الجميع في قطاع غزَّة بكل وحشيَّة وإجرام لا مثيل له.”

هذه الشهادة المباشرة من السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي تلخص -بلا مواربة أو تجميل- حقيقة العدوان الذي جثا بظله الثقيل على غزة لعامين كاملين. عدوانٌ وصفه بأنه “جريمة العصر، وجريمة القرن”، جريمة لا تبررها أي قوانين أو أعراف، ارتكبت أمام أعين العالم، ولا تزال تدق ناقوس الضمير الإنساني كل يوم.

عملية طوفان الأقصى محطة فارقة في مسار المقاومة وتصدّي المشروع الصهيوني

في الذكرى السنوية الثانية لعملية “طوفان الأقصى”، يصف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي هذه العملية بأنها “محطة فارقة، ونقلة مهمة جــدًّا، وكبيرة، وعظيمة، في جهاد الشعب الفلسطيني، وفي إطار الحق المشروع للشعب الفلسطيني في جهاده ضد العدو الإسرائيلي، المغتصب، المحتل، القاتل، المرتكب للجرائم على مدى كل هذه العقود.” لم يكن السابع من أكتوبر حدثًا عابرًا في سجل المواجهة، بل لحظة انفجار تاريخي جاءت في سياق طويل من الظلم والعدوان، حيث تراكمت سبعة عقود ونصف من القتل والاختطاف، وانتهاك الحرمات والكرامة، ومصادرة الحرية واغتصاب الأرض، واستهداف المقدسات، حتى صار “الوجود الإسرائيلي بكله في فلسطين هو عدوان، هو إجرام، هو اضطهاد، هو احتلال، هو اغتصاب، هو مصادرة للحقوق”.

يرى السيد عبد الملك أن عملية طوفان الأقصى لم تكن مجرد شرارة، بل كانت ردًا على “مسار تصفية للقضية الفلسطينية” اتخذه العدو الأمريكي والإسرائيلي، مشروع يقوم على حسم السيطرة التامة على فلسطين، بل ويمتد نحو إعادة تشكيل المنطقة برمتها في إطار “مخططهم العدواني، والإجرامي، والباطل، والظالم، في إنشاء ما يسمُّونه بـ[إسرائيل الكبرى]”. ويضيف السيد القائد: “كل هذه العنـــاوين تعني: المصادرة الكاملة لحقوق شعوبنا، لكرامة شعوبنا، لاستقلال شعوبنا… وأن تتحوَّل هذه المنطقة بكل ما فيها في إطار خدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية”.

هكذا، تحضر ذكرى الطوفان هذا العام كتأكيد على أن المقاومة الفلسطينية لم تكن -يومًا- خيارًا عبثيًا، أو فعلاً معزولًا عن سياقاته، بل هي امتداد طبيعي “للسياق المستمر من الاضطهاد والعذابات ضد الشعب الفلسطيني”، ومواجهة مفتوحة مع مشروع استعباد المنطقة وطمس هويتها ومصادرة حقوقها، في صراع تتداخل فيه الجغرافيا بالمقدسات، والذاكرة بالمستقبل.

مسارات تصفية القضية: التطبيع، التغيير الشامل، واستهداف الهوية في مؤامرة السيطرة على الأمة

في سياق العدوان الإسرائيلي المستمر، يبرز ما أشار إليه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حول المسارات الخطيرة التي تحركت فيها القوى الصهيونية والأمريكية، بدعم غربي واسع، من أجل تصفية القضية الفلسطينية نهائيًّا.

ويؤكد السيد القائد أنّ “العدو الإسرائيلي -بشراكة أمريكية ودعمٍ غربي- كان في وتيرة عملٍ مكثَّفةٍ جــدًّا، وفي مخطَّطات واسعة؛ لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي. والأخطر في ذلك: أنَّ ذلك كان بمساعٍ أيضاً لإشراك أنظمة عربية في ذلك”. وفي هذا السياق، ظهرت عناوين مثل [صفقة القرن] التي جاء بها ترامب، وما سبقها وما تلاها من مشاريع تهدف إلى “تغيير الشرق الأوسط”، حيث كان العمل جارياً “بكل الوسائل في إطار هذا العنوان، يعملون لتنفيذه معاً (الأمريكي، والإسرائيلي)، ويحاولون أن يجنِّدوا معهم من الأنظمة في المنطقة من يتجنَّد، من يتجنَّد حتَّى ضد شعوبه، شعوب أمته، ضد هذه الأُمَّة، ضد هذه المنطقة”.

ولم يكن التطبيع مجرد خيانة في العلاقة مع العدو الإسرائيلي، بل كان “الدخول في اتِّفاقيات يعنونونها بـ [السلام]، وباطنها الاستسلام والتسليم بالسيطرة الإسرائيلية”، حيث تتضمن التزامات من طرف واحد، هو الطرف العربي، تمهيدًا لتمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة الشاملة على المنطقة.

وفي مقدمة هذه الالتزامات -كما يصف السيد القائد- “القبول بتصفية وإنهاء القضية الفلسطينية، والتفريط بها”، وهو ما تجلى في مواقف بعض الأنظمة العربية التي واصلت علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال، رغم أن هناك دولًا غير إسلامية قطعت علاقاتها تضامنًا مع الشعب الفلسطيني.

ويمضي السيد عبد الملك في كشف خطورة المسارات الأخرى، ومنها تغيير المناهج الدراسية الرسمية العربية، بما يضمن “تربية الجيل الناشئ على الولاء للعدو الإسرائيلي، والتعظيم له، والقبول بسيطرته”، وهو ما اعتبره “كارثة كبرى”، واحتلالًا للعقول والقلوب وتغييرًا للولاءات.

كما تطرق إلى مسار الخطاب الديني، حيث “وصلت المسألة إلى إزاحة آيات من كتاب الله من المناهج الدراسية، لأن وجودها لا يرضي اليهود الصهاينة”. ويترافق ذلك مع هجمة إعلامية مكثفة تهدف إلى تقديم العدو الإسرائيلي بصورة إيجابية، وتلميع الاحتلال، مع إساءة مستمرة للشعب الفلسطيني ومجاهديه.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل شمل أيضًا “ربط الاقتصاد العربي بالعدو الإسرائيلي”، وبدء الهندسة لتحويل ميناء حيفا إلى ميناء رئيسي للمنطقة، وشق قناة بديلة عن السويس، وربط الاتصالات والإنترنت بالاحتلال، ما يجعل المنطقة “مرتبطة به”، مع استمرار العمل على كل هذه المسارات، رغم أن عملية طوفان الأقصى أسهمت في تأخيرها وإعاقة تنفيذها.

ويضيف السيد عبد الملك: “العدو الإسرائيلي أراد أن يتحكَّم بكل شيء في ما يتعلَّق بهذه الأُمَّة: بالميـــاه، بالاقتصاد، بالثروات، وصولاً إلى نهر النيل ونهر الفرات”، مستهدفًا بذلك إذلال الشعوب، والسيطرة على مقدراتها، وتحويلها إلى أسواق استهلاكية بلا إنتاج أو اكتفاء ذاتي.

وفي سياق استهداف الهوية، فُتح المجال للإفساد وطمس القيم وتفريغ الشباب من محتواهم الإنساني والأخلاقي والديني، حتى صار المشهد في بلاد الحرمين الشريفين “ذروة الحفلات الراقصة، الماجنة، العابثة، المستهترة”، وهي الصورة التي يريدها العدو أن تعمّ واقع الأمة، ليتزامن الضياع مع كل مأساة وكارثة.

كما تطرق السيد القائد إلى “التجنيس لليهود الصهاينة في البلدان العربية بكامل الحقوق، وفوق الحقوق”، وتمكينهم من النفوذ الاقتصادي والإداري والسياسي، وشراء الأراضي والعقارات حتى في المدينة المنورة ومكة المكرمة، في مشهد اختراق غير مسبوق.

وفي ظل هذا كله، يعمل العدو على “تفكيك بلدان المنطقة إلى كيانات صغيرة، متناحرة تحت مختلف العناوين: طائفية، سياسية، مناطقية”، بهدف شحن الواقع العربي بالأزمات، وتعبئة الناس بالأحقاد والضغائن، في حين يبقى العدو الإسرائيلي مركزًا على أهدافه وخططه. ويؤكد السيد عبد الملك أن هذه المسارات جميعها تأتي “في سياق تصفية القضية الفلسطينية من جانب، وفي سياق [تغيير الشرق الأوسط] كما يسمُّونه. حالة استهداف شامل في كل المجالات”.

بعد هروب العدو الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005 -كما يصف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي- لم يكن ذلك “تكرماً” أو عن قناعة بحق الشعب الفلسطيني في أرضه، بل كان انسحاب المهزوم الحاقد، العاجز عن التسليم بأن غزة تعود لأهلها وأصحابها الشرعيين. ومنذ ذلك الحين، لم يغادر الاحتلال ساحة الجريمة، بل غيّر أدواتها وشدّد قبضته عبر الحصار والعدوان المستمر.


يؤكد السيد القائد أن “الحصار استمر على مدى ثمانية عشر عاماً، حصار بكل ما تعنيه الكلمة لقطاع غزَّة، لا يدخل لهم من الطعام والشراب والاحتياجات الإنسانية والمواد الضرورية إلَّا اليسير، إلَّا كميات محدودة، وتضييق مستمر في كل شيء.” طوال هذه السنوات، لم يكن القطاع يعرف طعم الراحة أو فرص الحياة الطبيعية؛ فالخنق الاقتصادي والاجتماعي أصبح سياسة رسمية للاحتلال.

لم يكتفِ العدو بذلك، بل توالت جولات العدوان الشامل في محطات مفصلية: “في العام 2008، وفي بداية العام 2009، وفي العام أيضاً 2011، وفي العام 2014، وفي العام 2021″—كما يعدد السيد عبد الملك—حيث شهدت غزة موجات من الغارات المدمرة، ومحاولات الاجتياح البري، وارتقاء آلاف الشهداء من أبنائها، في حلقة لا تنتهي من الاعتداءات المستمرة.

قبيل عملية طوفان الأقصى، كانت المؤشرات واضحة: “تحضيرات، ومناورات، وإطلاق تصريحات تؤكِّد توجه الإسرائيلي لعدوان جديد وشامل ومدمِّر على قطاع غزَّة، وتحضير واضح للعدوان… هذا في العام 2023 ما قبل عملية طوفان الأقصى.” في الخلفية، تواصلت الانتهاكات في بقية فلسطين، وتكثفت الاعتداءات على المسجد الأقصى، الذي يقول السيد عبد الملك إنه “قضية مهمة للشعب الفلسطيني، ولكل الأُمَّة. العدوان على المسجد الأقصى هو عدوان على الشعب الفلسطيني بكله، وعلى الأُمَّة بكلها، وعلى دينها، مقدَّس عظيم من مقدَّساتها.”

وفي الضفة الغربية، لم تغب الاعتداءات والانتهاكات، فاستمر الصلف الإسرائيلي في استهداف البشر والحجر، وفي إرهاق الأسرى الفلسطينيين في السجون بسياسات التعذيب والقهر دون أفق لأي حل عادل: “تعذيب واضطهاد للأسرى، ودون أفق واضح لمعالجة قضية الأسرى. العدو الإسرائيلي يحاول أن يصل بالشعب الفلسطيني إلى يأس من أسراه، ليس هناك أفق لحل معيَّن، ولا لتبادل، ولا لشيء، مع الاستمرار في التعذيب، في التضييق، في الاضطهاد.” ومع ذلك، يؤكد السيد عبد الملك أن الشعب الفلسطيني “شعب حي، شعب حر، شعب يمتلك الكرامة الإنسانية والعِزَّة… وهكذا في كل المسارات.”

هكذا، يتضح أن الخروج الإسرائيلي من غزة لم يكن إلا فصلاً جديدًا في مسلسل الحصار والعدوان، وأن غزة لا تزال في قلب الصراع، تواجه آلة الاحتلال، وتكتب فصلها الخاص من الصمود والحرية.

عملية طوفان الأقصى: مشروعية المقاومة أمام حملة التشويه والتخاذل العربي

أتت عملية طوفان الأقصى -كما يؤكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي- ضمن “قضية مقدَّسة، في إطار مسار جهادي إيماني للشعب الفلسطيني، في إطار الحق، والموقف الحق، والموقف المشروع”، وهي عملية تفرض نفسها كحدث تاريخي في مواجهة حملة التشويه التي تشنها بعض وسائل الإعلام العربية المأجورة، والتي “تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي”.

يشدد السيد القائد على مشروعية العملية، فهي “في إطار الحق المشروع للشعب الفلسطيني، في الدفاع عن نفسه وأرضه، وعن المقدسات، في إطار مسؤولية هي مسؤولية تعني الأُمَّة جميعاً”. لقد جاءت العملية في ظل ظروف بالغة القسوة، من حصار شديد، وإمكانات محدودة، وجولات من الاستهداف المتكرَّر، و”خذلان عربي من حولهم، مسارات في اتجاه معاكس للحق الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، لمصلحة العدو الإسرائيلي ضد الأُمَّة بكلها”. ورغم هذا الواقع، “وفَّقهم الله ‘سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى’ لتنفيذ تلك العملية بذلك المستوى من الأداء العظيم الناجح، الذي مثَّل صدمة كبيرة جــدًّا هزَّت العدو الإسرائيلي وكل داعميه”.

لقد انهارت المعايير العسكرية الإسرائيلية أمام عنصر المفاجأة وحسن التخطيط والتنفيذ من قبل المجاهدين في كتائب القسَّام.: “كل المعايير العسكرية للنجاح العسكري في تلك العملية، هي بأعلى مستويات النجاح، وهذا توفيقٌ إلهيٌ كبير للإخوة المجاهدين”.

في مواجهة هذا الإنجاز التاريخي، كان من “واجب المسلمين -بشكلٍ عام في البلاد العربية وغيرها- أن يبادروا بشكلٍ فوري إلى دعم الشعب الفلسطيني في هذا الإنجاز العظيم، واستثمار هذا الإنجاز لتحقيق نتائج فورية في الضغط على العدو الإسرائيلي”. لكن الواقع كان مختلفًا، إذ “بادروا إلى التخاذل على الفور، وبادرت بعض الأنظمة بموقف سلبي جــدًّا، إلى درجة التحريض للأمريكي، والتحريض للإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني”.

يحذر السيد القائد من خطورة إضاعة الفرص التاريخية، متذكراً قصة بني إسرائيل: “{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ…}”. فالتخاذل العربي والإسلامي، وإساءة بعض الأنظمة، يقابله “مبادرة أعداء هذه الأُمَّة”—من الأمريكي إلى الصهيونية العالمية، ومن خلفهم كبريات الدول الأوروبية— في دعم العدو الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، حتى أن “بايدن ذهب بنفسه إلى الصهاينة لإعلان التضامن من هناك”، والرئيس الفرنسي “استخدم عبارة: [لستم وحدكم]”، والبريطاني والفرنسي والإيطالي وغيرهم “بادَروا بالدعم بكل أشكاله: دعم اقتصادي، دعم مالي، دعم بالذخائر، بالقذائف، بالقنابل، بالخبراء، بالأنشطة التَّجَسُّسِيَّة، حضور في المنطقة بشكل عام”.

هكذا، يكشف حجم الدعم الأمريكي والغربي غير المسبوق عن مدى تأثير عملية طوفان الأقصى، وما أحدثته من “اهتزاز هائل جــدًّا، وزلزال حقيقي ضد العدو الإسرائيلي وداعميه”، بينما بقيت الأمة الإسلامية “مكبَّلة، لا تبادر حتَّى لاقتناص واغتنام فرص عظيمة جــدًّا”، في مشهد مؤسف يكشف حجم الفجوة بين الحق والباطل، وبين المبادرة والتخاذل، في زمن الفتنة والتحدي.

الشلل العربي أمام جريمة القرن في غزة

يشير السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى مسار بالغ الخطورة في تعاطي الأنظمة العربية والإسلامية مع العدوان على غزة، وهو “تجميد هذه الأُمَّة”. ويشرح بأن الأنظمة تؤدي دور الواجهة، “لكن بدون موقف، مجرَّد ماذا؟ قمم، وإصدار بيانات، ويكون السقف الأعلى هو إصدار بيانات وتصريحات دون أي موقف فعلي على أي مستوى”، حتى أن الدعم الإنساني البسيط للشعب الفلسطيني—”حليب الأطفال، الخبز، القمح، الغذاء الضروري”—ظل خارج نطاق الفعل، رغم أنه “حق عالمي، معترف به عالمياً”.

يرى السيد القائد أن منفذ رفح كان يمكن أن يُفتح منذ اليوم الأول “بدعم عربي وإسلامي، تلتف هذه الأُمَّة بكلها حول مصر”، لكن الموقف الرسمي الإسلامي ضُبط “بالمعيار الأمريكي، وبالاحتواء لأي تحرك جاد وفعلي، وأن يكون السقف الأعلى هو: تصريحات، وقمم، ومؤتمرات، وبيانات، وحبر على ورق، وصوت في الهواء، دون أي موقف فعلي، حتَّى في الحد الأدنى”. وظل العرب محافظين على هذا السقف، دون اتخاذ خطوات عملية، فلا “أفعال ضد العدو الإسرائيلي، ولا في العلاقة به”، إذ استمرت العلاقات الدبلوماسية والانفتاح الاقتصادي بمستويات قياسية.

يقول السيد عبد الملك: “حرصوا على المحافظة على العلاقة الدبلوماسية، على ألَّا يكون هناك أي خطوة فعلية بأي مستوى ضد العدو الإسرائيلي، هذا جزء من الموقف الأمريكي، جزء من الخطة الأمريكية: تجميد واحتواء الموقف في العالم الإسلامي والعربي، وفي نفس الوقت توجيه تحرُّك غير مسبوق مع العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والسعي للانفراد به في قطاع غزَّة”.

وفي ظل هذا الشلل، ارتُكبت جريمة القرن، حيث لم يكن العدوان مجرد مواجهة عسكرية، بل “اتَّجهوا اتِّجاها آخر، اتِّجاهاً سقفه واضح: الاحتلال الكامل لقطاع غزَّة، التدمير الشامل لقطاع غزَّة، التهجير القسري والكامل للشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة، إنهاء المقاومة الفلسطينية بشكل نهائي في قطاع غزَّة، المحاولة لاستعادة أسراهم دون أي تبادل للأسرى”. واستخدموا “الإبادة الجماعية، العدوان الشامل، التجويع، الإجرام، في أكبر فضيحة ظهر فيها العدو الإسرائيلي، وظهر فيها داعموه، في مقدِّمتهم: الأمريكيون”.

هكذا، تشهد الأمة على مرحلة تاريخية يجري فيها تجميد الإرادة الجماعية العربية والإسلامية، بينما يمضي العدوان الإسرائيلي—مدعومًا أمريكيًا وغربيًا— في تنفيذ جريمة القرن على مرأى العالم، ويظل الفلسطيني تحت الحصار، بلا نصير فعلي، وسط بيانات بلا أثر، وأفعال بلا روح.

الصمود الفلسطيني أفشل العدوان وأسقط القناع عن الوجه الإجرامي الصهيوني عالميا

ورغم كل ما شهده قطاع غزة من “وحشية، وإجرام، وطغيان”، ورغم “الخذلان العربي والإسلامي الكبير جــدًّا للشعب الفلسطيني”، فقد كان صمود الشعب الفلسطيني في غزة، وصمود الإخوة المجاهدين هناك -كما يصف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي- “عظيماً وكبيراً، وغير مسبوق”، مستوى من الثبات يتحدى الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير والقتل الشامل والتعطيش، وكل أشد مستويات الضغط والعدوان التي يمارسها العدو الإسرائيلي بشراكة أمريكية.

تمسك الفلسطينيون بحقهم في أرضهم، “لم يبرحوا قطاع غزَّة” رغم فتح أبواب الخروج أمامهم، فظلوا ثابتين “في مظلومية لا مثيل لها”، تعيشها وسائل الإعلام وتوثقها للعالم، في “جريمة القرن المشهودة”.

وكان المجاهدون في غزة نموذجاً للثبات في الميدان، “يؤدُّون واجبهم الجهادي في سبيل الله تعالى في التصدي للعدوان الغاشم الإسرائيلي بكل بسالة، بكل تفانٍ”، بالاشتباك من مسافة صفر، وبالذهاب إلى الدبابات ووضع العبوات فوقها، وبكل أشكال المقاومة، “مع تقديم تضحيات كبيرة من القادة، من المجاهدين في كل المستويات، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}”.

ورغم الدعم الأمريكي والغربي، وجد العدو الإسرائيلي نفسه في مأزق غير مسبوق، فشل في تحقيق أهدافه: “فشل فشلاً تاماً، أخفق في أن يحسم المعركة”، رغم تكتيك الإبادة الجماعية والاستهداف الشامل. لم ينجح في “استعادة الأسرى بدون صفقة تبادل”، ولا في “إنهاء المقاومة”، ولا في “التهجير القسري للشعب الفلسطيني”، ولا في “السيطرة الكاملة على القطاع”، بل تكبَّد الخسائر في قوته البشرية إلى حد التفكير في “تجنيد يهود من البلدان الأخرى”.

يقول السيد القائد: “الحالة هي حالة فشل، ومع ذلك فضيحة في كل العالم، ظهر العدو الإسرائيلي لكل شعوب وبلدان العالم، في صورته الحقيقية البشعة جــدًّا، كيان إجرامي متوحش، لا يمتلك أي قيم إنسانية، ولا أخلاقية، ولا يلتزم بأي شيء متعارف عليه بين البشر”.

في مشهد عالمي غير مسبوق، خرجت مظاهرات ومسيرات احتجاجية في أوروبا وأمريكا وأستراليا، وبرزت مواقف حرة في أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا وغيرها، وتحرك أصحاب الضمير الإنساني في كل القارات، وتغيَّرت الصورة حتى في الداخل الأمريكي، خاصة بين الشباب، حيث أصبح كثيرون ينظرون للعدو الإسرائيلي “كمجرم، كظالم، كغشوم، قاتل للأطفال، قاتل للنساء”، ما أثَّر حتى على سمعة “إسرائيل” وأمريكا دولياً.

ويشير السيد عبد الملك إلى أن “المجرم (نتنياهو) أصبح مطلوباً حتَّى للمحاكم الدولية، ومحظوراً عليه السفر إلى كثيرٍ من البلدان، أصبح مجرماً بإجماع عالمي”، في حين تظل المؤسسات الأمريكية الحاكمة “ضمن التوجه الصهيوني”.

هكذا، يتجلى الصمود الفلسطيني كمعجزة إنسانية وأخلاقية، يواجه أبشع أشكال العدوان، ويعيد رسم صورة الاحتلال الإسرائيلي للعالم كله، ككيان متوحش فاقد لكل القيم، أمام أمة حيّة لم تنهزم، رغم الجراح والخذلان.

محور الجهاد والمقاومة: جبهات الإسناد ودعم الأمة للشعب الفلسطيني

وفي ظل الاستياء العالمي غير المسبوق من العدوان الإسرائيلي، يبرز في أُمَّتنا الإسلامية “محور الجهاد والقدس والمقاومة” بموقفه “الصادق، والثابت، والمناصر، والداعم للشعب الفلسطيني”، كما يؤكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي. هذا المحور لم يكتفِ بالمواقف الرمزية، بل فتح جبهات الإسناد الحقيقية على الأرض، ليغيّر معادلات الصراع في المنطقة.

  • جبهة الإسناد اللبنانية

في مقدمة تلك الجبهات، جاءت “جبهة الإسناد اللبنانية”، التي “قدَّمت أكبر التضحيات في إسناد الشعب الفلسطيني، ودخلت أيضاً في أشد المعارك شراسةً وضراوة مع العدو الإسرائيلي”، لتتصدر المشهد “في مستوى العطاء، مستوى التضحيات، ومستوى الاشتباك، مستوى الإنهاك للعدو الإسرائيلي”. ويضيف السيد القائد: “دورها وتأثيرها كبيرٌ جــدًّا؛ لأنها فعلاً أسهمت إسهاماً عظيماً ومتقدِّماً، لا يمكن لأحد أن يقدِّم نفسه بأنه قدَّم مثل هذا المستوى من الإسناد، فهي قدَّمت أكبر التضحيات، وخاضت أشرس المواجهات مع العدو الإسرائيلي، وألحقت به الخسائر الكبيرة جــدًّا”.

  • جبهة الإسناد العراقية

ولم تقتصر جبهات الإسناد على لبنان، بل “كان هناك إسناد من جبهات العراق أيضاً”، ودعم مستمر من الجمهورية الإسلامية في إيران “بكل أشكال الدعم”، وثبات على الموقف الداعم للمقاومة، حتى خاضت جولات من المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي، وكان “القصف الصاروخي الإيراني في عمليات [الوعد الصادق] بمستوى غير مسبوق في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، وصولاً إلى الحرب المفتوحة الَّتي استمرت على مدى اثني عشر يوماً ما بين الجمهورية الإسلامية والعدو الإسرائيلي”، عندما شن الأخير “عدواناً على الجمهورية الإسلامية” بشراكة أمريكية.

  • جبهة الإسناد اليمنية: أرقام ودلالات

مثّلت جبهة الإسناد اليمنية علامة فارقة في المشهد العربي والإسلامي خلال معركة طوفان الأقصى، حيث تحوّل الدعم اليمني إلى نموذج عملي للإسناد الشامل (شعبياً ورسمياً، عسكرياً وجماهيرياً) رغم كل التحديات والحصار والبعد الجغرافي.

جاء الحراك اليمني انعكاساً لهوية إيمانية متجذرة، وروح مبادرة راسخة، وزخم شعبي غير مسبوق في المنطقة، ليقدّم صورة مدهشة من التضامن والتأثير الفعلي في مسار الصراع مع العدو الإسرائيلي.

قدم السيد القائد أرقاماً وإحصائيات تلخص حجم النشاط والزخم والتضحيات التي جسدتها جبهة الإسناد اليمنية، وتبرز أثرها الاستراتيجي في دعم الشعب الفلسطيني، وكسر المعادلات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة:

  • الزخم الشعبي والإسناد الجماهيري:
    • 49,354 مسيرة ومظاهرة (في الأسبوع الماضي فقط: 1,480 مسيرة ومظاهرة)
    • 94,478 فعالية شعبية متنوعة
    • 549,769 ندوة توعوية وتعبوية
    • 81,878 أمسية ثقافية
    • 350,633 وقفة طلابية وجامعية في المدارس والجامعات (أعلى مستوى عربي وإسلامي)
    • 317,785 وقفة شعبية وقبلية ومجتمعية
  • التعبئة والتدريب العسكري:
    • 1,103,647 متدرب ومتخرِّج من دورات طوفان الأقصى
    • 132,046 متدرب في المستوى المتقدم للدورات
    • 5,148 مناورة عسكرية
    • 1,349 عرض عسكري
    • 3,362 مسير عسكري
  • العمليات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي:
    • 1,835 عملية صاروخية وجوية (صواريخ باليستية، مجنحة، فرط صوتية، وطائرات مسيرة وزوارق حربية)
    • حظر كامل للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي (تعطيل ميناء إيلات بالكامل)
    • إجبار ملايين الصهاينة على الاحتماء في الملاجئ
    • تعطيل حركة الطيران العالمي إلى الكيان – خروج شركات عدة من السوق الإسرائيلية
    • تأثيرات اقتصادية مباشرة وضخمة على الاقتصاد الإسرائيلي
  • الصمود والمواجهة:
    • مواجهة جولات عدوان أمريكية بريطانية وإسرائيلية متوالية
    • صمود وثبات رغم الحروب والحصار الاقتصادي والإعلامي والأمني والاجتماعي
    • تطوير القدرات العسكرية (صواريخ فرط صوتية، طائرات مسيرة، قوة بحرية متطورة)
    • اعتراف أمريكي رسمي بأن المواجهة البحرية مع اليمن هي “الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية”

الاتفاق الأخير: فشل العدوان وتأكيد استمرار الصراع والحذر من المخططات القادمة

أما بالنسبة للاتفاق الذي أُعلن عنه فيما يتعلق بوقف العدوان الإجرامي الصهيوني على غزة، فيؤكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن هذا الاتفاق “يثبت فشل العدو الإسرائيلي، وفشل داعمه الأمريكي في تحقيق تلك الأهداف، الَّتي أرادوا أن يحسموها في هذه الجولة: جولة العامين من الإبادة الجماعية، جولة العامين من التجويع، والتدمير الشامل، وقتل آلاف الأطفال والنساء، جولة العامين من التدمير الشامل لكل قطاع غزَّة”. فقد فشل الاحتلال الإسرائيلي، ومعه الأمريكي شريكه في كل الجرائم، في استعادة الأسرى بلا صفقة تبادل، وفشل في إنهاء المقاومة، وفشل في تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، وفشل في كل أهدافه الأخرى التي سعى لتحقيقها عبر عدوانه الشامل.

هذا الفشل -كما يوضح السيد القائد- “أجبره إلى أن يوقِّع هذا الاتِّفاق، أو أن يعتمد هذا الاتِّفاق، وهذه مسألة جولة. الصراع مع العدو الإسرائيلي مستمر، ودور الأمريكي الهدَّام في إطار التوجه الصهيوني مستمرٌ أيضاً”. ولهذا فإن الموقف يتطلب “حالة انتباه، وجهوزية تامة، ورصد كامل، بدقة وعناية، تجاه مرحلة التنفيذ لهذا الاتِّفاق”، متسائلًا: “هل سيفضي هذا الاتِّفاق -فعلاً- إلى إنهاء العدوان على قطاع غزَّة، إلى دخول المساعدات والطعام والغذاء للشعب الفلسطيني، والدواء، والاحتياجات الإنسانية، والبضائع إلى قطاع غزَّة؟ هل سيوقف الأمريكي والإسرائيلي الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ويلتزمون بوقف إطلاق النار؟ فهذا ما نتمنَّاه، هذا كان هدفنا أصلاً من الإسناد، من عمليات الإسناد، المواجهة لهذه الهجمة على الشعب الفلسطيني، والَّتي هي هجمة في الواقع أيضاً على أُمَّتنا بشكلٍ عام”.

ويُشدد السيد عبد الملك على ضرورة الوعي بأن “المسألة ليست فقط في هذه الجولة من الإبادة الجماعية ضد قطاع غزَّة، المسألة مسألة فلسطين بكل فلسطين، مسألة الاستمرار الأمريكي والإسرائيلي في الاستهداف لهذه الأُمَّة، المساعي المستمرة بكل الحيل، والمؤامرات، والخطَّط، لتصفية القضية الفلسطينية”. ويذكّر بأن العدو الإسرائيلي اعتاد -بعد كل جولة عدوانية- أن يحضّر لجولة جديدة، ولهذا “نحن معنيون دائماً -حتَّى في حال تحقق وقف إطلاق النار- بالإعداد للجولات الآتية حتماً، في إطار التوجه العدواني لأعداء هذه الأُمَّة؛ لأنهم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة”.

ويقدم السيد القائد الرؤية القرآنية التي تؤكد شدة عداوة اليهود للمؤمنين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، أخبرنا ما يريدونه تجاه أُمَّتنا: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}[المائدة:64]، نحن مستهدفون بشرهم، بفسادهم، بإضلالهم، بطغيانهم، بحربهم الناعمة الشيطانية، على المستوى الفكري، والثقافي، والنفسي، والأخلاقي، والقيمي، مستهدفون بحربهم الصلبة، مستهدفون بحربهم الاقتصادية، بحربهم الدعائية… بكل أشكال الحرب. هم يتحرَّكون ضد هذه الأُمَّة في كل المجالات؛ ولـذلك الصراع مستمر، الصراع في نطاقه العام مستمر على أشد المستويات.

ويرسم السيد القائد معادلة المواجهة بوضوح: “التحرر منهم، الوصول إلى دفع شرهم، طردهم من هذه المنطقة، التحقيق لأُمَّتنا الاستقلال التام، والردع، والحماية، والمَنَعة من طغيانهم، من إجرامهم، من ظلمهم، من عدوانهم، الاستعادة لفلسطين، والمقدَّسات في فلسطين، والمسجد الأقصى… إلى غير ذلك”. ويختم بالتأكيد على أهمية “أعلى مستويات الحذر والجهوزية، والاستمرار في زخم الدعم والالتفاف حول الشعب الفلسطيني”، مع الحرص على تصاعد العمل، وتطوير القدرات العسكرية، لمواجهة كل مستجدات العدو.

هكذا، يظل الاتفاق محطة في جولة طويلة من الصراع، لا نهاية لها إلا بتحقيق الحرية والاستقلال، وردع العدوان، واستعادة الحقوق والمقدسات للأمة الإسلامية جمعاء.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.