قراءة استراتيجية في خطاب السيد القائد
صنعاء سيتي | مقالات | عبدالمؤمن محمد جحاف
في لحظة تاريخية تتسم بالخذلان الإسلامي والتواطؤ العربي، يبرز خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، “نصره الله”، ليضع النقاط على الحروف في المشهد الإقليمي والدولي تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويعيد تعريف معادلة الصراع من منطلق قرآني واستراتيجي يُقرأ بعمق وبصيرة لا تغيب عنها تفاصيل المشهد.
*جريمة العصر أمام أعين العالم*
وصف السيد القائد العدوان على قطاع غزة بأنه “جريمة القرن”، في ظل مشاهد الإبادة الجماعية المتواصلة، حيث تُستخدم القنابل الأمريكية والبريطانية والألمانية لإبادة المدنيين الفلسطينيين، بينما يتحرك الاحتلال الإسرائيلي بوقود عربي، وسكوت عربي، وصمت دولي.
السيد القائد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم: شعوبًا، أنظمة، ومنظمات، مؤكدًا أن السكوت خيانة، وأن الصمت لن يعفي المتخاذلين من تبعاته، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
*العدوان على غزة ليس إلا مدخلًا لـ “تغيير الشرق الأوسط”*
الخطاب لم يكتف بتوصيف الكارثة، بل مضى نحو رسم خارطة نوايا الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكد أن الاستهداف لا يقتصر على فلسطين، بل هو ضمن مشروع صهيوني شامل لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، عنوانه: “الاستباحة الكاملة” للدول الإسلامية والعربية.
في هذا السياق، أشار إلى أن الأردن، ولبنان، وسوريا، وحتى قطر والسعودية، لم تعد بمنأى عن التهديدات الإسرائيلية المباشرة، مشيرًا إلى أن توسيع نطاق العدوان على المنطقة يجري تحت مظلة الدعم الأمريكي والغربي المفتوح.
*قمة الدوحة… إخفاق استراتيجي و تواطؤ سياسي؟*
وجه السيد القائد انتقادًا لاذعًا لقمة الدوحة الأخيرة، معتبرًا أنها كانت حضورًا شكليًا بمخرجات ضعيفة، تفتقر لأي خطوات عملية حقيقية. لم يخرج البيان الختامي عن كونه وصفًا هشًا للعدوان، بل تضمن ما وصفه بـ”العار”، حين اعتبر العدوان عائقًا في وجه التطبيع، لا جريمة تستدعي الرد.
وطالب السيد القائد بخطوات ممكنة ومباشرة، مثل:
قطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.
إغلاق الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي.
رفع صفة “الإرهاب” عن فصائل المقاومة.
دعم حقيقي ومعلن سياسيًا وماديًا وإعلاميًا للمقاومة.
*الموقف الأمريكي: شراكة علنية مع الإجرام الإسرائيلي*
يرى السيد القائد أن امريكا لم تعد تلعب دور “الراعي المنحاز”، بل أصبحت شريكًا مباشرًا في كل جريمة تُرتكب بحق الفلسطينيين. هذا الشراكة تجسدت مؤخرًا بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي ” روبيو” في طقوس تلمودية مع نتنياهو في ساحة البراق، وافتتاح نفق أسفل المسجد الأقصى، في تحدٍ فجٍّ لمشاعر المسلمين.
الرسالة من ذلك بحسب السيد القائد: أن التحالف الأمريكي الإسرائيلي له جذور دينية وسياسية مشتركة، وأنه موجه لكل الأمة الإسلامية، لا لفلسطين وحدها.
*الدرس من صبرا وشاتيلا: نزع السلاح يعني الإبادة*
في الذكرى الـ43 لمجزرة صبرا وشاتيلا، استحضر السيد القائد الجريمة كدرس تاريخي مفصلي: نزع سلاح المقاومة لا يؤدي إلى السلام، بل إلى المجازر. مؤكدًا أن ما حدث في لبنان عام 1982، وما يجري اليوم في غزة والضفة والجنوب السوري، يثبت أن السلاح الذي ينبغي نزعه هو الذي في يد الصهاينة، لا في يد المقاومين.
*اليمن ومعادلة الردع: بحرًا وجوًا*
أكد السيد القائد أن موقف اليمن ثابت في إطار معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، وهو موقف قرآني وإنساني وأخلاقي قبل أن يكون سياسيًا أو عسكريًا. وأوضح أن:
24 عملية صاروخية ومسيرة نُفذت هذا الأسبوع ضمن الردع الاستراتيجي.
حظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب مستمر.
كل السفن الإسرائيلية مستهدفة، ولا حماية لها حتى لو تدخلت أمريكا وبريطانيا والسعودية.
وجه تحذيرًا مباشرًا للنظام السعودي، واصفًا محاولاته لحماية السفن الإسرائيلية عبر الشراكة مع بريطانيا بـ”الخيانة الكبرى”، ومؤكدًا أنهم لن ينجحوا في ذلك.
*الإعلام جبهة جهادية… لا حياد فيها*
سلط السيد القائد الضوء على أهمية الإعلام في معركة الوعي، ووجه التحية لفرسان الكلمة والموقف، مؤكدًا أن الإعلام اليوم هو ساحة مواجهة مباشرة مع آلة التضليل الأمريكية والإسرائيلية، وأن كل من يردد وصف المقاومة بالإرهاب إنما يخدم الاحتلال، ولو عن غير قصد.
*دعوة للخروج المليوني: صوت الأمة الحرة*
في ختام كلمته، دعا السيد القائد الشعب اليمني إلى الخروج المليوني يوم غداً الجمعة، في صنعاء وبقية المحافظات، في مشهد يعبر عن الثبات، والصدق مع الله، والتأكيد على أن اليمن، بشعبه وقيادته، جزء لا يتجزأ من هذه الأمة، في زمن كثر فيه المتخاذلون والمتآمرون.
*خلاصة استراتيجية*
إن خطاب السيد القائد هو بمثابة وثيقة سياسية – دينية – استراتيجية، تقدم رؤية متكاملة لطبيعة المعركة الكبرى في المنطقة، وتعيد تعريف العلاقة مع العدو الإسرائيلي، والغرب الداعم له، وتفضح تواطؤ بعض الأنظمة العربية، وتدعو إلى مقاربات عملية قابلة للتنفيذ، بعيدًا عن الخطاب التبريري الميت.
في زمن تغيب فيه الأصوات الحرة، يعلو صوت صنعاء من قلب المعاناة، ليقول: “نحن ثابتون، والموقف ليس خيارًا، بل واجب إيماني وأخلاقي وإنساني”.
التعليقات مغلقة.