ما الذي خسرته قمة الدوحة بغياب صنعاء؟
صنعاء سيتي | تقرير | علي الدرواني
القمة التي لا تحضرها صنعاء هي قمة ناقصة، قمة بلا روح، وبلا صوت حقيقي يمثل إرادة الشعوب في مواجهة الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية. فمنذ سنوات، أثبتت صنعاء -رغم انها مثقلة بتداعيات وآثار عدوان ذوي القربى من الأشقاء العرب، ولا تزال تحت حصار يثقل كاهل العصبة أولي القوة، وينوء بها، إلا أنها -من تحت غبار الحرب، وركام الدمار- أصبحت جزءاً أساسياً من معادلة التوازن الإقليمي، وركيزة من ركائز مقاومة مشاريع العدو التوسعية الخبيثة، وقوة ردع لا يمكن تجاهلها.
لنتخيل معا لو جلس الرئيس مهدي المشاط على طاولة القمة، ليتحدث عن إنجازات اليمن في ميدان الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، عن عمليات بحرية أربكت الملاحة الصهيونية ومنعت أساطيلها لصالح نصرة فلسطين، وعن قدرة بلد محاصر على فرض إرادته رغم الحصار والتجويع. أي مشهد كان سيظهر؟
بالتأكيد كان سيحرج -للغاية- أولئك الذين اعتادوا لغة الاستجداء وتكرار البيانات الجاهزة، أولئك الذين لم يقدّموا شيئاً سوى الخضوع والارتهان.
وبناء عليه، فإن غياب صنعاء لم يكن صدفة، بل قراراً سياسياً مقصودا، وتغييباً متعمدا، فالأنظمة المنظمة للقمة تعرف أن صوت صنعاء مختلف، وأن حضورها يعني كسر “البروتوكول المريح” الذي تعوّدوا عليه. فهي لا تساوم على فلسطين، ولا تساير مشاريع التطبيع، ولا تخشى من تسمية الأسماء بوضوح.
لذلك تم تغييبُها، لأن وجودها كان سيحرج الجميع، وسيكشف زيف الخطاب العربي الرسمي أمام الرأي العام.
العرب والمسلمون قادرون، ولديهم الأدوات اللازمة لمواجهة العدو وكسره، هذا الكلام سمعناه أمس في القمة من عدد من الزعماء بوضوح، لا ينقصهم المال ولا السلاح، فقط الجرأة والإرادة والقرار.
بغياب صنعاء خسرت القمة ورقة ضغط حقيقية على العدو الإسرائيلي. فاليمن اليوم يشكّل أحد أهم عناصر الردع الميداني في المعركة المفتوحة مع الكيان. خسرت القمة صوتاً يربط بين الميدان والسياسة، ويقدّم نموذجاً لشعب قاوم رغم الظروف القاسية.
كما أن غياب صنعاء يعمّق الفجوة بين الشعوب وأنظمتها، إذ بات واضحاً أن القمم تُعقد لتثبيت مواقف رسمية لا تعبّر عن نبض الشارع العربي، الذي أصيب بالإحباط وهو يتابع بيان القمة، الأقرب إلى التحليل السياسي منه إلى القرار والموقف، لا سيما بعد كلمات حملت الكثير من الغضب، والكثير من الشعور بالقلق إزاء ما يخطط له العدو الصهيوني من مشاريع توسع ونفوذ واستباحة لأمتنا وشعوبها ومقدراتها.
لقد أرادت بعض العواصم العربية قمةً بلا “إزعاج”، قمة آمنة، مطمئنة، تخلو من الأصوات “المتمردة”، وتكتفي بالكلمات المكررة عن التضامن دون أن تقترن بأي فعل. وهكذا تحولت قمة الدوحة إلى مناسبة شكلية، ضيّعت فرصة أن تكون حدثاً تاريخياً لو أنها احتضنت صنعاء.
بعض الزعماء تحدث عن ضرورة مواقف وخطوات عملية، والبعض طالب بقطع علاقات دبلوماسية واقتصادية، لكن البيان لم يتخذ أي موقف بشأنها، وهي أدنى درجات الردع للأسف الشديد.
لم تحضر صنعاء قمة الدوحة، ولم يجلس قادتها في الصالات المكيفة ولا الفنادق الفخمة، بل كانت حاضرة في الميدان، تقوم بالخطوات العملية التي طالب بها الزعماء العرب، وبجرد حساب أسبوع منذ العدوان على الدوحة كانت القوات المسلحة اليمنية توجه ضرباتها النوعية ضد العدو:
*9 سبتمبر
بعد ساعات من قصف العدو الصهيوني للعاصمة القطرية الدوحة، نفّذت القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية، بصاروخ باليستي انشطاري فرط صوتي، استهدف أهدافاً حساسة في محيط مدينة القدس المحتلة.
*10 سبتمبر
أعلنت القوة الصاروخية في القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عملية عسكرية دقيقة استهدفت هدفاً عسكرياً للعدو الإسرائيلي في منطقة النقب المحتلة، وذلك باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي من طراز فلسطين 2.
*11 سبتمبر
نفّذ سلاح الجو المسيَّر في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية بثلاث طائرات مسيَّرة، استهدفت طائرتان منها ما يُسمّى بمطار رامون في منطقة أم الرشراش المحتلة، فيما استهدفت الطائرة الثالثة هدفاً عسكرياً للعدو في منطقة النقب.
*13 سبتمبر
قامت القوة الصاروخية للقوات المسلحة اليمنية بعملية عسكرية باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي انشطاري متعدد الرؤوس من طراز فلسطين 2، استهدف عدة مواقع حساسة في منطقة يافا المحتلة.
*14 سبتمبر – عشية قمة الدوحة
نفذ سلاح الجو المسيّر عملية عسكرية نوعية بأربع طائرات مسيَّرة؛ استهدفت ثلاث منها مطار رامون في منطقة أم الرشراش المحتلة، فيما استهدفت الرابعة هدفاً عسكرياً للعدو في منطقة النقب.
لقد خسرت القمة بغياب صنعاء الكثير: خسرت المصداقية، وخسرت الزخم الشعبي، وخسرت إمكانية أن تكون محطة فارقة في إعادة بناء الموقف العربي على أسس واقعية وقوية. وما دامت صنعاء غائبة، فإن القمم ستبقى دائرة مغلقة من الخطب الإنشائية، فيما تصنع الميادين معادلات جديدة يكتبها المقاومون بالدم لا بالكلمات.
*نقلاً عن موقع أنصار الله
التعليقات مغلقة.