اليمن بين دماء الشهداء ومعادلات النار

صنعاء سيتي | مقالات | سند الصيادي

 

 

لم تكن الجريمة الغادرة والجبانة، المتمثّلة في استهداف حكومة التغيير والبناء في صنعاء، وفي مقدّمتها رئيس الوزراء الشهيد المجاهد أحمد غالب الرهوي وكوكبة من الوزراء والرجال، سوى حلقة جديدة من مسلسل الإفلاس الصهيوني.

غير أنّ ما أراده العدوّ من خلال هذه الجريمة كان فاشلًا، وتكريسًا جديدًا لحالة الفشل التي تعتريه، بمؤشرات اللحظات والأيّام الأولى التي تلت هذه الضربة.

أفرزت الجريمةُ –المؤلِمة وجدانيًّا وعاطفيًّا– تماسُكًا أوسع، ورسائلَ أبعدَ مدى من حدود اليمن، وأبعدَ من فلسطين بُوصلة الإسناد، إلى العالم بأسره.

ومن الرسائل المركّبة التي صدّرها التشييع المهيب للشهداء، كانت الرسالة الأولى إلى العدوّ الصهيوني من خلال عمليتين بحريتين نوعيتين، تلتهما عمليةٌ نوعية في العُمق الفلسطيني المحتلّ، بأنّ اليمن لا يخاف ولا ينكسر، بل يزداد صلابةً وإصرارا على موقفه المساند لفلسطين.

أمّا الثانية فهي إلى الداخل اليمني؛ إذ مثّلت الجريمةُ فُرصةً لقياس الموقف الشعبي، وأثبت الشعب من جديد التفافَه حول قيادته السياسية والثورية، ووقوفه صفًّا واحدًا خلف قواته المسلحة وخياراتها الاستراتيجية.

العدوّ إذن وجد نفسَه أمام نتائجَ عكسية؛ إذ زادت الجريمةُ من وَحدة الصّف اليمني، واصطفّت أطياف المجتمع والقوى السياسية بمختلف توجّـهاتها في لحظة تاريخية فارقة، لتؤكّـد أنّ دماء الشهداء لم تُسقِط حكومة، بل رفعت وطنًا بأكمله إلى مستوى التحدي.

بالتوازي مع مشهد التشييع، جاء الردّ اليمني بالنار عبر سلسلة عمليات عسكرية نوعية طالت هيئة الأركان الإسرائيلية، مطار اللد، ميناء أسدود، ومحطة كهرباء الخضيرة.

هذه الأهداف النوعية حملت دلالات واضحة: توسيع دائرة العمليات، وفتح قائمة أهداف جديدة، ليصبح العدوّ أمام تهديد متصاعد لا سقف له.

استهداف الحكومة لم يردع اليمن، بل أطلق مرحلة جديدة أكثر شراسة، أكّـدت أنّ اليمنيين يرون في دماء شهدائهم وقودًا للمعركة، وفي الالتفاف الشعبي الواسع قوةً مضاعفة تمنح الميدان زخمًا أكبر.

وبدا أنّ اليمنَ ممعنٌ في صناعة معادلته الاستراتيجية في مواجهة المشروع الأمريكي–الصهيوني، فالمعركة لم تعد محصورة في حدود جغرافية، بل أصبحت جزءًا من تحوّل عالمي يستهدف كسر أُحادية القطب الأمريكي.

هذا اليمن، الذي لم يوظّف مقدّراته لخدمة مصالح ضيّقة، بل لخدمة معركة الأُمَّــة، تحوّل إلى نموذج لدولة متحرّرة تصنع سياستها بقرار مستقلّ.

ومع تطوير القدرات العسكرية النوعية، ومنها الصاروخ الفرط صوتي المزوّد برؤوس انشطارية، بات العدوّ الإسرائيلي يعيش حالة رعب غير مسبوقة، فيما يتهاوى المشروع الأمريكي أمام صمود محور المقاومة.

وما بين التشييع المهيب والعمليات النوعية، يؤكّـد اليمن اليوم أنّه أكثر تماسكًا وصلابةً من أي وقت مضى.

دماء الشهداء رفعت مستوى التحدي، والعمليات العسكرية رسّخت معادلة جديدة تقول للعدو: كلما حاولتم كسر إرادَة اليمن، زاد التلاحم الشعبي واتّسع مدى النار.

إنها لحظة فاصلة، ليس في مسار اليمن وحده، بل في مسار الأُمَّــة بأكملها، ورسالة للعالم أنّ صوت صنعاء لم يعد يُسمع بالكلمات فقط، بل بالصواريخ التي تهزّ الكيان، وتعيد صياغة موازين القوى على طريق استعادة الحقوق والكرامة، وفي السياق، بزوغ فجر نظام عالمي جديد.

التعليقات مغلقة.