منظومة القيم الإسلامية: أساسٌ لبناء مجتمعٍ بشري متماسك

صنعاء سيتي | متابعات

 

 

في ظل واقعٍ مأساوي يعيشه العالم العربي والإسلامي، وتحت وطأة أزماتٍ متلاحقة وحروبٍ دامية تشنها قوى الاستكبار العالمي، تبرز ذكرى المولد النبوي الشريف كنافذةٍ للضوء وأفقٍ للخلاص، تُعيد للأمة الإسلامية توازنها وبوصلتها، وتمنحها الأمل في التغيير نحو واقعٍ أفضل.
إن استحضار شخصية الرسول الأكرم محمد صلوت الله عليه وآله ليس مجرد عودةٍ إلى الماضي، بل استدعاءٌ لنورٍ متجدد، وقيمٍ خالدةٍ ما زالت قادرةً على إنقاذ البشرية من طغيان قوى الاستكبار، التي ملأت الأرض فساداً وحروباً. فالرسول -وهو خاتم النبيين- جمع إرث الرسالات السماوية كلها، وقدم للإنسانية مشروعاً متكاملاً يقوم على العدل والكرامة والحرية، بما يضمن حلولاً حقيقية لمشاكل العالم، ويهدي البشرية إلى الصراط المستقيم. ونحو ما يرضي الله، وفي استخلافها على الأَرْض بما يعمر هذه الحياة، وبالعدل وبالحق، ولسعادة الدنيا ولسعادة الآخرة أيْـضاً.

إسلام بلا روح. أزمة الأمة الراهنة

لكن مأساة الأمة اليوم تكمن في اختزال الإسلام في طقوس شكلية من صلاة وصوم وزكاة وحج، فيما غُيِّبت الأساسيات التي تمنح هذه العبادات قيمتها الحقيقية: العدل، والأخلاق، وزكاء النفوس. والنتيجة: إسلام بلا أثر، بلا عدالة ولا كرامة، واقع يفيض بالظلم والتظالم. فحينما أضيعت من واقع الأُمَّــة تلك الأَسَــاسيات بقي لها إسْــلَامٌ لا طعم ، ولا روح و لا أثر له، لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، لا نرى أثرَه في الكثير من أَبْـنَـاء الإسْــلَام ، لا نرى لها أثراً في زكاء النفوس ولا في القيم ولا في الأَخْلَاق، إسْــلَامٌ جُرِّدَ من العدل، والعدلُ من أَسَــاسيات الإسْــلَام، وما الذي حل بديلاً عنه؟ الظلم. فكان واقعُ هذه الأُمَّــة للأسف الشديد مليئاً بالظلم والتظالم.

إنها جاهلية جديدة وصفها النبي بأنها “أشد من الأولى”، حيث تُرتكب المجازر بحق الشعوب، كما يحدث اليوم في غزة واليمن، بأسلحة محرمة، وبوحشية لا تعرف رحمة.
الجاهلية الأولى لم يكن الجاهليون فيها يمتلكون من الإمْكَانات العسكرية والإعْــلَامية وغيرها مثل ما هو قائم في واقعنا اليوم، اليوم المسألة جد خطيرة، ووصل سوؤها إلَى حدٍّ فضيع، ومعاناة البشرية من ويلاتها وكوارثها ومآسيها على نحوٍّ لا يخفى على أحد.
في جاهلية اليوم نرى التوحش الذي كان في جاهلية الأمس قبل مبعث نبي الإسْــلَام مُحَمَّــد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ، نرى اليوم الأطفال والنساء، والإنْـسَـان رجلاً أَوْ امرأةً، كبيراً أَوْ صغيراً، شاباً أَوْ شيخاً لا قيمة لحياته، يقتل الآلاف بكل بساطة في غزة والعرب يتفرجون.
إذَا كان العربي في الماضي بسيفه أو بخنجره يقتل، فجاهلية اليوم تمتلك أعتى وأفتك أَنْوَاع الأسلحة التي تتمكن من خلالها من تنفيذ الإبادة الجماعية والقتل الجماعي للآلاف من الأطفال والنساء، وللإنْـسَـان القُدرة على أن يخمنَ أَوْ يقدرَ الأرقام من قتلى البشرية من ويلات جاهلية اليوم بالملايين، أطفالاً ورجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، نتيجة إمْكَانات جاهلية اليوم، جاهلي اليوم أَمريكي أَوْ إسرائيلي، سعودي أَوْ إمَارَاتي أَوْ غيره، جاهلي اليوم بوحشيته بتجرُّده من الإنْـسَـانية، يستخدم الطائرات، يستخدمُ القنابل المحرمة والأسلحة المحرمة دولياً، يستخدم أفتك أَنْوَاع الأسلحة؛ ليقتل الآلاف والآلاف من الأطفال والنساء بطريقة وحشية بشعة، لا تستطيع إلَّا أن تقولَ إن الذي يفعل ذلك متجرد من كُلّ الشعور الإنْـسَـاني، يعيش تَمَــاماً الحالة الغريزية التي يعيشها أيُّ وحش، أي حيوان متوحش، بل هم أضل حتى من الحيوانات، قد ترحم تلك الحيوانات ما لا ترحمه تلك الوحوشُ البشرية.

الإسلام دين القيم والعدل

الإسلام الذي أنزل الله تشريعاته، ليس دين الطقوس وحدها، بل دين القيم والأخلاق: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ…). إنه دين يؤسس لوحدة الأسرة البشرية، ويربط الناس جميعاً بروابط الرحمة والأخوة، ويعطيهم بصيرةً تقيهم التضليل والهيمنة. إنه رسالة تحرير من كل أشكال الاستعباد، فلا عبودية إلا لله.
ولكن واليوم أين هو العدل، وأين هو الإحسان، أين هي قيم العطاء والبذل? في المقابل الذي نراه سائداً في واقع القوى المتجبرة والمتمكنة، حتى المحسوبة منها على الإسْــلَام، في هذه الأنظمة التي تتظاهرُ بالتدين السائد والمنكر، وهو البغيُ بأقسى وأبشع أشكاله، البغيُ في التعدي على الشعوب، في قتل الناس، في الانتهاك للحرمات، في الاستهانة بالدماء واسترخاص إزهاق أرواح الناس.
الإسْــلَامُ الذي هو منظومة من القيم التي تربط بين البشرية، وتحسسها بأنها أسرة واحدة، من نفس واحدة، اليوم يتَحَـرّك البعض حتى ممن هم محسوبون على هذا الإسْــلَام بعكسِ هذا تَمَــاماً. في الإسْــلَام يقول الله في قرآنه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى (يا أيها الناس) خطابٌ للبشرية كلها، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، هذا هو الإسْــلَام الذي يؤسس للروابط الإنْـسَـانية بين المجتمع البشري بكله، ويقدم للمجتمع البشري من المبادئ والقيم والأَخْلَاق ما يكفل له ويحقق له أن يعيشَ هذا الشعور الأخوي الأسرى، أن يعيش التضامن، أن يعيش التعاون، أن يعيش التفاهم، أن يعيش المواساة، أن يعيش التعاضد، بدلاً عن التظالم والتناحر والاستهداف، على ما هو قائم اليوم في واقع البشرية.
الإسْــلَام بهديه العظيم والمبارك يعطي الإنْـسَـان رؤية ونوراً وبصيرة تجاه الواقع بكله، فلا يعيش أعمى، ولا يعيش قابلاً للخداع والتضليل، وساذجاً في تفكيره يتمكن أي ضال أَوْ أي مضلل بالأسلوب الإعْــلامي أَوْ بالأسلوب الثقافي أَوْ بالأسلوب الفكري من أن يجره إلَى المتاهات.
القُــرْآن الكريم يعطي الإنسان أعلى مستوى من الوعي، قال اللهُ عنه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، وهكذا هو الإسْــلَام العظيم الذي يحول الأُمَّــة إلَى أمة لها رسالة تنشد الحقَّ، تسعى إلَى الخير، وتحمل إرَادَة الخير، وتسعى لنشر الخير في العالم أجمع، وإحقاق الحق وإقامة العدل.
الإسْــلَام الذي هو دينُ ألفة وَإخاء وتعامل وتفاهم، يقول الله (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، يقول الله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، يقول الله (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ). هذا الإسْــلَام العظيم الذي أثمر في الواقع، تجربة معطاءة عظيمة مشروع واقعي له حضروه الفعلي في واقع الناس، لم يكن مجرد مشروع مثالي، ليبقى مجرد نظرية تقال أَوْ تدرس فقط، لا، نزل إلَى الواقع على يد الرَّسُــوْل مُحَمَّــد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ، ولمس عظمة هذا الإنْـسَـان، غيّرَ الواقعَ تَمَــاماً، ومثّلَ فعلاً أرقى مرحلة في تَاريخ البشرية فيما عُرف عن تَاريخها، في كُلّ ما عُرف عن تَاريخ البشرية. وأرقى واقع هو ذلك الواقع الذي صنعه الإسْــلَام فعلاً في المنطقة العربية، وامتدت آثاره إلَى كُلّ أرجاء المعمورة بفعل حركة النبي مُحَمَّــد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ بتلك القيم، بتلك المبادئ، بتلك الأَخْلَاق، بتلك التعاليم، وهذا ما يجبُ أن نعيَه جيداً.

الاستعباد والفرقة نتاج الانحراف عن الإسلام

حينما ابتعدت الأمة عن جوهر الإسلام وقيمه، تحولت إلى ساحةٍ مفتوحة لقوى الاستكبار، التي سعت لفرض التبعية والاستعباد، مستخدمة أنظمةً عربية تابعةً وخاضعة، تطوع الدين لمصلحة الطغاة. ومع هذا الانحراف، تفاقمت الفتن الطائفية والمناطقية والمذهبية، فتمزقت الأمة إلى كيانات متصارعة، بينما أعداؤها يتوحدون لنهب ثرواتها وإضعافها.
المشكلة التي تعاني منها اليوم أمتنا هي مشكلة الاستعباد الذي يريدُه الأَمريكي والإسرائيلي بأمتنا، هو الاستعباد لأمتنا، والتحكم في كُلّ شيء في واقع أمتنا، وهذا هو الاستعباد: أن يفرضَ عليك ثقافتَه وسياسته، أن يتحكمَ بك في كُلّ شأنك، لا تفعل إلَّا ما يريد، ولا تتَحَـرّك إلَّا بما يريد، وأن يحكم حياتك، أن يحكم واقعك، أن يتحكم بكل شأنك، هذا هو الاستعباد.
وديننا هو دينُ الحرية الذي تعلمنا فيه ونتعلم منه أن لا نقبل أبداً بأن نُستعبد لأحد، وأن لا نكونَ عبيداً إلَّا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، ديننا هو الذي علمنا الله فيه وقال في قرآنه (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)، الإسْــلَام يعلّمنا كمسلمين أن لا نتجه نحن لاستعباد أحد، وأن لا نستعبد بعضنا بعضا، وأن لا نقبل من أحد من البشرية أن يستعبدنا؛ لِأَن الله لم يُرِد لأحد أن يتخذ العبادَ أرباباً، أن يجعل من العباد عبيداً له، وَأن يجعل من نفسه رباً لهم، حتى الملائكة ليس لها ذلك، وحتى الأنبياء ليس لهم ذلك، فما بالك بالمجرمين والمتوحشين والقوى الانتهازية والطامعة والمتجبرة.
مأساةُ الأُمَّــة أن يأتي إليها أشرُّ خلق الله، أسوأ عباد الله، قوى طاغية متجبرة ظلومة متوحشة، لا أَخْلَاق لها ولا قيم، ولا تُعطي أي اعتبار ولا مكانة للبشرية ولا لحقوق البشرية، فتستعبدها قهراً، وتستعبدها إذلالاً وهواناً وظلماً.

أسباب انحطاط الأمة

وهكذا نلحظ أن واقعَ الأُمَّــة مأساوي، وأن أبرز مشاكل الأُمَّــة اليوم تتلخص في ثلاث إشكالات، كلها نتيجة انحراف عن أَسَــاسيات في هذا الدين، في نهج النبي مُحَمَّــد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ:
أولها: الاختلال الرهيب في الوعي
فبعد أن قدّم الإسْــلَام بقرآنه وتعاليم نبيه وإرشاداته ما يكفل للإنْـسَـان أن يكون على أرقى مستوى من الوعي والبصيرة والنور، لا يحمل في فكره ولا في تصوراته لا سذاجات ولا مفاهيم مغلوطة ولا أفكاراً سطحية ومغلوطة ولا نظراتٍ غيرَ واقعية، وأن يكون على مستوىً عظيمٍ، محصناً لا يتأثر بخداع الآخرين، ولا تضليل الآخرين بأي شكل كان، دعاية إعْــلَامية، نشاط تثقيفي، فكري، أصبح المسلم اليوم في كثير من البلدان مجرَّداً من الوعي، قابلاً للتأثير، ونجد مظاهرَ الاختلال الرهيب في الوعى بأشياء كثيرة اليوم.
حينما يأتي الأَمريكي بكل ضغائنه، بكل شره الذي ملأ الدنيا ليتحدّثَ عن حقوق إنْـسَـان، أَوْ ليتحدث عن ديمقراطية، أَوْ ليتحدث عن حرية، ثم ينخدع البعضُ به، ويتأثر بكلامه، ويصدِّقه أَوْ يصدق “إسرائيل” أنها تريد السلام وتنشد السلام أَوْ غير ذلك، هذا من مظاهر الاختلال الرهيب في الوعي في وَاقع الأُمَّــة، عندَما نلحظ أن هناك في واقع الأُمَّــة جماهير واسعة، وأعداداً كبيرة في حالة من الجمود أمام كُلّ هذا الواقع المأساوي، والكل يشهد بأن هذا واقع مأساوي وكارثي وضار بالأُمَّــة، وأنه يُفترض أن تسعى الأُمَّــة للتغيير وللخروج منه، فترى الكثير الكثير في حالة من الجمود ينتظرون المجهول، وينتَظرون الواقعَ ليتغير من تلقاء نفسه، هذا شاهد من شواهد الاختلال الرهيب في الوعي.

ثانيا: اختلالٌ كبير في القيم وَالأَخْلَاق

وهذا ملحوظ بشكل كبير في وَاقع الأُمَّــة، لا تجد اليوم الفرق بين الكثير ممن ينتمي للإسْــلَام وبينَ غيره من أي أمم أُخْــرَى، انعدام لكل القيم والأَخْلَاق، توحش، إجْــرَام بشكل بشع جداً جداً، الحالة التي نشاهدها لدى التكفيرين ولدى آخرين ممن يفتكون اليوم بالأُمَّــة، ويظلمون الأُمَّــة، ويقهرون الأُمَّــة، هل تجد فارقاً بين ما عليه النظام السعودي وبين “إسرائيل” أَوْ بين أمريكا أَوْ بين أية فئة متوحشة في هذه الأَرْض؟ مع أن هؤلاء ينتمون للإسْــلَام!! أين هي قيم الإسْــلَام؟ هل تجد لها أثراً في أفعالهم في اليمن، وفي أفعالهم وَمؤامراتهم الفظيعة الرهيبة المدمرة في بقية شعوب المنطقة.
هذا الاختلال الرهيب في القيم والأَخْلَاق هو نتيجة انحراف عن رسالة الإسْــلَام وقيم الإسْــلَام، بكلّ بساطة يقتلون الناس، يظلمون الناس، ينهبون ثروة الأُمَّــة، يحتلون الأَرْض، ينتهكون العرض، يهتكون الكرامات، يتجاوزون الحرمات، لا حدود ولا قيود ولا التزامات واعتبارات، يتصرفون كما لو لم يكن لهم أيُّ ارتباط بهذا الدين ولا أي انتماء إليه، وهذه حالة سائدة بشكل عجيب، عندما تجد الكثير من الناس يبيعُ نفسَه بمال، يفعل أي شيء مهما كان إجْــرَامياً أَوْ وحشياً مقابل أن يحصل على المال، يبيع نفسه، يبيع وطنه، يبيع شعبه، يبيع أمته، يبيع قيمه، يبيع إنْـسَـانيته، يبيع أَخْلَاقه لماذا؛ لِأَنهم سيعطونه بعضاً من المال، وهذا المال هو مما نهبوه عليه وأخذوه عليه، هذا اختلال رهيب في القيم والأَخْلَاق، ولنا أن نتصور كم ينشأ من خلال ذلك من مشاكلَ ومآسٍ في واقع الأُمَّــة.

ثالثا: غيابُ المشروع الحقيقي للأمة

يُفترض أن لهذه الأمة رسالةً وَمشروعاً وَهدفاً، تبني واقعها؛ لتكون أمة عظيمة قوية، تقدم النموذج العالمي كأمة حضارية راقية، واقعها قائم على الأَخْلَاق وعلى القيم وَعلى العدل، وتنشر الحق والخير في أرجاء العالم. وتتميز بوعيها بالدور الاستخلافي للإنْـسَـان في الأَرْض، كيف يعمر الأَرْض ويعمر الحياة ويبني الحياة على أَسَــاس من القيَم، على أَسَــاس من المبادئ العظيمة؛ بهدف مقدس يسيرُ نحو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى.
وحينما غاب المشروع الحقيقي للأمة حلّت بدائل عنه، هي مشاريعُ الأَعْـدَاء، وهي مؤامراتهم، لم تبق الأُمَّــةُ هَكذا مجرد حالة فراغ، اليوم تتَحَـرّك مشاريع الأَعْـدَاء في الأُمَّــة وَتستهدفها بالدرجة الأولى، مشاريع تتَحَـرّك في أوساط الأُمَّــة لصالح أَعْـدَاء الأُمَّــة، البعثرة والتفكيك اليوم مشروع رئيسي للأَعْـدَاء، يتَحَـرّكُ في داخل الأُمَّــة على أيدي محسوبين على هذه الأُمَّــة، أنظمة كالنظام السعودي الجائر المستكبر الغبي الجاهل المسيء إلَى السلام والى رسالة الإسْــلَام وإلى نبي الإسْــلَام، وَالجماعات التي أنتجها وفرّخها وصنعها مع الغرب، مع أَمريكا، ومع “إسرائيل” في وَاقع هذه الأمة، في داخل هذه الأُمَّــة، في أوساط هذه الأُمَّــة، البعثرة والتفكيك لهذه الأُمَّــة إلَى أسوأ حال، ثم نجد أن السعي كُلّ السعي من كُلّ هؤلاء الذين هم صنيعة العدو في داخل الأُمَّــة، ويد للعدو في داخل الأُمَّــة، كُلّ جهدهم ينصبُّ في فرض تبعية عمياء وغبية لتطويع الأُمَّــة لأعدائها، وتسخيرها بكل ما تملك لصالح أَعْـدَائها.

الحل: العودة إلى الإسلام الأصيل

أمام هذا الواقع المظلم، ليس للأمة إلا أن تعود إلى الإسلام كمنظومة متكاملة، إلى القرآن الكريم الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإلى نهج النبي محمد صلوات الله عليه وآله الذي صنع أعظم تحول حضاري في التاريخ.
فالإسلام -كما طبقه الرسول محمد صلوات الله عليه وآله- أثبت نجاحه مرتين: حينما التزم به المسلمون فصنعوا حضارة عظيمة، وحينما انحرفوا عنه فتحول واقعهم إلى ظلام وتبعية.
واليوم، فإن التغيير الحقيقي يبدأ من العودة إلى القيم القرآنية والرسالية، ومن وعي الأمة بخطورة واقعها وبحاجتها الماسة إلى مشروع تحرري جامع، يعيد لها عزتها وكرامتها.

التعليقات مغلقة.