شخصيات سياسية ودينية يمنية: فلسطين هي القضية والكرامة هي الطريق
مفتي الديار اليمنية العلامة: هذه التضحيات تدل على أن اليمن، الحكومة والشعب، كلهم على استعداد لمواجهة أعداء الله، وعلى جهوزية لبذل أرواحهم في سبيل الله.عضو السياسي الأعلى محمد النعيمي: الشعب اليمني اختار طريقه بقيادة السيد عبدالملك الحوثي على مبدأ الحرية من التبعية والارتهان للأمريكي الصهيوني ومواجهة الكيان الصهيوني ومساندة أهالي غزة، وهذا مسارنا سنقدم فيه التضحيات والشهداء.عضو الأمانة العامة لحزب المؤتمر ، حسين حازب: هذه الاعتداءات الصهيونية لن تثنينا عن واجبنا نحو إخوتنا في فلسطين وفي غزة، وإن هذه الدماء الزكية بإذن الله ستكون وبالا على الكيان الصهيوني.
في قلب صنعاء، حيث تختلط مشاعر الحزن بعنفوان الغضب، ينهض اليمن من بين الرماد أكثر صلابة، كالجبل لا تهزه العواصف. هنا شعبٌ لم يعرف الركوع، ولم يطأطئ رأسه إلا لله. شعبٌ كلما اشتدت عليه الخطوب، ازداد عنفوانًا وقوةً وتماسكًا، كأن الأزمات وقود عزيمته ومصدر شموخه.
قدم اليمن -على طريق القدس- خيرة رجاله، وشيّع في الأمس رئيس حكومة التغيير والبناء وتسعة من الوزراء. لقد ظن العدو الصهيوني أنه بإجرامه سيكسر إرادة اليمنيين، فإذا به يورط نفسه في مواجهة أمة لا تعرف الخنوع. دماء رئيس الوزراء ورفاقه اليوم تصرخ في وجه المعتدي: “الثأر آتٍ، والقصاص قادم، واليمن لا ينسى، ولا يرضى بغير الكرامة طريقًا، ولا بغير فلسطين قضية”.
في صباح يختلط فيه وجع الفقد بعطر الفخر، احتشدت الجماهير اليمنية في صنعاء، تودّع شهداءها الذين ارتقوا بنيران العدو الصهيوني، رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وعدد من الوزراء ورفاقهم. ارتفعت الهتافات الممزوجة بالفخر، وحلّقت الأرواح في فضاء المكان تردد أن القضية لا تموت، وأن دماء الشهداء هي وقود الطريق نحو القدس.
ووسط الجموع المحتشدة في التشييع بميدان السعبين بالعاصمة صنعاء أجرينا استطلاعا مع عدد من الشخصيات الوطنية والدينية، لنحاورهم في لحظة تُشبه الخلود:
مفتي الديار اليمنية العلامة شمس الدين شرف الدين كان وجهه يفيض نورًا وإصرارًا، وحين سألناه عن وقع هذا المصاب قال بصوت يشبه هدير البحر: “نعزي أنفسنا، ونعزي قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، ونعزي قيادتنا السياسية، وجيشنا، وشعبنا، وأمتنا العربية والإسلامية. ارتقى ثلة من الشهداء، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، وهذا دليل أن اليمن ـ حكومةً وشعبًا، كبارًا وصغارًا- كلهم على أهبة الاستعداد لمواجهة أعداء الله، لا يخشون في الله لومة لائم. نحن في معركة مفتوحة مع أمريكا و”إسرائيل”، معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، معركة تحتاج رجالًا لا يعرفون التراجع، رجالًا يربطون مصيرهم بالله وحده.
ما قدّمه شهداؤنا هو نبوءة محمد صلوات الله عليه وآله: الإيمان يمان والحكمة يمانية. الشعب اليمني اليوم جعل خطه الجنة، وسقفه رضوان الله، ولن يحيد عنه مهما عظمت التضحيات.”
وأكد أن المواجهة في هذه المرحلة تقتضي رجالا على هذه الناحية من الإقبال على الله والشجاعة والبسالة، موضحا أن الشهداء كانوا يعلمون أنهم في مواجهة مفتوحة مع أعداء الله أمريكا و”إسرائيل”، ومع ذلك لم يخشوا في الله لومة لائم، ولم يتواروا عن الأنظار، ولم يبتعدوا عن الواقع، بل كانوا يؤدون واجبهم الوطني والديني.
نحن في معركة مفتوحة مع أعداء الله “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”، ومعنى كلمة الفتح الموعود أن الله سبحانه وتعالى قد وعد بذلك إذ قال تعالى: “فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين”، وعد الله بنصره للمؤمنين كائن لا محالة، غير أنه بحاجة إلى رجال على هذا النحو من الإقبال على الله، وبذل أرواحهم في سبيل الله تعالى.
المفتي أشار إلى حديث السيد حسن نصر الله رحمة الله تعالى تغشاه الذي قال فيه قبل أن يستشهد: “نحن عندما ننتصر ننتصر، وعندما نستشهد ننتصر”، مؤكدا أننا على هذا النحو من الإقبال على الله، والأريحية في العطاء لله وفي سبيله، فلا نحزن ولا نأسف ولا نخشى في الله لومة لائم. وعبر عن شكره لله إزاء هذه النعمة التي نحن فيها من هذا الإقبال والجهاد والعطاء، وهذا السخاء الذي قلّ أن يوجد له نظير على المعمورة بكلها، فالكل يتردد ويجعل له سقفا محدودا يتحرك فيه ويتعامل معه، بينما الشعب اليمني لم يجعل له خطا إلا الجنة، ولن يجعل له سقفا إلا رضوان الله.
محمد النعيمي – عضو المجلس السياسي الأعلى، اقتربنا منه وهو يواسي الجموع، فسألناه عن رسالة هذا الدم الطاهر فقال: “تعازينا لقائد الثورة ولشعبنا الصابر. الشعب اليمني اختار طريقه، طريق الحرية والاستقلال من التبعية للأمريكي والصهيوني. لقد قدّمنا رئيس الجمهورية صالح الصماد شهيدًا، وها نحن نودّع رئيس الوزراء ووزراء آخرين، ومعهم القادة والمشائخ وأبناء الشعب من كل الفئات. هذا طريقنا، طريق التضحية لتحرير فلسطين، ومهما قدّمنا من دماء، فإنها رخيصة أمام عزة أمتنا وكرامة قدسنا.
ونقول للأمة العربية: لا خلاص لكم إلا بالتحرر من التبعية، لا سبيل إلا بالنهضة ومواجهة الكيان الصهيوني. وأما للكيان الصهيوني فنقول: إن غدًا لناظره قريب”.
حسين حازب – عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام، كان يقف بوقارٍ تتدفق من ملامحه العزيمة، وحين تحدث، بدا كأنه يخاطب العدو مباشرة: “رحم الله شهداءنا، ونعزّي قيادتنا وشعبنا. وليعلم أعداء الله من اليهود والنصارى والمنافقين أن اعتداءاتهم لن تثنينا عن واجبنا تجاه فلسطين وغزة. هذه الدماء الزكية ستتحول بإذن الله إلى نهر يجرف ظلم الاحتلال، لا عن غزة وحدها، بل عن القدس وكل أرض مستضعفة. ونقول للشعوب والأنظمة العربية: إن خذلتمونا فأنتم تخذلون أنفسكم، أما نحن فقد عقدنا العزم ألا نتراجع عن الجهاد ونصرة غزة.
وأما الخونة والعملاء فنقول لهم: خسئتم، فأنتم لا تملكون أن تكسروا عزيمة شعبنا، ولن تجنوا سوى الخيبة في الدنيا والعذاب في الآخرة، فالشعب عقد العزم على المواجهة والجهاد في سبيل الله حتى يفتح الله بيننا وبين أعدائنا.
بين الهتافات والدموع والرايات الخضراء التي خفقت في سماء صنعاء، بدا المشهد أشبه بلوحة تاريخية تُرسم بمداد الدم والشرف. كان اليمن يودّع قادته، لكنه في الحقيقة يكتب سطورًا جديدة في ملحمة الأمة: أن لا تراجع عن نصرة فلسطين، وأن طريق القدس يُعبَّد بالدماء الطاهرة، وأن أمة محمد لا تنكسر ما دام في اليمن رجالٌ يختارون الشهادة على الركون، والكرامة على المذلة.
“هكذا كان وداع اليمن لشهدائه، وداعٌ لا يطوي صفحة، بل يفتح أخرى. في كل قطرة دم ترفع راية، وفي كل شهيد يولد ألف مجاهد. فلسطين ليست بعيدة عن هذه الساحات، فهي تسكن في قلب كل يمني. واليمن يقول للعالم: مهما عظمت التضحيات، فطريق القدس هو قدرنا، والشهادة شرفنا، والنصر وعد الله الذي لا يُخلف”.
وهكذا طوى اليمن يومًا شامخا من أيامه، لم ينحنِ، بل ازداد شموخًا. فكل شهيد يُشيَّع في صنعاء هو صرخة في وجه العدو، وكل دم يسيل على تراب اليمن هو وعدٌ بأن الحساب قادم. لقد ورّط الكيان الصهيوني نفسه في مواجهة شعبٍ لا يعرف الانهزام، شعبٍ لا يزيده القتل إلا صلابة، ولا يزيده الحصار إلا عزيمة. شعب جعل من التضحيات طريقًا للنصر، ومن الشهداء جسورًا إلى القدس.
فليعلم العدو أن وبال أمره يقترب، وأن دماء اليمنيين لن تذهب هدرًا، وأن ساعة القصاص تلوح في الأفق، وما هي إلا أيام حتى يذوق الغاصب مرارة ما اقترفت يداه، وقد ذاق بأس سلاحنا وعزيمة رجالنا. فاليمن لا يركع، واليمن لا يخون، واليمن إلى القدس يمضي، ما دام في قلبه نبض، وفي يده سلاح، وعلى لسانه هتاف: الموت لإسرائيل.. النصر لفلسطين.
التعليقات مغلقة.