بعد الصاروخ الانشطاري: اليمن يفرض تهديدًا استراتيجيًا جديدًا على الاحتلال الصهيوني
صنعاء سيتي |صحافة
مع كل قفزة نوعية يحقّقها اليمن في ترسانته الصاروخية، تتعمّق المخاوف داخل “إسرائيل” من تحوّل «الإزعاج اليمني» إلى تهديد إستراتيجي متكامل. إذ لم يعُد الأمر مجرّد صواريخ عابرة أو رسائل رمزية، بل باتت قدرة اليمن على تطوير منظومات متقدّمة، من مثل الصاروخ الانشطاري الأخير، مؤشراً على انتقال الصراع إلى مرحلة أكثر تعقيداً وخطورة.
ويضع هذا الواقع المستويات العسكرية والسياسية والبحثية في تل أبيب، في سباق محموم لتشخيص التهديد والبحث عن سبل مواجهته، فيما تواصل إسرائيل اعتماد الغارات الجوّية على صنعاء كخيار رئيس، رغم إقرار قادتها بأنّ تلك الضربات لم تغيّر شيئاً في معادلة الردع، ولا في سلوك حركة «أنصار الله»، خصوصاً أنه بعد أسابيع من الاستطلاع الجوّي والتعاون مع أقمار صناعية أميركية، لم تتمكّن تل أبيب من استهداف قادة الحركة أو منصات إطلاق صاروخية متقدّمة.
ووفق صحيفة «معاريف»، تعمل شعبة الاستخبارات “الإسرائيلية” «أمان»، على إنشاء بنك أهداف يشمل الأفراد والبنية التحتية العسكرية والحكومية والمدنية، إلا أنّ الواقع الحالي يقتصر على ضربات عشوائية على مواقع خدمية، مع إقرار ضمني بأنّ بنك الأهداف الحقيقي ضيّق ومعقّد. ويرى مراقبون غربيون وخليجيون، أنه من دون القدرة على استهداف قادة «أنصار الله»، فإنّ أي عدوان على اليمن لن يُسفر عن النتيجة المرجوّة، علماً أنّ قادة الحركة يخضعون لإجراءات أمنية مشدّدة وإستراتيجيات تعمية ودفاع سلبي، ما يصعّب على الأجهزة الاستخباراتية الوصول إليهم.
في المقابل، تعكس الضربات اليمنية، وفق صحيفة «جيروزاليم بوست»، عقيدة إيران وحلفائها في استخدام أنظمة عسكرية متقدّمة، بدءاً من الصواريخ والذخائر الجوّالة، وصولًا إلى المنصات الباليستية المزوّدة بذخائر عنقودية، بما يفرض على إسرائيل تحدّياً متعدّد الجبهات (غزة، لبنان، سوريا، العراق، واليمن). وأظهرت «أنصار الله»، عبر اندماجها في «محور المقاومة»، قدرة عملية على إطلاق صواريخ باليستية بعيدة المدى مزوّدة بذخائر عنقودية، ما يضعها في فئة جديدة من التهديد، تستدعي من إسرائيل إعادة معايرة ردعها وبروتوكولات ردّها.
وفي هذا الإطار، أحصى موقع «ميدل إيست آي» تنفيذ اليمن، منذ تموز من العام الماضي، أكثر من 1679 هجوماً بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل وأهداف في البحر الأحمر، من بينها واحد استُخدم فيه صاروخ باليستي مزوّد برأس حربي عنقودي في اتجاه مطار «بن غوريون»، وهو أول استخدام من نوعه نحو العمق الإسرائيلي.
وتوقّف الخبراء “الإسرائيليون” مطوّلاً عند الفشل في اعتراض تلك الصواريخ قبل تفتّتها، وطرحوا تساؤلات جوهرية حول محدودية شبكة الدفاع الجوّي متعدّد الطبقات في البلاد. إذ رغم قوّتها الهائلة، لا تزال الأنظمة الدفاعية غير مجهّزة بالكامل للتعامل مع الرؤوس العنقودية عند تفتّتها في الجوّ. ويفرض هذا الواقع على إسرائيل ضرورة معالجة الفجوة بسرعة، عبر تحديثات تكنولوجية شاملة، وإعادة النظر في العقائد الدفاعية.
ورغم أنّ بعض التحليلات “الإسرائيلية” السابقة كانت تصف «الحوثيين» بأنهم مصدر «إزعاج»، أكّدت الخبيرة ناعا لزيمي من معهد «مشغاف للأمن القومي» أنّ «هذا التصنيف مضلّل. فسرعة استيلائهم على الحكم، وامتلاكهم ترسانة صاروخية وبحريّة، واستقلاليّتهم عن طهران، هي أمور تجعلهم قادرين على تهديد الأمن الإسرائيلي بشكل مباشر»، مضيفة أنّ «الحوثيين يجمعون بين أيديولوجية متطرّفة وجرأة عسكرية عالية، ما يحوّلهم إلى تهديد إستراتيجي حقيقي لا يمكن تجاوزه بالغارات الجوّية وحدها، بل يستوجب دراسة خيارات جديدة على المستويات العسكرية والدبلوماسية».
ويقترح العميد في الاحتياط، تسفيكا حايموفيتش، قائد منظومة الدفاع الجوّي السابق في جيش العدو، بدوره، الخروج عن النمط التقليدي، عبر محاولة تشكيل تحالف دُولي، وتجنيد الدول العربية التي تعاني بشكل مباشر من التهديد، مثل السعودية، وفي الوقت نفسه العمل على تعزيز قوى المعارضة في اليمن. كما يقترح تسفيكا «تدريب قوى المعارضة، ثم استكمال العملية الداخلية. إنها عملية طويلة الأمد، ولكن لا بدّ من البدء بها، وإلا فلن تتحقّق».
على أنّ القيادة السياسية “الإسرائيلية” تقرّ بأنّ المواجهات الأخيرة كشفت محدودية التحالفات الإقليمية؛ إذ لا توجد رغبة حقيقية لدى الدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية لتحمّل العبء العسكري في مواجهة «أنصار الله». وحتى الولايات المتحدة لجأت، بعد تدخّل محدود، إلى التهدئة، مدفوعة بتقييم الكلفة مقابل الفائدة، ما يجعل إسرائيل تواجه «أنصار الله» بمفردها، معتمدة على قدراتها الجوّية ودعم الدفاع الصاروخي الأميركي، ومن دون القدرة على تنفيذ عمليات برّية، الأمر الذي يمنح الحركة مساحة أكبر للمناورة والتخطيط، بعيداً عن تأثير الغارات.
*لقمان عبدالله: الاخبار اللبنانية
التعليقات مغلقة.