تراجع مخزون السدود ينذر بأزمة مائية حادة في المغرب

صنعاء سيتي | متابعات

 

 

ينذر تراجع المخزون المائي في سدود المغرب بتداعيات وخيمة، بعدما دخلت البلاد مرحلة الندرة المائية، ما يحتم ترشيد الاستخدام وإصلاحات هيكلية.

تأثر مخزون السدود  في المغرب على نحو ملحوظ خلال الصيف الحالي، إذ أظهرت آخر البيانات الرسمية أن نسبة الملء على الصعيد الوطني بلغت نحو 34.22% فقط لغاية تاريخ 24 أغسطس/ آب الجاري، أي ما يعادل 5736,12 مليون متر مكعب من أصل قدرة إجمالية تناهز 16762,51 مليون متر مكعب. وشهد المخزون المائي في سدود المغرب تراجعاً مهماً خلال الشهرين الماضيين، فقد انخفضت نسبة الملء من 38,9% منتصف يونيو/ حزيران الماضي إلى المستوى الحالي، ما يعني فقدان ما يقارب 791,28 مليون متر مكعب، أي 12,1% في ظرف وجيز.

وتكشف المعطيات الرسمية الصادرة عن المديرية العامة لهندسة المياه، التابعة لوزارة التجهيز والماء في المغرب، عن اختلال بين حجم الواردات والإفراغات؛ إذ لم تتجاوز واردات المياه على مستوى السدود 3.95 ملايين متر مكعب لغاية 23 أغسطس الجاري، فيما بلغت الإفراغات 8,07 ملايين متر مكعب. ويبدو تراجع مخزون السدود لافتاً في بعض الأحواض المائية، حيث لا تزال نسب الملء دون 30% في كل من أم الربيع، ملوية، سوس ماسة، واد نون ودرعة، فيما يظل وضع حوض أم الربيع الأكثر هشاشة بنسبة لا تتجاوز 10%. ويبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه في المغرب نحو 645 متراً مكعباً سنوياً، مقارنة بـ10 آلاف متر مكعب في الدول الغنية بالمياه. وقد ينخفض هذا الرقم إلى 500 متر مكعب بحلول عام 2050، ما يضع البلاد في فئة “ندرة المياه الشديدة”.

يوضح رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ (أهلية)، مصطفى بنرامل، أن المغرب يشهد خلال السنوات الأخيرة أزمة مائية خانقة تجلّت بوضوح في تراجع ملحوظ لمخزون السدود، الذي لم يتجاوز 34% مع نهاية الشهر الجاري، معتبراً أن الوضع القائم يثير تساؤلات حول قدرة هذه المنشآت الحيوية على تلبية الطلب المتزايد على المياه في ظل تنامي الاستعمالات وتغير أنماط المتساقطات.

ويؤكد بنرامل، الخبير البيئي، أن السدود شكلت على مدى عقود ركيزة أساسية للأمن المائي والفلاحي في المغرب، لذلك فإن تراجع مخزونها يضع البلاد أمام تحديات بنيوية تستدعي مقاربة جديدة أكثر شمولية واستدامة. ويرى أن تراجع المخزون يرتبط بعوامل متشابكة، تأتي في مقدمتها تغيرات المناخ التي انعكست في دورات جفاف متكررة وتراجع كمية المتساقطات المطرية، إضافة إلى عدم انتظام توزيعها في الزمان والمكان. كما ساهم الارتفاع القياسي بدرجات الحرارة في رفع معدل التبخر من المسطحات المائية، ما قلّص من حجم المياه المخزنة.

ويلفت إلى أنه لا يمكن إغفال الضغط البشري والاقتصادي المتزايد على الموارد المائية، إذ أدّى النمو الديمغرافي والتوسع الحضري والطلب الصناعي والفلاحي المتصاعد إلى استنزاف متزايد للمياه، فضلاً عن تأثير بعض الزراعات الموجهة للتصدير، مثل البطيخ الأحمر والحوامض، والتي تستهلك كميات هائلة من المياه رغم محدودية الموارد. ويعتبر بنرامل أن ضعف الحوكمة المائية والتأخر بتنفيذ مشاريع كبرى، مثل تحلية مياه البحر والربط بين الأحواض المائية، زادا من تعقيد الوضع.

وبخصوص تداعيات تراجع المخزون المائي في السدود، يتوقع الخبير البيئي المغربي أن تترتب عن هذا التراجع تأثيرات متعددة الأبعاد تمسّ القطاعات الحيوية من قبيل المجال الفلاحي، حيث ستتقلص المساحات المسقية بشكل كبير، ما سينعكس سلباً على حجم الإنتاج ويؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع القدرة التنافسية للصادرات الزراعية.

وتزداد المخاوف من انقطاع مياه الشرب بشكل متكرر أو تقييد إمكانية التزوّد بها في بعض القرى والمدن، خصوصاً في فترات الذروة الصيفية، كما يقول بنرامل، لافتاً إلى أن تراجع المخزون المائي في السدود ينعكس سلباً على المستوى الاقتصادي، حيث تتأثر قطاعات صناعية حيوية مثل النسيج والصناعات الغذائية، فيما قد يفقد المغرب بعض فرص الاستثمار بسبب الضغط على موارده المائية. ويضيف: “بيئياً، إن نضوب الفرشات المائية (الأحواض الجوفية) وتراجع منسوب السدود يهدّدان التوازن البيولوجي ويزيدان من مخاطر التصحر وتدهور التنوع الطبيعي. كما قد يتسبب شح المياه في تصاعد الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية، خصوصاً في المناطق القروية التي تعتمد بشكل مباشر على الزراعة والموارد المائية”.

من جهة أخرى، يرى بنرامل أن مواجهة هذه الوضعية الحرجة لا يمكن أن تتم بالحلول الظرفية، بل تتطلب استراتيجية وطنية متكاملة تعيد النظر في أسس التدبير المائي، معتبراً أن الإجراءات الأكثر أولوية تكمن بتسريع مشاريع تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية الكبرى بحاجاتها من المياه، والحد من الضغط على السدود والفرشات الباطنية، وتوسيع استعمال المياه العادمة المعالجة لري الفلاحة والمساحات الخضراء عوض الاعتماد على المياه العذبة. بالإضافة إلى مراجعة السياسة الزراعية عبر توجيه الدعم نحو الزراعات الأقل استهلاكاً للمياه، واعتماد تقنيات حديثة للسقي مثل التنقيط والتغطية البلاستيكية، وتفعيل الربط بين الأحواض المائية بما يضمن توزيعاً أكثر عدالة للموارد بين الجهات.

ويؤكد ضرورة تحسين الحوكمة والرقابة من خلال محاربة استغلال الآبار بشكل عشوائي، وإرساء تسعيرة تحفيزية تشجع على الترشيد، وتعزيز التوعية والتنشئة في المدارس وعبر وسائل الإعلام لترسيخ ثقافة ترشيد استخدام المياه. وكذلك تشجيع البحث العلمي والابتكار لتطوير تقنيات جديدة في مجال تحلية المياه بالطاقة الشمسية والطاقات المتجددة.

وإذ يحذّر رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أن تراجع مخزون السدود إلى 34% يشكل جرس إنذار حقيقياً، يؤكد أن المغرب دخل مرحلة الندرة المائية البنيوية، معتبراً أن السدود وإن كانت أحد أعمدة السياسة المائية لعقود، فإن استمرار الاعتماد المفرط عليها من دون إصلاحات هيكلية لن يفِي بمتطلبات المرحلة المقبلة. ويشدد على أهمية الانتقال من منطق تعبئة الموارد إلى منطق ترشيد وتثمين الاستخدامات، وذلك في إطار حوكمة رشيدة واقتصاد دائري للمياه، حيث إن هذه المقاربة وحدها كفيلة بضمان أمن مائي مستدام يحافظ على حق الأجيال الحالية والقادمة بمورد استراتيجي لا غنى عنه.

التعليقات مغلقة.