معركة البحر الأحمر.. اليمن يهزم أعتى الجيوش وأكثرها تطوّراً
صنعاء سيتي || صحافة ||
تحوَّلت التجربة اليمنية في البحر الأحمر إلى مختبر عالمي للحروب غير المتماثلة؛ إذ أظهرت الطائرات المُسيَّرة والصواريخ الدقيقة المنخفضة التكلفة قدرة استثنائية على تحدّي أعتى الجيوش وأكثرها تطوّراً من الناحية التكنولوجية. وبدأت هذه التجربة أواخر عام 2023 في إطار مواجهة التحالف الأميركي – الأوروبي – “الإسرائيلي”، الذي اكتشفت أطرافه أنها أمام معادلة جديدة مختلفة كليّاً عن ما أنتجته العقائد العسكرية المعهودة منذ الحرب العالمية الثانية. وأقرّ بذلك كبار المسؤولين الأميركيين الذين اعترفوا بأن استخدام أدوات بسيطة ورخيصة يمكن أن يُربك أساطيل بحرية عملاقة، ويُكبّدها تكاليف ضخمة في الذخائر والدفاعات.
هذا الواقع، أجبر القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، على إعادة النظر في استراتيجياتها العسكرية، إذ اكتشفت واشنطن أن حاملات الطائرات والقطع البحرية الثقيلة لم تعد كافية لردع خصم غير متماثل مثل حركة “أنصار الله”، بينما رأت بكين في التجربة اليمنية دليلاً إضافياً على أن الاستثمار في المُسيَّرات والروبوتات البحرية هو الطريق الأمثل لمواجهة التفوّق الأميركي التقليدي. وفي هذا الإطار، تقول مجلّة “Defense One”، في تقرير، إن وزارة الدفاع الأميركية قامت بتشكيل وحدة هجومية جديدة مكوَّنة من 12 عضواً، متخصّصة في استخدام الطائرات المُسيَّرة الهجومية، وذلك في قاعدة “Quantico” في ولاية فرجينيا.
وكانت هذه الخطوة ردّاً مباشراً على الإخفاقات الأميركية في البحر الأحمر، وشملت الاختبارات المتضمّنة فيها استحداث طائرات تعمل عبر تردّدات الراديو، وتوظيف نسخ جديدة تعتمد على الألياف الضوئية لمقاومة التشويش، إضافة إلى السعي لخفض تكلفة الطائرة المُسيَّرة الواحدة من 200 ألف دولار إلى نحو 2000 دولار فقط.
هكذا، مثّلت حرب اليمن الأخيرة تحوّلاً مفصليّاً في الوعي الاستراتيجي الأميركي حول الحرب البحرية؛ إذ أظهرت كيف يمكن لقوّة معادية غير نظامية مسلّحة بطائرات وقوارب مُسيَّرة أن تمزّق توازن القوّة الكلاسيكية بأقل التكاليف. كما أدركت واشنطن أن الردّ التقليدي الصاروخي الباهظ الكلفة، ليس الحل الوحيد، بل يجب المواكبة بتكنولوجيا جديدة. ومن هنا، أعلنت عن برامج واسعة من مثل “ريبيليكيتور” (أي الناسخ)، وهي مبادرة يستخدمها “البنتاغون” لإنتاج أسراب ضخمة من المُسيَّرات والروبوتات المنخفضة التكلفة لتسريع نشر أسلحة مُسيَّرة من دون طيار، مع تثبيت الأهداف المستقبلية لمواجهة التحديات الصينية البحرية.
ومع ذلك، ستظلّ الولايات المتحدة تواجه معضلة فنية وعقائدية؛ فهي ترغب في تقليص المخاطر البشرية وتخفيض التكاليف من جهة، لكنّها تحتاج إلى بناء ثقة في قدرات أنظمتها الذاتية من جهة أخرى. وتؤكّد التقارير الأميركية أنه في الوقت الذي تُثني فيه واشنطن على مقدّرات أنظمتها القتالية، فإنها تتحسّس جيداً الفارق الكبير بين الترسانة التقليدية وسوق “الأسلحة البسيطة” الذي برز حديثاً في مواجهة الحروب غير المتوازنة.
وعلى هذه الخلفية، أطلقت وزارة الدفاع أولى طلبيات شراء طائرات وسفن مُسيَّرة بأنواع وأحجام مختلفة، بما فيها أنظمة إنذار ودفاع ضد الطائرات المُسيَّرة، أواخر عام 2023 بمبلغ 500 مليون دولار، على أن تزداد المشتريات بتمويل إضافي مقترَح قُدِّر بـ500 مليون دولار للسنة المالية 2025. وتهدف هذه الخطوة إلى سدّ الفجوة التكتيكية التي انكشفت في مواجهة الحروب غير المتماثلة، بحيث تتيح للبحرية الأميركية حشد أسراب من الطائرات المحمولة بالسفن والألغام المحمولة جوّاً كخطّ دفاع ضد أي مهاجم مُسيَّر بأسعار زهيدة نسبيّاً. وذكر تقرير أميركي أن هذه المنظومات “ستؤدّي دوراً حيوياً في مستقبل الحرب البحرية من خلال زيادة مدى الأسطول وتحسين الإدراك الموقعي لديه ورفع فاعليته القتالية”، خصوصاً في مواجهة التحدي المستقبلي مع بكين.
وبحسب قادة عسكريين أميركيين، فإن بلادهم بحاجة إلى أسراب ذاتية الحركة من السفن والطائرات البحرية المُسيَّرة لإعاقة أي تقدّم بحري صيني محتمل نحو مضيق تايوان. ولهذا، تُسارع الولايات المتحدة الآن إلى تطوير أسطول بحري مُسيَّر قادر على العمل في أسراب من دون تحكّم بشري مباشر، على الرغم من أن تكلفة التصنيع أصبحت بملايين الدولارات لكل “زورق سريع”. ويُعدّ السباق لصناعة هذه الأنظمة، أحد محاور “القانون الكبير الجميل” الذي أقرّه الكونغرس بإضافة نحو 5 مليارات دولار لصالح نُظم الاستحواذ على الأتمتة البحرية.
وهو يعكس إدراكاً بأن البحار العالمية ستشهد مواجهة بين البحرية الأميركية وخصمها الصيني، وأن امتلاك إمكانات مُسيَّرة على نطاق واسع قد يساهم في تفادي خسائر بشرية ومادية فادحة في صراع مفتوح مع قوّة تقليدية متقدّمة.
*لقمان عبد الله: الاخبار اللبنانية
التعليقات مغلقة.