كسر الردع الإسرائيلي: قوة اليمن العنيدة في الميدان

صنعاء سيتي | تقرير | يحيى الشامي

 

 

في ظل تصعيد متواصل يشهده قطاع غزة، يتعاظم التهديد الذي تمثّله الجبهة اليمنية بشكل يمس مصالح العدو الاستراتجية (اقتصادية وأمنية و اجتماعية) ويعزز من فاعلية ا لإسناد اليمني لغزة، الجبهة اليمنية التي وصفها المحللون الإسرائيليون بأنها “الأكثر إحراجًا للردع”، في وقت يتبجّح فيه مجرم الحرب نتنياهو بـ”إنجازات وهمية”، ويصفها المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية، روعي كايس، بأنها “لاعب لم نعرفه”، فرضت واقعًا عسكريًا جديدًا، محولةً عدم القدرة على التعامل معها إلى حقيقة تتردد في أوساط المؤسسة الأمنية والسياسية للعدو.

عدوان فاشل وواقع جيوسياسي معقّد

يؤكد المحللون الإسرائيليون أن الغارات الأخيرة على اليمن ما هي إلا محاولة لـ”تنفيس الاحتقان” بعد العمليات الصاروخية اليمنية المستمرة، وليست ذات جدوى حقيقية. المحلل السياسي للشؤون العربية، أوهاد حيمو، يرى أن “ما كان هو ما سيكون في اليمن”، وأن الهجمات الإسرائيلية “لن تغير قدراتهم واستعداداتهم لمهاجمة إسرائيل”، مؤكدًا أن الجانبين يعملان ضمن “قواعد لعبة واضحة”.
هذا التقييم يتوافق مع ما نقله المحلل العسكري أور هيلر، الذي وصف اليمنيين بأنهم في حالة “نصف جنون” لتحديهم أمريكا و”إسرائيل”، مؤكدًا صعوبة استئصالهم بسبب الجغرافيا اليمنية المعقدة، فـ”اليمن بلد كبير، متباعد الأطراف، يخفون صواريخهم. كيف تبحث عن إبرة هناك في أي نفق بالجبال”. هذه الجغرافيا تشكل عائقًا كبيرًا أمام أي عدوان، وهو ما شدّد عليه المراقبون الإسرائيليون، بالإضافة إلى صمود الشعب اليمني في إسناد المقاومة في غزة.

كسر “القبة الحديدية” وتعاظم التهديد

أحد أبرز مظاهر هذا التحدي هو القدرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، فبحسب إذاعة جيش العدو، فإن الصاروخ اليمني الذي أطلق مؤخرًا كان “برأس حربي قابل للانشطار”، وهي المرة الأولى التي يطلق فيها اليمنيون صاروخًا من هذا النوع على “إسرائيل”. هذا التطور التكنولوجي في القدرات الصاروخية اليمنية، الذي أشار إليه المحلل العسكري الإسرائيلي هليل روزن، يظهر كيف أن هذه القدرة لم يستطع العدو تدميرها، ولا وقف تطوير وإنتاج صواريخ جديدة، ما يشير إلى تقدم مطّرد في الصناعات الصاروخية اليمنية وتعاظم التهديد.
وقد تسببت هذه الهجمات في حالة من الارتباك في الأوساط الإسرائيلية، حيث اضطر مطار “بن غوريون” إلى تحويل مسار الطائرات، وهو ما أشار إليه المسؤول السابق في جهاز الشاباك، شالوم بن حنان، الذي حذّر من أن ما يحدث قد يتحول إلى “طوفان” آخر، مستذكرًا كيف أن صواريخ غزة كانت تسمى “التنقيط” قبل أن يأتي “الطوفان”.

البعد الاقتصادي: باب المندب كابوس إسرائيلي جديد

لم يقتصر التأثير اليمني بطبيعته المتصاعدة على البعد العسكري والأمني، بل امتد ليضرب عصب الاقتصاد الإسرائيلي، لقد أصبح باب المندب ومحيطه “عقدة قتالية دائمة الضرر بالعدو”، ورمزًا للحصار اليمني للكيان الصهيوني المجرم، وهو واقعٌ أقرّت به مصادر إسرائيلية رسمية وغير رسمية بشكل مباشر وفي محطات متعددة.
في أحدث ما ورد في هذا السياق جاء تقرير لصحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، تم الكشف فيه عن مخاوف جدّية لما تُسمى وزارة الزراعة الصهيونية من نقص في إمدادات الغذاء بسبب التأخيرات في الموانئ، التقرير يشير إلى أن التأخير المستمر في تفريغ السفن يهدد إمدادات الغذاء في الداخل المحتل، وأن هذه الأزمة قد تؤدي إلى “نقص حاد في الغذاء”. ويؤكد هذا التهديد الاقتصادي أن اليمن لم يفرض فقط واقعًا عسكريًا جديدًا، بل استنزافًا اقتصاديًا يضاف إلى الضغوط الأخرى مستمراً بتعاظم على مدار عامين.

“المنطق” اليمني الذي لم يفهمه العدو

تتوقف وسائل إعلام العدو بشكل كبير عند استراتيجية اليمن وإصراره على استهداف مطار اللد، مع تحضيرات لتصعيد صهيوني بهدف “وضع حد لهذا الكابوس”، ومع ذلك، يجد المحللون الإسرائيليون أنفسهم أمام “منطق” مختلف تمامًا عن منطقهم.
أشار المحلل “حيزي سيمانتوف” إلى هذا الارتباك، متسائلًا: “ماذا يريدون؟ باسم الإله في السماء، ما هو منطق الحوثيين؟ أعتقد أن ترامب أسهل عليّ فهمًا منهم”. هذا الاعتراف بالفشل في فهم الدوافع اليمنية يؤكده المحلل أور هيلر، الذي يرى أن سلطة العدو لم تجمع معلومات استخباراتية كافية عن اليمن، على عكس لبنان، وهو ما يفسر جزءًا من المشكلة، وفي الواقع فإن هذه النقاشات تعكس حيرةً كبيرة تعصف بالكيان أمام المعضلة اليمنية، أو ما يُسميه ا لصهاينة بالتحدّي اليمني.
وفي هذا السياق، يتفق المحللون الإسرائيليون على أن اليمنيين “ملتزمون بوعودهم”: طالما أن الحرب في غزة مستمرة، سيواصلون الهجمات. هذا الالتزام يفرض عمليًا نظرية “وحدة الساحات”، ويثبت معادلة عنيدة يكرّسها اليمن يومياً ترفض الاستفراد بفلسطين، في الوقت الذي أقرّت فيه الصحفية “ميراف بتيتو” من يديعوت أحرونوت، بوجود “أشياء لا يمكن هزيمتها”، منها “حكم حماس وعلى الأرجح اليمنيون”.
في النهاية، يدرك العدو الإسرائيلي أن كسر الإرادة في هذه الجبهة “أبعد ما يكون”، فاليمن يؤمن أن نهوضه بالمسؤولية حتمي في سياق مواجهة لا مناص من خوضها، يسلم من تبعاتها وخسائرها من يخوضها، ويُلزم المتقاعسين عنها و المتخاذلين إصر التفريط وتبعات الخذلان والتنصّل عن المسؤولية، ينجو اليمن برؤيته القرآنية الصائبة من كل هذا الوبال الذي يعم المنطقة طالما وهو في وضعية من يأتي بهم الله في زمن الارتداد، والله غالب، ووعده حق.

 

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.