الجنوب مطيّةً لمعركة اقتصادية …. واشنطن لصنعاء: الحرب لم تنتهِ بعد
صنعاء سيتي | صحافة
بعد سنوات من الفوضى التي طبعت الملف الاقتصادي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي – الإماراتي في جنوب اليمن، وضعت واشنطن، أخيراً، برنامجاً مكثّفاً لما يسمى «الإصلاح الاقتصادي» في عدن، ارتبط من حيث التوقيت بإعلانها، مطلع أيار الماضي، وقف العمليات العسكرية في اليمن، الأمر الذي يطرح عدداً من التساؤلات عن الأهداف الحقيقية للبرنامج المذكور.
ويأتي ذلك فيما يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة لم تحقّق إنجازاً عسكرياً لافتاً في العدوان على اليمن، رغم شنّها أكثر من ألف غارة من الجو والبحر خلال عملية «الفارس الخشن»، التي تواصلت لما يقارب الشهرين. لكن في الوقت نفسه، لا يبدو أن واشنطن ستتسامح مع صنعاء، ليس فقط لأن الأخيرة هزّت الهيبة الأميركية في المنطقة، بحسب القادة الأميركيين أنفسهم، الذين وصفوا المواجهة مع «أنصار الله» بالأصعب في تاريخ بلادهم منذ الحرب العالمية الثانية، بل لأن اليمن تمكن أيضاً من قطع الملاحة عن إسرائيل، وتنفيذ عمليات نوعية في العمق الإسرئيلي، مثبّتاً نفسه، منذ اندلاع معركة «طوفان الأقصى»، كمحور رئيسي في المواجهة.
ومع انسداد الأفق الأميركي – الإسرائيلي في التعاطي مع المعضلة اليمنية، جرى الحديث عن أن الخيار الوحيد المتاح لتغيير المعادلة على الأرض لصالح واشنطن وتل أبيب، يتمثّل بفتح معركة برّية ضد «أنصار الله»، بواسطة القوى المحلية المناهضة للحركة. لكن اللجوء إلى هذا الخيار في الوقت الراهن يعدّ انتحاراً، خصوصاً أن المناطق الواقعة تحت سلطة تلك القوى، تعاني انهياراً اقتصادياً مريعاً، وفشلاً في الخدمات، وتعطّلاً في المؤسسات، فضلاً عن انقسام حاد أفقياً وعمودياً، يضرب كل التوليفة التابعة للتحالف السعودي – الإماراتي. لذا، وحتى لا تخسر واشنطن كل اليمن، أجّلت خيار المواجهة البرية إلى أجل غير مسمى، ريثما يتم تنفيذ مشروع «الإصلاح الاقتصادي» جنوباً.
هكذا، يبدو أن ثمة معارك من نوع آخر فُتحت ضدّ صنعاء، وهي تحتاج إلى وقت، وفق ما أكده رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الذي قال إن «المواجهة مع اليمن تحتاج إلى وقت طويل». وإلى الآن، ما يزال يطغى على هذه المعركة الطابع الاقتصادي، حيث تقودها الولايات المتحدة من قصر معاشيق في عدن، عبر مسارات عدة تستهدف بمجملها ضرب الاستقرار الاقتصادي والخدمي في المناطق الواقعة تحت سيطرة صنعاء، وتشمل فرض العقوبات على عدد من المؤسسات والعناصر المرتبطين بسلطة «أنصار الله»، ومواصلة تدمير المنافذ الجوية والبحرية والبرية بالغارات الإسرائيلية.
ورغم أن عدن تعاني منذ عشر سنوات من الفوضى التي تضرب كل مناحي المؤسسات والخدمات، بفعل السياسات الممنهجة للتحالف السعودي – الإماراتي، فإن البرنامج الأميركي، المسنود بخلية أميركية تدير العملية من عدن، تمكّن من تغيير المشهد خلال أيام معدودة فقط؛ إذ ارتفع سعر الريال مقابل الدولار، إلى 1700 من 2900 للدولار الواحد، الأمر الذي أدى إلى تراجع في قيمة السلع الضرورية بنسبة 40%.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن لجنة الخزانة الأميركية، أعدّت قائمة طويلة بمؤسسات صرافة وشركات تجارية، يشرف عليها قادة بارزون مرتبطون بالرياض وأبو ظبي، لوضع أصحابها ضمن لائحة العقوبات، ما لم يتمّ تنفيذ الخطوات «الإصلاحية» خلال شهر ونصف شهر. كما إن واشنطن هدّدت «المجلس الرئاسي» والحكومة التابعة له بأنه إذا لم يتم «الإصلاح» خلال 90 يوماً، فإنه سيتمّ تغيير كليهما.
ويضاف إلى ما تقدّم، تشكيل لجنة تمويل الاستيراد وتنظيمه – بإيعاز من واشنطن -، التي ستكون مهمتها حصر إدخال السلع الأساسية إلى البلاد بالمناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف، وتحديداً بموانئها، وهو ما يرمي إلى حرمان صنعاء من الاحتفاظ بالكتلة النقدية، فضلاً عن التحكّم في وصول السلع الأساسية إلى المناطق الواقعة تحت سلطة «أنصار الله».
كذلك، تحرّكت ملفات سيادية كانت منذ عام 2015، بالنسبة إلى التحالف، خطاً أحمر، وهو ما يدلّ عليه مثلاً شروع حكومة عدن في ترتيبات لتشغيل مصفاة المدينة المتوقّفة منذ عام 2015، من أجل ضخ الوقود من المصفاة وتوفير ما يقارب مليار دولار سنوياً، هي قيمة مشتريات الوقود من الخارج.
ورغم أن صنعاء لا تأبه كثيراً للخطوات الأميركية، على الأقل رسمياً، فإنها في الوقت نفسه اتخذت قرارات قضت بمنع التحويلات البنكية والمصرفية مع المناطق الواقعة تحت سلطة التحالف، في حين لم تشهد مناطقها تأثراً مباشراً لا من حيث سعر العملة الوطنية، ولا السلع الأساسية والوقود.
وفي رأي محللين، فإن صنعاء تستطيع الصمود أمام الحملة الاقتصادية الأميركية لعدّة اعتبارات، تتعلّق بالسيطرة المطلقة على الملف الاقتصادي، الذي يُدار منذ عشر سنوات بسياسة اقتصاد الحرب، والتي مكّنت «أنصار الله» من الالتفاف على سياسات الحصار سابقاً، فضلاً عن أوراق القوة التي تمتلكها الحركة، والمتعلّقة بالتهديد العسكري ما لم يُذعَن لشروطها، على غرار التهديدات التي أوقفت تصدير النفط من حضرموت وشبوة.
*أحمد الحسني: الاخبارية اللبنانية
التعليقات مغلقة.