العقوبات الأحادية.. سلاح أمريكا الفتّاك ضد الشعوب الحرّة
صنعاء سيتي | صحافة
تشكل العقوبات الأحادية واحدة من الأساليب الإجرامية التي ابتدعتها الولايات المتحدة الأميركية وفرضتها مع شركائها الغربيين على الشعوب والدول المتمسكة بسيادتها والتي ترفض الانصياع لإرادتها.
تزعم الولايات المتحدة وشركاؤها أن هذه العقوبات هي “بديل حضاري” للحرب العسكرية، إلا أنها بنتائجها باتت أشد فتكًا منها لا سيما أنها تستهدف بشكل مباشر شعوبًا؛ خصوصًا عندما تتسبب بحرمانها من حاجاتها الأساسية والغذائية والدوائية والطبية، فضلًا عن آثارها الاقتصادية على البلاد المستهدفة.
ومنذ قرابة الخمسين عامًا تلجأ الولايات المتحدة وبالاشتراك مع حلفائها بشكل مفرط إلى العقوبات الاقتصادية لفرض إرادتهم وتحقيق مصالحهم الخارجية في العالم.
وتحت شعار “العقوبات بديل حضاري عن الحرب”، روّجت الولايات المتحدة لسياسات الحصار الاقتصادي وتجميد الأصول وخنق التجارة على أنّها تضغط على الأنظمة دون المساس بالمدنيّين، لكن الواقع يكشف أنها تستهدف الشعوب بالدرجة الأولى، وهذا ما كشفته دراسة بحثية نشرتها مجلة “ذا لانست”، تتبّع الباحثون فيها بيانات على مدار 5 عقود ممتدّة بين عامي 1971-2021 في 152 بلداً، وقارنوا أثر العقوبات المختلفة على معدلات الوفيات في مقابل الكلفة البشرية للحروب.
وأظهرت النتائج أنّ العقوبات ترفع الوفيات في جميع الفئات العمرية ولا سيما الأطفال، وأنّ العقوبات الأحادية، ومعظمها بقيادة أميركية، أشد فتكًا وتدميرًا من تلك التي تفرض بتفويض أممي، وأنّ الأطفال دون الخامسة يتحملون أكثر من نصف الوفيات المرتبطة بالعقوبات، وأنه كلما طالت مدة العقوبات تضاعفت أضرارها، وأن العقوبات الحديثة تقتل سنويًّا مدنيين أكثر من الحروب نفسها.
في ما يلي عرض لخمس حقائق عن الكلفة البشرية الخفية للعقوبات، يُظهر ما إن كانت هذه الأداة هي فعلًا البديل الإنساني المزعوم.
وجد الباحثون أن فرض أي عقوبات اقتصادية يرفع معدلات الوفيات في كل الفئات العمرية. وبحسب النتائج، فقد ارتفعت وفيات حديثي الولادة بنسبة 5.5%، والرضع بنسبة 8.4%، والأطفال دون الخامسة بنسبة 8.8%، فيما ارتفعت وفيات البالغين بين 60 و80 عاماً بنسبة 2.4%. تبقى هذه النتائج ثابتة حتى بعد ضبط أثر الحروب، والانكماش الاقتصادي، والإنفاق الصحي، ما يشير إلى أثر مباشر للعقوبات، لا مجرد انعكاس لهشاشة أوضاع البلاد الخاضعة للعقوبات.
فرّقت الدراسة بين العقوبات الأحادية التي تفرضها دول منفردة غالبًا بقيادة أميركيّة، والعقوبات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن، ووجدت أنّ العقوبات الأحادية تُظهر أثرًا إحصائيًّا كبيرًا. على سبيل المثال، ترتفع وفيات الأطفال دون الخامسة بنسبة 7.1% في ظل العقوبات الأحادية في مقابل 0.2% فقط في ظل العقوبات الأممية. ويتكرّر النمط نفسه في الفئات الأخرى، ما يعكس أنّ عقوبات الأمم المتحدة هي أكثر دقّة أو «وقائيّة» من العقوبات المالية التي تفرضها القوى الكبرى منفردة.
اعتمدت الدراسة على حسابات الوفيات الزائدة المرجّحة سكانيًّا بين عامي 2012 و2021، وقدّرت أن العقوبات تسببت في نحو 777 ألف وفاة إضافية سنويًّا. ومن اللافت أن 51% من هذه الوفيات كانت لأطفال دون سن الخامسة، و26% لأشخاص بين 60 و80 عامًا، والباقي (23%) توزّع على الفئات الأخرى. هذا التركّز في طرفَي الحياة الأكثر هشاشة يُبرز كيف تُدمّر العقوبات البُنى الحيوية، من سلاسل الغذاء والكهرباء إلى معالجة المياه والرعاية الصحية، ما يستهدف مباشرةً الفئات الأضعف في المجتمع.
لا يقتصر الضرر على لحظة فرض العقوبات بل يتعاظم مع الوقت. في خلال السنوات الثلاث الأولى من فرض العقوبات، تسجّل وفيات الرضع بنسبة 6.1%؛ وبين السنة الرابعة والسادسة من فرض العقوبات تبلغ النسبة نحو 8.6%؛ وبعد السنة السابعة من فرض العقوبات تتجاوز نسبة وفيات الرضع 10.5%. وتُظهر الرسوم البيانية عدم وجود «تأثير توقُّعي» قبل فرض العقوبات، ما يعزّز الفرضية السببية: كلما طال أمد القيود، تهاوت الأنظمة الصحية، نفدت الأدوية، وتراجعت مداخيل الأسر، ويُترجم ذلك إلى وفيات يمكن تفاديها.
لمقارنة الكلفة البشرية، قدّرت الدراسة أنّ العقوبات الأحادية تسبّبت في 564,000 وفاة سنويًّا بين 2012 و2021، في مقابل 106,000 وفاة سنويًّا في المعارك المسلّحة في خلال الفترة نفسها. ما يعني أن العقوبات تقتل مدنيين أكثر بـ5 أضعاف مما تفعله الحروب. لقد تحوّلت أداة الإكراه الاقتصادي من بديل “حضاري” عن الحرب إلى سلاح دمار شامل بآليات بيروقراطية وبطء قاتل.
*العهد الاخباري
التعليقات مغلقة.