الكاتب الفلسطيني خالد بركات لـ “أنصار الله”: لا يوجد في العالم ما يشبه التجربة اليمنية ولا السيد عبد الملك الحوثي

 صنعاء سيتي | خاص | أحمد داوود

 

 

أكد الكاتب والإعلامي الفلسطيني خالد بركات وأحد الأعضاء المؤسسين لحركة المسار الثوري الفلسطيني البديل أن العمليات اليمنية المساندة لغزة تعطي دفقات حياة جديدة في الجسد الفلسطيني المثخن بالجراح، مؤكداً أن ما يقلل من أهمية هذه العمليات اليمنية يقلل من أهمية فلسطين واليمن.

وأشار -في حوار خاص مع موقع “أنصار الله”- إلى أن العدو الإسرائيلي لا يستطيع احتلال قطاع غزة بالكامل إلا إذا قام بطرد وتهجير الشعب الفلسطيني، موضحاً أن كل ثورة وكل انتفاضة شعبية فلسطينية وكل حالة مقاومة بعد العام 1967م كانت شرارتها الأولى تنطلق من غزة.

 

إلى نص الحوار:

بداية أستاذ خالد: ما قراءتكم لتطورات الأحداث في قطاع غزة، لا سيما وأن العدو يستخدم سلاح التجويع لإجبار المقاومة على الاستسلام؟.

 

لا يزال جيش العدوّ يتخبط في متاهته، ويحاول تحقيق أهدافه بارتكاب المزيد من الجرائم، ويغرق في الوحل والدم. ومع مرور كل ساعة يزداد قادة وضباط الاحتلال قناعة أن جيشهم “الذي لا يقهر” سقط أمام مجتمعه الصهيوني أولاً، إذ لم يعد في وسعه الادعاء بقدرته على توفير الحماية للمغتصبين الصهاينة، أو الاستمرار بــ”سياسة الضغط القصوى” التي تعني باختصار المزيد من الجرائم والإبادة، لذلك يُكثر قادة العدو في إطلاق التصريحات المتناقضة عن “احتلال غزة” من جهة، وضرورة التوصل إلى “اتفاق” من جهة أخرى!

أما سلاح التجويع الذي لجأ إليه الكيان الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة، فهدفه كسر المقاومة من خلال فرض حالة من العقاب الجماعي الشامل على شعبنا في القطاع، واستهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة، التي كانت ولا تزال تشكل الصخرة القوية والركن الأشد في معادلة الصمود والصبر. هذه الجماهير التي قدمت أنموذجاً اسطورياً على مدار سنوات الحصار، يريد العدو اليوم عقابها بالموت جوعاً وقصفاً، وجعلها “تندم”!

وقد جاء التجويع على هذا النطاق الواسع، بعد فشل الاحتلال في كسر إرادة شعبنا، وجاء بالتدريج، على جرعات، فسلاح التجويع مارسه العدو دائماً، وكان قبل السابع من أكتوبر 2023م يحسب عدد السعرات الحرارية لكل طفل في غزة، يسمح بإدخال كميات محدودة ومحسوبة بالورقة والقلم، وكان يمنعها وقتما شاء. في فترات الحروب وبحسب مزاجه.

وبعد السابع من أكتوبر بدأ يمارس سياسة التجويع، وحين لم يجد من يردعه أصبح يمدد فترات منع دخول المستحقات، ثم صار “يهندس” هذه الجريمة، ويتجاوز كل الخطوط، بل ويتلذذ في القيام بذلك، فهذه الجرائم التي يمارسها العدو على مسمع ومرأى العالم -بدعم مباشر من الولايات المتحدة وفي ظل صمت دولي وعربي- تُلحق أشد الأذى والآلام والمعاناة بشعبنا، لكنها بنفس القدر تكشف طبيعة العدوّ وتفضحه، وتؤكد فشله.

المطلوب اليوم في ظل هذا المستوى من الجرائم هو تكثيف الضغط الشعبي والمسلح، وفتح المعابر من الجانب المصري لإدخال مستحقات شعبنا المكدسة على الطرف الآخر من المعبر.

لماذا يتحكم العدوّ بنقطة حدودية بين مصر وفلسطين؟

النظام المصري يشارك في الحصار والجريمة الوحشية، وقد انتقل دوره من التواطؤ بالصمت إلى المشاركة في ذبح شعبنا وتجويعه.

و نحن بدورنا سنظل ندعو الشعب المصري إلى التمرد على سياسة نظام كامب ديفيد، وإطلاق الانتفاضة المصرية الشعبية، ليس من أجل غزة فحسب، بل من أجل مصر وكرامة الشعب المصري أيضاً.

 

يواصل المجرم نتنياهو الضغط عسكرياً على المقاومة الفلسطينية، بهدف احتلال كامل للقطاع. ما فرص النجاح في ذلك من وجهة نظركم؟

لا يستطيع العدو احتلال غزة بالكامل إلا إذا قام بطرد وتهجير شعبنا، ولنتذكر كيف أقدم العدو على احتلال قطاع غزة عام 1967، وانتزعها من الإدارة المصرية خلال ساعات قليلة، ودون قتال، لكن شعبنا في غزة أطلق مقاومة مسلحة منذ اليوم الأول في حزيران يونيو عام 1967 حتى 1973، وهدأت نار المقاومة فترة ثم سرعان ما هبت من جديد، لم تتوقف يوماً واحداً، وهذه الحقيقة جعلت العدو يقول في مطلع السبعينيات من القرن الماضي إنه “يحتل غزة في النهار فقط” أما في الليل فيحررها الفدائيون. كل ثورة وكل انتفاضة شعبية فلسطينية وكل حالة مقاومة بعد العام 1967 كانت شرارتها الأولى تنطلق من غزة.

وحين يتحدث العدو عن غزة يصفها بعبارات مثل “غزة مشكلة كبيرة”، و”غزة مستنقع”، و “غزة جهنم”، ووصل الأمر أنه إذا أراد أن يلعن شخصاً ما يقول له “ليرسلك الرب إلى غزة”. وقد تمنى قادة العدو لو أن البحر يبلع غزة. هذه هي الحقيقة. غزة شوكة من حديد في حلوقهم.

اليوم يعجز جيش العدو عن احتلالها بعد 22 شهراً وأكثر من المجازر والقتال، وقد استخدم كل قدرته العسكرية تقريبا من أجل احتلالها، كما أنه لا يستطيع تأمين المناطق التي يحتلها الآن في القطاع دون توقع مقاومة شرسة، ودفع ثمن كبير من دماء جنوده وضباطه، وخسائر في عتاده وأسلحته.

ويدرك العدو هذه الحقيقة بالتجربة الطويلة، ويعلم أيضا أنه طالما يوجد في القطاع شعب فلسطيني فلن يستطيع فرض إرادته، ولذلك يعتمد -اليوم- سياسة “حرق غزة”، و”الحل الأخير” التهجير الكامل.

لن يستطيع جيش العدو، أو أي جيش في العالم مهما بلغت قوته، احتلال قطاع غزة والبقاء فيه، بل حتى لو نجح العدو في احتلال غزة بالكامل، فإنه لن يستطيع فرض الهدوء عليها أو تسكينها، إلا إذا اقتلع الغزيين من أرضهم. وهنا جوهر المعركة الحقيقية. وما يجب أن يستوعبه العالم.

عسكرياً: ما الإمكانات التي تمتلكها المقاومة للاستمرار في مواجهة العدو ولفترات طويلة؟

أهمية أيّ سلاح في أيّ معركة تكمن في مدى ملاءمته لطبيعة الصراع، وقدرته على إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف العدو والعملاء. السّلاح المناسب الذي تحتاجه غزة تصنعه المقاومة بيديها. وإنّ بندقية واحدة في الضفة المحتلة أو في غزة أو القدس تخيف العدو الصهيوني أكثر من كل الجيوش العربية، طالما أن اليد التي تتعهد السلاح تملك الإرادة السياسية والرؤية والقرار، ولديها بوصلة صادقة. في فلسطين المحتلة، لأسباب متعددة ومعروفة، ليست كثرة السلاح هي العامل الحاسم، بل السلاح المناسب الذي يجعل الاحتلال مكلفاً وفاشلاً.

إن مشكلة العدو لن تنتهي، حتى لو قام بفرض احتلاله، كما فعل منذ العام 1948، لأنه سيظل يفتقر إلى الأمن، وكل سلاح يحرم العدو من البقاء والهيمنة والراحة هو السلاح الفعّال والملائم للمعركة، حتى لو كان مسدسا أو سكيناً أو شاحنة.

بالمقابل لن ينفع السلاح مهما تكاثر طالما لا توجد الإرادة، فالسلطة الفلسطينية في الضفة تملك 100 ألف قطعة سلاح، ودورها في المعركة صفر كبير.

ما واقع الضفة الغربية في ظل التصعيد الإسرائيلي؟

يواجه شعبنا في الضفة المحتلة تحديات كثيرة لا حصر لها، وعليه مواجهة هذه التحديات التي يسميها العدو “الحقائق على الأرض”، وقد فرضها بالقوة، وفرضها أكثر تحت لافتة “السلام” بعد توقيع اتفاقية “أوسلو” الخيانية في أيلول 1993.

هناك التحدي الأول وهو الاحتلال نفسه الذي يتجسَّد في القوة العسكرية والمستعمرات وميليشيات المستوطنين، حيث يوجد في الضفة المحتلة جيوش صهيونية وليس جيشًا واحدًا، كما أن أكثر من 12 عصابة ومنظمة صهيونية مسلحة تملك نصف مليون قطعة سلاح، ثم هناك 17 جهازا أمنيا يتبع للسلطة الفلسطينية، تضم بينها مجاميع مسلحة من المرتزقة يطلقون عليها “أجهزة التنسيق الأمني”، و إذا أضفنا إلى كل ذلك واقع الحصار وجدار النهب والضم والسجون والجزر المعزولة والفقر وطبقة “السلام الاقتصادي” التي تعيش على دماء شعبنا سنكون أمام واقع مركب وصعب.

أكثر من 90% من الأسرى والأسيرات في سجون العدو هم من أبناء وبنات الضفة المحتلة.. هؤلاء مناضلون ومناضلات يعتقلهم العدو ليس لأنه يرغب في توسيع السجون وزيادة عدد المعتقلين، بل بسبب دورهم الفعال في المقاومة والمجتمع وقيادة الجماهير.. نتحدث عن نحو 11 ألف أسير في المعتقلات الصهيونية. جزء كبير منهم من الكوادر الثورية وأصحاب التجربة الكفاحية. وكلمتهم مسموعة في مواقعهم، ومخيماتهم، وقراهم، ومدنهم.

مع ذلك، ثمة مواقع وجيوب كثيرة للمقاومة المسلحة والشعبية التي لن يقوى العدو على إخمادها أو السيطرة عليها، فالحركة الطلابية الفلسطينية تملك العدد (الكم)، وقدرات تنظيمية مهمة (النوع)، وعشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني الذي لديه قدرة فائقة على الحركة رغم التضييق المستمر، يملك شبابنا قدرة على استعادة دوره وتنظيم صفوفه بسرعة إذا توافرت لديه مقومات ومرتكزات الصمود.

ولا تتوقف محاولات الطلائع الثورية الفلسطينية على تجاوز العقبات والتحديات باجتراح أساليب كفاحية جديدة وابداعية. كما لا تتوقف المبادرات الشعبية والوطنية لحماية الأرض والتصدي لقطعان المستوطنين وخوض الاضرابات عن الطعام والمظاهرات والوقفات تضامناً مع غزة. غير أن هذا كله ليس بالمستوى المطلوب، ففي ظل حرب الإبادة من حق شعبنا في غزة أن يغضب ويتوقع أكثر.

إنّ ظاهرة المقاومة المسلحة التي نشأت في شمال الضفة -على سبيل المثال- شكّلت كابوسًا حقيقيًا للعدو ولا تزال. لكن لا يزال التحدي الأكبر هو تنظيم الجماهير الفلسطينية في الضفة، بحيث تستطيع التمرد وتجاوز حاجز السلطة التابعة للاحتلال، والتي تشكل الحاجز الأمني الذي يحول بين طلائعنا الثورية وبين العدو، ذلك لأنها سلطة عميلة تعمل كحارس أمن للمغتصبات ومعسكرات العدو في الضفة. وعليه، يجب عزل المرتزقة من الفلسطينيين سياسيًا وجماهيريًا، وإبقاء التناقض والنضال المباشر الرئيسي ضد العدو الصهيوني في آن واحد، وهذه معادلة ليست سهلة في ظل غياب قيادة وطنية موحدة، ومع وجود فصائل لا مرجعية سياسية أو تنظيمية توحد خطابها، الأمر ليس كما هو الحال في قطاع غزة.

ليس ثمة حلول سريعة للنهوض بواقع الضفة المحتلة، فالمطلوب -إضافة لكل ما ذكرناه- التقليل من الاعتماد على ما يسمى “المنظمات غير الحكومية”، ومطلوب العودة للعمل العسكري السري تحت الأرض، وإعادة بناء الحركة العمالية والنقابية، والحركة النسوية والطلابية، وحماية الاقتصاد الوطني، وغيرها من قواعد العمل الوطني. أي تثوير وبناء الحركة الوطنية الفلسطينية وفق منظور ثوري جديد يستجيب للمتغيرات التي طرأت على واقعنا وعلى واقع العدو، وذلك حتى نستطيع هزيمة مشروع السلطة، وبناء البديل الثوري وسلطة الشعب الجديدة.

يستمر العدو في اقتحاماته للمسجد الأقصى وتدنيسه.. ما الذي يخطط له بالنسبة للأقصى؟

الهدف هو تدمير المسجد الأقصى. هذا ما يريده العدو: تدمير الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم. هذا هدف صهيوني معلن. جزء من مخطط السيطرة الكاملة على القدس. لقد سبق للعدو أن أحرق المسجد الاقصى في مثل هذه الأيام 21 آب/ أغسطس 1969.  ربما هذه مناسبة لتذكير أنفسنا بضرورة الدفاع عن القدس والمقدسات وفق استراتيجية أكثر فعالية.

العدو الصهيوني ينظر إلى المعركة في القدس بوصفها معركة دينية وسياسية، بل وجودية، ويوظف كل قوته لحسم الصراع في القدس. هناك ما يشبه التسابق المحموم بين القوى الفاشية الصهيونية على سياسة التهويد والصهينة، من أجل تأمين الولاء والأصوات الانتخابية والميزانيات، ولا يمكن ترك مهمة الدفاع عن المدينة المقدسة على عاتق المقدسيين وحدهم.

هناك صمت عربي مخيف وتواطؤ للكثير من الأنظمة تجاه الأحداث في غزة والضفة.. ما السر برأيكم وراء كل هذا الخذلان؟

لست متفاجئًا من موقف الأنظمة العربية، ولا من سلوكها المشين. ولو أنها أصبحت في الدرك الأسفل، غير أن النظام العربي الرسمي يستطيع دائما مفاجأتنا بالمزيد من هذا الانحطاط والخضوع.

المخيف – حقاً – هو انكشاف حالة العجز والهزيمة الداخلية التي أصابت الشعوب والأحزاب والقوى العربية وما يسمى “النخب” (القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية) التي تقف عاجزة، وهي من المفترض أن تقود الشارع، وتحرك وتنظم الجماهير نحو المعارك والميادين الصحيحة.

إن الاستثناء النوعي في هذه الصورة هو النموذج اليمني الثوري، بسبب وجود قيادة ثورية في صنعاء وشعب حر، وعقيدة، ورؤية، وتنظيم وسلاح، أي كل العناصر المطلوبة التي لم تكن متوافرة سابقًا، حيث نقلت الثورة بقيادة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي الحالة اليمنية من دائرة الهامش إلى قلب المركز والصدارة.. اليمن اليوم هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

لقد كشف طوفان الأقصى أين تكمن القوة والقدرة، وأين يكمن الخلل والعجز والقصور في الحالة العربية. فما الذي يمنع وجود انتفاضة شعبية في بلد مثل الأردن مثلا؟

ملايين من الفلسطينيين والأردنيين قلوبهم مع فلسطين، ونظام غارق في الوحل، لكن لم نشهد حتى اللحظة انفجار طوفان شعبي في البلد الذي يملك أطول حدود مع فلسطين المحتلة، وتعيش فيه كتلة شعبية من أصول فلسطينية تتجاوز 70% من السكان، وترتبط بعلاقات تاريخية وجغرافية وقبلية! السبب ليس الناس، ولا يمكن لوم الشعب الأردني، بل المشكلة كامنة في الأحزاب المهترئة والفاسدة التي تحولت إلى مجرد مكاتب فارغة خاوية، وقيادات قديمة، صار عمرها -كما يقول الشهيد الأديب غسان كنفاني- أطول من عمر الأرشيف في مكاتبها.

ومع غياب التنظيم الثوري والقيادة الحقيقية والارتباط الوثيق بالشارع وحركة المقاومة، لم يقل عسف النظام ولا تراجع مستوى القمع، بل تضاعف وتصاعد أكثر، فيما يحتل مثقف السلطة الشاشات والمواقع والإعلام والمساجد والكنائس، وأدخلوا المجتمع في حالة من الخوف والهلع والقلق. كل ذلك وغيره حال دون بناء حراك جماهيري ثوري منظم يكون له طابع الديمومة، ولديه أهداف معلنة واضحة. فالمظاهرات موسمية وعادة تأخذ طابع “فشة الخلق”. مع ذلك، يجب دعم كل حراك شعبي، خاصة إذا كان قادته من الشباب الثوري.

لكل بلد عربي واقعه ونظامه الذي يحكمه، لكن القواسم المشتركة في التراجع والإحباط والسكون تظل واحدة. بل حتى إذا اخذنا نموذجاً كالجزائر مثلا. الشعب الجزائري العظيم مثل الشعب اليمني، يعشق فلسطين، ولكنه للأسف يتعرض لخداع يومي بالكلام “عن فلسطين” في الأخبار، دون فعل حقيقي من دولته. هل يقدم النظام الجزائري لنا غير الكلام؟ وبعض الأموال التي تذهب للسلطة الفلسطينية في رام الله؟ هل هذا هو المطلوب من بلد كبير وعظيم مثل الجزائر؟ وفي ظل حرب إبادة يتعرض لها شعبنا الفلسطيني يوميا؟

ويوجد نظام ملكي عميل في المغرب يقوم بدور مشبوه، ويتعاون مع الكيان الصهيوني، لكن هناك حالة مستمرة من الحراك الجماهيري في المغرب، وهي متطورة وتواجه سياسات التطبيع، ومختلفة عن بقية الدول، فالجماهير المغاربية تواصل تحركها داخل وخارج المغرب.

ولو أخذنا الجامعات ودور العبادة والمدارس والأندية والمؤسسات العامة والنقابات في معظم الدول العربية، فإنها ليست ملكاً للشعب.. كلها مأمورة من الأجهزة الأمنية والمخابرات. وبالتالي، ليست صدفة أن نشهد حالة الحراك الطلابي في الجامعة العربية الوحيدة، جامعة صنعاء. في وقت لا نرى مثل هذا الحراك الطلابي في أي جامعة عربية أخرى. باختصار: هذا النظام العربي الرسمي انتهت صلاحيته، وموزع بين عاجز ومتواطئ.

باعتباركم أحد أبرز الأصوات ضد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وحركة المسار الثوري البديل جزء من هذا النشاط ضد جرائم العدو.. كيف تقيمون هذه الأنشطة وما أهميتها؟

تكتسب الفعاليات الشعبية والسياسية والإعلامية أهمية مضاعفة حين تكون في مواجهة الدول التي أسَّست الكيان الصهيوني، ومواجهة القوى الصهيونية وأنصار العدو من القوى الفاشية والعنصرية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها من البلدان ذات التاريخ الاستعماري الطويل.

وتزداد أهميتها في ظل وجود قوى شبابية راديكالية وجديدة، بدأت تقوم بفعل مؤثر كما هو حال بعض المنظمات التي تستهدف مصانع ومصالح العدو في بريطانيا وغيرها، سواء بالاستهداف المباشر والتخريب أو بالمقاطعة. وكما هو الحال في العديد من البلدان.

ومع ارتفاع وتيرة الصراع بين شعوبنا والقوى الاستعمارية في المنطقة، تجري عملية ثقيف وإعادة بناء الوعي لقطاعات واسعة من الناس حول طبيعة الصراع القائم. وحول تورط الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من القوى في الجرائم التي يرتكبها العدو. ليس من قبيل الصدفة أن نجد ارتفاع مستوى التضامن مع فلسطين والمقاومة في اليمن ولبنان في أوساط الأجيال الجديدة وطلبة الجامعات بالتحديد.

يجب أن نعترف بوجود ما يسمى “الهامش الديمقراطي” في هذه المجتمعات، ولو انه يضيق علينا بالتدريج. ومع وجود إعلام مفتوح وبديل، أصبحت الحقائق والمعلومات متاحة أكثر لمن يريد أن يعرف، برغم الإعلام الغربي العنصري والمهيمن عليه اللوبي الإسرائيلي وأنصار العدو. ولولا هذا الواقع الجديد الذي صنعه “الطوفان” لما استطعنا -على سبيل المثال- شرح كفاح الشعب اليمني وموقفه. لقد أصدرنا عريضة لدعم الموقف اليمني، ووقعت عليها عشرات القوى وحركات التحرر في العالم، وآلاف الشخصيات ومئات المنظمات والنقابات.

التغيير الذي يجري في الجامعات والنقابات والكنائس التي كانت تشكل قواعد ومواقع متقدمة للحركة الصهيونية، سوف تحدث فرقاً في المستقبل بالتراكم، وهي اليوم ساحات لاشتباك في مواجهة الرواية الصهيونية التي بدأت تتصدع وتنهار في ظل ما يقوم به العدو من جرائم يومية. هذه المواقع كانت شبه محرمة على أنصار فلسطين في فترات سابقة، ولكنها اليوم تتغير.

ولم تنشأ حركة التضامن الأممية مع شعبنا بعد السابع من أكتوبر، لكن عملية طوفان الأقصى المجيدة جعلت حركة التضامن تنجح في العبور إلى قلب الكتلة الشعبية الكبيرة، فلا تظل طوافا على السطح فقط. وهذا طبعا صنعته تضحيات ومقاومة شعبنا في فلسطين ولبنان واليمن، والجهود الكبيرة التي تقوم بها تيارات واسعة ومتعددة، وهي قوى من مشارب كثيرة، وليست متجانسة سياسيا أو فكريا بالضرورة.

وعلينا أن نذكر أنفسنا بحقيقة مهمة، وهي أن معارك الشعوب في مواجهة الاستعمار تُحسم في ميادين القتال والمواجهة، وليس في ساحات “التضامن”، لكن هذه الميادين تحتاج دائماً إلى ميادين شعبية رديفة، ورئة شعبية عالمية تتنفس منها وتستند إليها في نقل روايتها، والدفاع عن قضيتها العادلة.

الحقيقة الثانية هي أن العدو يعتمد -في استمرار وجوده ومصادر قوته- على هذه الدول والمواقع والمنظمات الصهيونية الموجودة في الغرب، ومسألة إضعافها وحصارها تصبح ضرورة لصالح المعركة الأساسية التي تخوضها المقاومة فوق أرضها الصلبة. مع ذلك، لا يمكن لحركات التضامن -مهما تعاظم دورها- أن تكون بديلا عن مشروع التحرير الذي تصنعه الشعوب في أوطانها.

كيف تنظرون إلى الخروج اليمني المليوني الأسبوعي كل جمعة في ميدان السبعين بصنعاء وبقية المحافظات؟

الخروج المليوني الأسبوعي في اليمن ومئات الفعاليات الشعبية التي يجري تنظيمها أحيانا في أسبوع واحد تشبه المعجزة، حيث تسير حركة الشعب اليمني في انسجام بين مستوياتها المتعددة: الشعبية والعسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية، بقيادة ورعاية السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله). وقد شكلت حالة استثنائية فريدة، ليس على الصعيد العربي والإسلامي فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً.

هذا في الواقع منطقي جداً، وتعبير حي عن قدرة الثورة المستمرة في البلاد التي تبني الوطن والإنسان معاً. فالشعب اليمني لم ينجز بعد مهمات التحرر الوطني بالكامل، لكنه أصبح يملك ناصية قراره، ويكتشف موقعه وقدرته الكامنة التي كانت معطلة طوال عقود من الزمن. وهو في الطريق إلى المزيد من الإنجازات التاريخية.

لقد اكتشف الشعب اليمني -بتجربته وحسه التاريخي- موقعَه الاستراتيجي المهم في المنطقة، ولم يكن هذا الاكتشاف نظرياً، بل من خلال خوض معارك قاسية وصعبة، في مواجهة كل الظروف المجافية، وضد حلف واسع من الدول الكبيرة، وجيوش المرتزقة والقتلة. وإذا كان اليمن وطن الشعب اليمني فإن فلسطين هي وطن قضيته المركزية العادلة. القضية التي تجسد أهدافه الوطنية والدينية والأخلاقية دفعة واحدة، والتي طالما راوده حلم الوصول لها.

وقد لا يعرف أكثر الناس العذاب الذي ظل يشعر به الشعب اليمني منذ العام 1948 بسبب المسافات والجغرافية والحدود التي تحول دون وصوله إلى القدس، غير أنه استطاع جَسرَ الهوة بالقرار السياسي، وبالصواريخ، والمسيرات، والسلاح. وذهب -من أجل هذا الهدف- إلى حيث لا يجرؤ أحد. تحمل الكثير، وهو مستعد لمواجهة العالم وليس أمريكا فقط من أجل فلسطين. وظني أن أولى طلائع التحرير التي ستدخل القدس ستكون يمانية إن شاء الله.

خروج الجماهير اليمنية في “السبعين” وميادين البلاد وإصرارها على الحضور الشعبي يعبر عن شعب حر، شعب تحرر من الداخل، يملك العقيدة، والحكمة، والرؤية، والحلم. وله تجربته الثورية الخاصة، ومواقفه التي يعبر عنها ببساطة وعمق. ولسان حاله يقول: أنا النصير وأنا ولي الدم. هذه مسألة أعمق من الصورة وأبعد. نحاول شرحها باستمرار لمن لا يعرفون طبيعة العلاقة بين اليمن وفلسطين.

ولن تجد في هذا العالم ما يشبه التجربة /الثورة/ اليمنية التي تجدد نفسها أسبوعياً. هذه جماهير وحشود تحمل السلاح وهي ذاهبة لمظاهرة في ميدان السبعين. صورة مدهشة، بقدر ما تسعدنا بقدر ما تخيف العدو. كما أن حالة التنظيم التي ترافق الخروج، والشعارات والهتافات والدقة والرسائل وغيرها من مظاهر واضحة، كلها تعبر عن قوة صاعدة ومنظمة، لن يوقف زحفَها ترامب ولا نتنياهو ولا بن سعود.

العمليات اليمنية العسكرية المساندة لغزة.. ماذا تعني لكم؟ وما أهميتها رغم تقليل البعض منها أهميتها؟

شكّلت العمليات اليمنية العسكرية بالنسبة لنا ولحركات المقاومة في المنطقة، الظهيرَ والسند الحقيقي، خاصة أمام ما يجري من حرب إبادة وحصار شامل ضد شعبنا في قطاع غزة، والعدوان المستمر على لبنان. وقد جاءت هذه العمليات اليمنية لتعطي دفقات حياة جديدة في الجسد الفلسطيني المثخن بالجراج. وضخّت في شرايين المقاومة الفلسطينية المزيد من الصبر والقوة. وكانت، ولا تزال، الكاشف لضعف وانهيار هذا النظام العربي الرسمي. إن العمليات اليمنية هي الحُجّة الفلسطينية الأقوى على الدول والأحزاب والشعوب التي خانت فلسطين.

وتعبر هذه العمليات البطولية عن إرادة شعب وقرار قيادة ثورية حكيمة، لديها استراتيجية سياسية، ومسنودة بتفويض شعبي عارم، وقوة العقيدة والأخلاق والمنطق، والانحياز الواضح للقضايا العادلة. لا توجد قوة مستعدة للقتال من أجل فلسطين، ومواجهة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وحلفائهم كما هو الحال في اليمن وقواته المسلحة. لقد رأينا كيف وقفت الدول والنخب في هذا العالم حائرة، تتأمل الواقع الجديد الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية بالسلاح والخطط: من الحصار البحري إلى الحصار الجوي. ومن مرحلة إلى مرحلة. ومن تصعيد إلى تصعيد.

يدرك العدو الصهيوني أهمية ما يقوم به اليمن عسكرياً، يعرف أكثر منا خساراته، وكم تكبد من نزف اقتصادي ومعنوي وسياسي. خسر مليارات الدولارات، ويخسر قطعه من أمنه مع كل صاروخ، وقطعة جديدة من معادلة الردع. ولولا ذلك، لما هاجم الكيان الصهيوني موانئ اليمن أكثر من مرة، ولما طلب من أمريكا نجدته حتى تخوض حرباً ضد اليمن بالنيابة عن “إسرائيل”.

إن من يقلل من أهمية هذه العمليات اليمنية يقلل من أهمية فلسطين واليمن. ولا يرى عذابات شعبنا وتضحياته. لا يمكن تصور الصراع خلال 22 شهراً الماضية دون الفعل العسكري اليمني. كما لا يمكن تصور الصراع مستقبلا دون الحضور اليمني في ساحات الجهاد والقتال.

من يقللون من أهمية هذه العمليات لم يخوضوا حرباً واحدة. ولو فتشت عنهم ستجدهم في حضن واشنطن و وبراميل النفط. على أي حالٍ أسيادهم الجنرالات في “البنتاغون” لديهم وجهة نظر مختلفة حول أهمية العمليات اليمنية.

كيف تتابعون خطابات السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي، وما الذي يشدكم إليه؟

مثل الملايين من أبناء الأمة نتابع باهتمام بالغ خطابات السيد القائد (حفظه الله) وننتظرها. نحن نقوم بتذكير بعضنا بموعدها، ونناقش المحاور التي أتى عليها الخطاب في وقت لاحق. وقد حدث -أكثر من مرة- أن نرجو لو أنه يقول كذا أو كذا، ثم بعد لحظات يذكر ملاحظاتنا كأنه سمعنا. وقد قلت ذلك لبعض الأخوة في قيادة أنصار الله.

ما يشدنا إلى خطاب السيد القائد (حفظه الله) هو جوهر وشكل الخطاب، يمكن أن نسميه “التقرير الأسبوعي” الذي يقدمه قائد الثورة إلى الشعبين اليمني والفلسطيني، وإلى شعوب الأمة. أي النموذج الثوري للعلاقة الصحيحة الطبيعية بين القائد والجماهير.

يتضمن الخطاب الـتأكيد على القضايا الاستراتيجية الكبرى في فلسطين والمنطقة، وطبيعة الصراع، ويسرد مواقف القوى المعادية والتطورات على جبهة العدو، ولا يهمل اليومي والتفاصيل والأحداث. لديه طريقته الخاصة البسيطة والعميقة. فكل الناس في الوطن العربي تفهم الموقف الذي يعلنه السيد القائد بغض النظر عن مستوى خلفياتها الثقافية ومستواها العلمي والأكاديمي. كلماته ونبرة خطابه لا تعرف أنصاف المواقف ولا ينقصها الوضوح. وبقدر ما هو شديد على العدو يظل حالما ومرنا وصبورا في قضايا الداخل، على قاعدة “أشداء على الكفار رحماء بينهم”.

خطاب أسبوعي عن حالة الأمة في اللحظة الراهنة، ويهتم قائد الثورة بتقديم معلومات وأرقام موثقة ومؤكدة. فلا ينسى جهد الناس، وإنجازاتهم. وحين يسرد التفاصيل إنما يفعل ذلك عن قصد، كأنه يقول: ما يعتبره البعض “خبر عاجل” هو في الواقع قضية كبرى، هذه حقوق ودماء وعذابات بشر، وفي فلسطين يوجد شباب ونساء وأطفال يُسحقون الآن، وطفولة منسية ومعذبة في غزة، وهنالك قضايا يجب الوقوف أمامها بحزم وعمق. فلا وقت لدينا للمجاملات، ولذلك بعد كل كلمة للقائد يشعر الناس أنهم أصبحوا أكثر قوة مما تصوروا، وأن قوة كامنة موجودة لديهم، فلا يشعرون بالذنب بقدر ما يشعرون بالمسؤولية. وينهي الخطاب بدعوة الشعب اليمني العزيز إلى تجديد العهد والميثاق مع الله ومع الثورة ومع فلسطين.

ما رسالتكم للأنظمة والشعوب العربية والإسلامية المتخاذلة مع غزة؟

أقول للأنظمة إن دروس التاريخ كثيرة، وأهمها أن الدول تزول وتفنى، وأن عروشكم مؤقتة وزائلة. ولن تدوم سلطاتكم وسطوتكم إلى الأبد. غزة تمنحكم -اليوم- فرصة تاريخية قد لا تتكرر، فلا “إسرائيل” باقية، ولا أمريكا باقية.. القرار الصحيح هو ألا تشاركوا في جريمة ذبح شعب فلسطين. لا تقدموا لنا “مساعدات”، لكن لا تكونوا مع العدو. ولا تقهروا شعوبكم.

أما الشعوب فندعو طلائعها الثورية أن تبني قواها الجديدة، أحزابها الثورية الجديدة. تبني حركات شعبية وشبابية تقاتل في الموقع الصحيح. وتتقدم بخطى واثقة نحو غزة، في طريق التحرر، وتستلهم النموذج الثوري في فلسطين واليمن ولبنان.

ما الرسالة التي تحبون توجيهها لليمن قيادة وشعباً؟

أقول لشعبنا العزيز في اليمن: مرة أخرى قد نصرت وانتصرت، فتغيرت المعادلات. أعدت البوصلة الصادقة نحو فلسطين، فأعدت فلسطين إلى موقعها الصحيح بكونها القضية المركزية. قضية يمانية، وعربية، وإسلامية، وإنسانية.

 

كلمة أخيرة تحبون اضافتها؟

أتقدم -باسم حركة المسار الثوري الفلسطيني البديل- بخالص التحية ومشاعر المحبة والوفاء إلى شعبنا العزيز في اليمن، ونعاهدهم أن نظل معا على طريق القدس والتحرير والعودة.  وتحية فلسطينية خاصة إلى كل رجال ونساء وأطفال وشيوخ اليمن، للقوات المسلحة الباسلة وجنودها الميامين، الذين يقدمون لغزة دفقات حياة ودماء، بالقول والفعل، وعلى مدار الساعة دون كلل أو ملل.

 

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.