هزيمة البحر الأحمر تطارد البحرية الأمريكية: صواريخ اليمن بسيطة لكنها موجعة ودقيقة

صنعاء سيتي | تقرير 

 

 

 

في وقتٍ تتساقط فيه أقنعة كثيرة، ينهض الشعب اليمني من قلب الجراح، حاملًا قضيته المركزية، قضية فلسطين، ويجدد موقفه التاريخي الراسخ في نصرة غزة، رغم الحصار والمعاناة.

حين كانت الأنظار مشدودة نحو غزة، تتابع المجازر وتحصي الشهداء، لم يكن أحد يتوقع أن الجبهة الأخطر ستُفتح من حيث لا يتوقع العدو من اليمن، ذاك البلد الجريح الذي أريد له أن ينهار ويستسلم تحت وطأة الحصار، فإذا به ينهض شامخًا، يخرج من بين الركام، لا ليرفع صوته فقط، بل ليقذف الصواريخ، ويطلق الطائرات، ويعيد للبحر الأحمر هيبته، وللأمة كرامتها.

إنها المرة الأولى منذ عقود التي يجد فيها العدو الإسرائيلي نفسه محاصرًا من جهة الجنوب بتهديد حقيقي قادم من خارج جبهات غزة ولبنان. فالصواريخ التي انطلقت من جبال اليمن لم تكن احتفالية، ولم تكن استعراضية، بل كانت عمليات مدروسة، دقيقة، وجريئة، ضربت أهدافًا إسرائيلية أو مصالحها في البحر، فارتبكت “تل أبيب”، وتضعضع أمنها.

وما بين ضربة بحرية هنا، ومسيّرة هناك، وجد العدو نفسه مضطرًا لأن يعيد ترتيب خرائطه، ويعيد النظر في تكتيكاته العسكرية، لحماية ملاحته وخطوط إمداده. لقد دخل اليمن إلى معادلة الردع من أوسع أبوابها، وأثبت أن الإرادة حين تُصنع في ميادين الصبر، فإنها أقوى من كل أساطيل العالم.

أمريكا العاجزة رغم السلاح

لم يكن الردع موجّهًا لإسرائيل وحدها، بل امتد إلى رأس الحربة في هذا الصراع: أمريكا. الدولة التي حشدت جيوشها لحماية الممرات، وجاءت بحاملات طائراتها لتأمين المصالح الإسرائيلية، وجدت نفسها عاجزة عن وقف هجوم بلد محاصر. فشلت منظوماتها في إسكات الصواريخ، ولم تنجح غاراتها في إخماد النار اليمنية. إنها المرة الأولى التي تعترف فيها واشنطن صراحة بأن لا خيارات فعّالة لديها، وأنها أمام خصم “صعب المراس”، “مرن”، و”لا يرهَب”.

موقع “كالكاليست” العبري كشف في تقرير له خلفيات الموقف الأمريكي المفاجئ بإيقاف العمليات العسكرية العدوانية على اليمن، مؤكداً أن صاروخاً يمنياً واحداً أطلقته قوات صنعاء باتجاه حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان”، وكاد أن يصيبها، ما تسبّب بحالة هلع في البنتاغون، وأدى إلى إيقاف العملية خوفًا من كارثة استراتيجية وعسكرية قد تُحرج واشنطن داخليًا وخارجيًا.

تقرير الصحيفة وثق تفاصيل ما وصفه بـ”الليلة التي خاف فيها ترامب”، حيث كشف أن الحملة الأمريكية ضد اليمن باءت بالفشل، ليس فقط لأسباب ميدانية، ولكن لأن الجيش اليمني أظهر قدرة ردع صاروخية جعلت البحرية الأمريكية تعيد حساباتها بالكامل. مضيفاً أن الرئيس ترامب أعلن وقف القصف في 5 مايو، زاعمًا أن “الحوثيين طلبوا التهدئة”، إلا أن الحقيقة – كما كشفها التقرير – أن البنتاغون حذّر الرئيس من أن أي استهداف مباشر لإحدى السفن الأميركية، خاصة حاملة الطائرات “هاري ترومان”، سيكون بمثابة كارثة استراتيجية وإعلامية.

تفاصيل الاشتباك الأخير مع “ترومان”

التقرير سرد وبالتفصيل ما حدث لحاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”، مؤكداً أن قوات صنعاء أطلقت في ليلة 28 أبريل صاروخًا باليستيًا دقيقًا نحو الحاملة “ترومان”، بعد تحديد موقعها عبر معلومات استخباراتية دقيقة، وأمطرت المسار البحري بمجموعة من الصواريخ والطائرات المسيّرة في هجوم مركب أربك أنظمة الدفاع الأميركي، وأجبر حاملة الطائرات العملاقة إلى تنفيذ مناورات مراوغة حادة، وصلت إلى درجة ميلان 20 درجة، ما أدى إلى انزلاق طائرة مقاتلة من نوع F-18 عن سطح الحاملة وسقوطها في البحر، وهي طائرة تُقدّر قيمتها بـ70 مليون دولار. وأكد ضابط في البحرية الأميركية أن سطح السفينة اضطر للانحدار خلال المناورة لدرجة جعلت الطائرة تنفصل عن حبال التثبيت وتطير نحو الماء.

وأشار التقرير إلى أن الصاروخ الذي تم إطلاقه يبلغ مداه أقل من 300 كيلومتر، ويُحلق في مسار انحداري حاد ويصل إلى سرعة تفوق سرعة الصوت، ما يجعل اعتراضه مهمة شبه مستحيلة. ويزن رأسه الحربي 650 كجم، ويُعد أحد أخطر الصواريخ التي تملكها صنعاء حاليًا في ترسانتها البحرية.

ووصف التقرير هذا النوع من الصواريخ بأنه “الجوكر” في ترسانة أنصار الله، مشيرًا إلى أنه يختلف عن الطائرات المسيّرة أو صواريخ الكروز من حيث طريقة الطيران والرصد والاستهداف، ويُعد تهديدًا استثنائيًا لحاملات الطائرات الأميركية.

واعترف الموقع بأن دفاعات البحرية الأميركية لم تنجح في اعتراض الصاروخ، خاصة مع تعقيد الهجوم وتزامنه مع موجات من الطائرات المسيّرة.

وأكد التقرير أن واشنطن أدركت في تلك الليلة حجم الفجوة بين المكاسب والخسائر، وأن ترامب خشي من أن يؤدي استمرار العملية إلى صورة كارثية تُظهر حاملة طائرات أمريكية مشتعلة تُسحب نحو ميناء قريب، وهو ما سيفضح أمريكا في عيون العالم، ويُسقط صورة “الرئيس الحديدي” التي يسعى ترامب لتسويقها قبيل الانتخابات.

وأمام هذه الصورة، قال التقرير: اقتنع فريق الرئيس أن “الحوثيين” يجب التعامل معهم سياسيًا لا عسكريًا، وأن الكلفة ستكون باهظة إن استمرت الضربات، خاصة بعد أن أظهرت صنعاء أنها تملك منظومات متطورة قادرة على تهديد أعظم القطع البحرية الأمريكية.

وفي اعتراف ضمني بقوة صنعاء، قال الموقع: إن “الحوثيين حُفاة لكنهم أذكياء”، وأنهم نجحوا في جعل العالم يبدو مرتبكًا أمامهم، رغم أن الجميع كان يظن أنهم مجرد “جماعة”، مشيرًا إلى أن واشنطن و”تل أبيب” فشلتا في منعهم من تهديد الممرات البحرية، وأن الصواريخ اليمنية تواصل إرعاب السفن رغم عدم إصابتها المباشرة.

البحر الأحمر… ميدان الرد اليمني

لطالما ظن العدو الإسرائيلي أن البحر الأحمر بحيرة مغلقة لصالحه ولحلفائه، فإذا به يتحول إلى ميدان تهديد دائم، تتحرك فيه المسيّرات اليمنية وتترصّد فيه الصواريخ الذكية السفن القادمة من وإلى الكيان. لم يعد هناك ممر آمن، ولم تعد حركة التجارة الصهيونية تمر بسلام. وهكذا، من فوق الجبال إلى مياه باب المندب، يسير الرد اليمني واثقًا، ذكيًا، ليُوجع في العمق.

في البحر والعمق الصهيوني، لا صوت للصهاينة، بل أزيز الطائرات، وانفجارات الصواريخ. وفي معادلات الملاحة، يكفي أن تلوّح اليمن بإصبعها حتى ترتجف شركات الشحن، ويعلو منسوب الخوف في مراكز القرار. إنه اليمن المحاصر في الجغرافيا، والمحرر في الإرادة.

مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية كشفت أن حاملة الطائرات “يو إس إس كارل فينسون” عادت إلى قاعدتها في هاواي بالولايات المتحدة، معبرة عن دهشتها من غياب البحرية الأمريكية عن منطقة البحر الأحمر، التي تُعدّ حالياً منطقة العمليات الأكثر سخونة في المنطقة.

وأشارت “ناشيونال إنترست” إلى أن الولايات المتحدة لم تحتفظ بوجود دائم لحاملات طائراتها في البحر الأحمر منذ مغادرة الحاملة “يو إس إس هاري ترومان” في مايو الماضي، وذلك رغم استمرار العمليات العسكرية اليمنية المكثفة ضد السفن التي تتجه إلى الموانئ الصهيونية.

اليمن… روح الأمة حين تنهض

لقد ظهر اليمن في عين أمريكا كقوة غير تقليدية، قادرة على الإزعاج العسكري والإرباك الاستراتيجي، بوسائل بسيطة لكنها موجعة، ودقيقة. إنه درس في الحرب غير المتكافئة، يُقدّمه الفقراء لأغنى جيوش الأرض.

ما تغيّر في مشهد اليمن ليس السلاح فقط، بل المنهج. اليمن اليوم لا يردّ من موقع الدفاع، بل يضرب من موقع القرار. لم يعد ينتظر حتى يُقصف كي يرد، بل يبادر، يهدد، ويوجه الضربات. وهذا وحده كفيل بأن يُعيد كتابة قواعد الاشتباك في المنطقة.

وفي لحظة تاريخية نادرة، وجد الكيان نفسه محاصرًا من كل الجهات: غزة تقاتل في الميدان، لبنان يلوّح، واليمن يضرب. وكأن خارطة الأرض قد استعادت اتجاهها، فعادت البوصلة إلى حيث يجب أن تكون: نحو القدس، نحو فلسطين.

لا يمكن قراءة الدور العسكري اليمني بمعزل عن مضمونه الأخلاقي. فهنا شعب خرج من تحت الحرب، من بين الجوع والركام، ليقف مع غزة. لم يشفع له أحد، ولم يزوّده أحد، لكنه صنع قراره من عرقه، ووجعه، وإيمانه. فكانت ضرباته أكبر من حجمه، وأصدق من بيانات العواصم.

ما يفعله اليمن اليوم ليس فقط دفاعًا عن غزة، بل استعادة لشرف عربي ضائع، وكسرٌ لاحتكار الردع، وفتحٌ لباب جديد في زمن الاستسلام. وهو في ذلك لا يتفاخر، بل يؤدي واجبه، كما يراه هو: ديني، قومي، إنساني.

زمن اليمن

في البحر الأحمر، وفي عمق النقب، وفي سماء الجزيرة العربية، صار لليمن أثر لا يُمكن تجاهله. إنه البلد الذي أرادوا له أن يُدفن في الحصار، فخرج ليمد يده إلى فلسطين. ضرباته اليوم ليست فقط على السفن أو الموانئ، بل على وهم التفوق الإسرائيلي، وغرور القوة الأمريكية.

ولعل التاريخ سيكتب ذات يوم أن من فجّر المعادلة لم يكن جيشًا تقليديًا، بل شعبًا يعرف معنى القيم، ويؤمن أن ما لا يُؤخذ بالسياسة… يُؤخذ بصاروخ يمني من أعالي جباله.

 

*نقلاً عن موقع أنصار الله

التعليقات مغلقة.