إعدامات تحت جنح الظلام: السعودية تفتك بمعارضيها
صنعاء سيتي | صحافة
مستغِلّةً، على ما يبدو، الانشغال الإقليمي والدولي بتطورات الشرق الأوسط الغارق في الدماء، تنفّذ السلطات السعودية حملة إعدامات شرسة ضدّ معارضيها، طالت ما بين كانون الثاني ومنتصف تموز فقط، 9 من معتقلي الرأي، وكانت جميعها من صنف القتل التعزيري، أي إن الأحكام فيها صادرة وفقاً لتقدير القاضي، لا استناداً إلى عقوبة منصوص عليها في النظام القضائي.
وكان آخر ضحايا تلك الحملة علي العلوي (من بلدة أم الحمام في القطيف) الذي أعلنت وزارة الداخلية، في الرابع عشر من تموز، إعدامه بتهم مكرّرة هي «انضمامه إلى تنظيم إرهابي بهدف زعزعة الأمن والاستقرار، والسفر إلى الخارج للتدريب على صناعة الأسلحة والمتفجرات بنية زعزعة الأمن والاستقرار»؛ وهي التهم نفسها التي سبق أن وجّهتها السلطات إلى معتقلين سابقين أقدمت على إعدامهم، من بينهم مهدي أحمد آل بزرون، الذي أُعدم في الـ7 من تموز على نحو مفاجئ، ومن دون إبلاغ أهله مسبقًا، علمًا أنه لم يكن مدرجاً على قوائم المنظمات الحقوقية ولوائح المعارضة لمعتقلي الرأي المهدَّدين بالإعدام، رغم اتهامه بـ«التستر على مطلوبين والانضمام إلى تنظيم إرهابي وإعداد مخططات إرهابية».
وسبق هذا الأخيرَ إلى لائحة المعدَمين بغتةً، شقيقان من أبناء القطيف، هما حسن محمد آل غيث وعبد الله آل غيث، اللذان أُعدما في الثالث من أيار، وفُجعت بلدة الملاحة بهما. وفي العاشر من الشهر نفسه، أعلنت وزارة الداخلية إعدام المعتقَل عبد الله أبو عبد الله، «شقيق الشهيد علي أبو عبد الله الذي اغتالته القوات السعودية خلال اجتياحها حي المسورة في العوامية عام 2017، وتعرض والده لاعتقال تعسفي منذ آب 2017 وحتى حزيران 2021، كما قتل شقيقه عبد المحسن على يد فرقة الاغتيالات في كانون الثاني 2019، في ما عُرف بمجزرة أم الحمام، حيث داهمت الفرقة السعودية البلدة، واغتالت 6 نشطاء»، وفق ما أفاد به مصدر أهلي «الأخبار».
وفي الـ26 من نيسان الفائت، نُفّذ الحكم بحق رياضي ومتظاهر، كان على لائحة المهدَّدين بالإعدام، وهو ابن العوامية، علي آل ربح، الذي ذكرت «المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان» أنه «لم توجّه إليه تهمة قتل»، مشيرةً إلى أن «السلطات السعودية تستخدم تهم الإرهاب لتجريم أي نشاط سياسي أو تعبير عن الرأي».
ولم ينقضِ شهر شباط الماضي، من دون أن تُسجَّل حالة إعدام في الـ12 منه، استهدفت الشاب علي آل ليف، وهو من أبناء مدينة العوامية، كان قد اعتُقل عام 2017 ووُضع في سجن انفرادي، وحُرم من مختلف حقوق السجين المكفولة في القوانين الدولية. وسبق ذلك تنفيذ الحكم عينه بحق علي آل سليمان في الـ28 كانون الثاني، وقبله بـ10 أيام إعدام عبد الله آل سليم، علمًا أن الأخيرَين لم يكونا من ضمن لوائح المهدَّدين بالإعدام.
ويعرب المدير القانوني لـ«المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان»، المحامي طه الحاجي، في حديث إلى «الأخبار»، عن أسفه لانعدام المعلومات حول الشهيد علي العلوي، وهو ما ينسحب على الشهداء الثمانية الآخرين، قائلاً إن «المعدَمين التسعة هذه السنة كانت قضاياهم مجهولة بسبب انعدام الشفافية وعدم حديث الأهالي عنهم».
ويرى الحاجي أن هذه الإعدامات تثبت أن الصمت لا يجدي نفعاً، بل «يعطي الحكومة أريحية في قتل المعتقَلين بدم بارد»، مقلّلاً من أهمية «الادعاء أن السكوت يفيد المعتقَل، وأن الحكومة يستفزها الحديث العلني عن المحكومين بالإعدام وتعاند وتقتلهم». ويستدلّ على ذلك بأن «القضايا التي تثار وتصبح مشهورة إعلامياً وحقوقياً تزعج الحكومة، وفي كثير من الحالات تدفعها إلى تخفيف الأحكام أو الإفراج عن المعتقَلين في حال كانوا قاصرين»، مضيفاً أن «معتقلي رأي كباراً أثيرت قضاياهم وانشهرت، وألغيت الأحكام بإعدامهم من جراء ذلك، وهو ما ينطبق على قضية محمد الغامدي مثلاً وغيره».
تثير الإعدامات المتلاحقة مخاوف أهالي المهدَّدين بالإعدام، والذين يفوق عددهم 100
وكما هو حال أكثر من 200 معدَم وقتيل صادرت السلطات جثامينهم ومنعت ذويهم من توديعهم، أعادت الكرّة مع المعدَمين التسعة، الذين حُرم أهلهم من إلقاء نظرة وداع عليهم أو مواراتهم الثرى. وفي هذا الإطار، يشير مصدر أهلي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «أهالي الشهداء يُصدمون بإعدام أبنائهم سرّاً وإخبارهم بذلك عبر وسائل الإعلام وبيانات الداخلية، والكثير من الضحايا أُعدموا من دون محاكمات أو وجود اتهامات تستدعي قتلهم أو معاقبتهم بإنهاء حياتهم، كما إن الأهالي يحظر عليهم إقامة مراسيم تشييع لهم أو حتى استقبال المعزين».
ويرى المصدر أن «منع السلطات السعودية العائلات من التشييع يأتي خوفاً من المواكب الكبيرة والخروج في مسيرات عزاء، من شأنها أن تظهر رفض الأهالي لسياسات السلطة»، مذكّراً بأنه «منذ عام 2011، وتحديداً عقب انتفاضة الكرامة الثانية، تتجنّب السلطات تسليم الجثامين كي لا يرى العالم مشاهد التشييع الحاشدة التي غالبًا ما يمكن أن تتحول إلى تظاهرة ضد الظلم والاستبداد والقمع».
كذلك، تثير الإعدامات المتلاحقة مخاوف أهالي المهدَّدين بالإعدام، والذين يفوق عددهم 100، بينهم ما لا يقلّ عن 9 قاصرين، فيما تقول مصادر ومنظمات حقوقية إن أعداد هؤلاء ربّما تتجاوز ما هو معلن بكثير. وفي هذا الإطار، يكشف مصدر آخر، لـ«الأخبار»، أنه قبل نحو أسبوع «نقلت السعودية مجموعة من معتقلي الرأي من سجن مباحث الدمام السياسي إلى سجن الرياض، وهذا النقل يشير إلى أن هناك إعدامات وشيكة»، مضيفةً أن «وتيرة القتل المتواصلة والمتصاعدة، تثير مخاوف عائلات المعتقلين المنتظرين لتنفيذ الجريمة بحقهم». وهنا، يشدد المحامي الحاجي على مسؤولية الأهالي في التحرك والدفاع عن أبنائهم، حاضّاً إياهم على «إيجاد الطريقة لإيصال قضاياهم إلى المنظمات والنشطاء خارج السعودية».
وتعليقاً على آخر حلقات مسلسل الإعدام المتتابع، رأى «لقاء المعارضة في الجزيرة العربية»، في بيان، أن «النظام السعودي اختصر الزمن والشرائع، فلا مهلة زمنيّة تُمنح لمتهم للدفاع عن نفسه وردّ الدعاوى التي يلقيها النظام من دون وجه حقّ، ولا شرائع تكفل لأي متهم حق التقاضي النزيه مع توافر شروط المحاكمة العادلة. كل ذلك بات منبوذًا ولا قيمة له، فالأحكام تصدر من الملك وولي عهده وليس القاضي، وإن كانوا جميعاً شركاء في الإجرام لغياب القضاء المستقل والنزيه».
وربط اللقاء بين «الوتيرة المتسارعة للإعدام السياسي في المملكة»، وبين «مخطط إسكات الرأي العام على نحو استباقي فيما تجري الفصول التمهيدية للتطبيع مع الكيان الصهيوني وصولاً إلى فعل الخيانة الكبرى ضد قضية الأمة»، مذكّراً «الجميع بأن كل مصلحة لكم في بلادنا هي مصبوغة بدمائنا، وكل مال تجنونه من أرضنا يوفر غطاءً للنظام كي يقطع رقاب إخوتنا، وأنّكم تلحقون بشعوبكم ومصداقيتكم عار دعم أنظمة القتل والإجرام». وأطلق ناشطون من القطيف والأحساء والحجاز، بدورهم، أمس، حملة لـ«إظهار حقيقة أن عمليات الإعدام هي سياسية، وتأتي بقرار من الحاكم السياسي القابع في نجد، والذي يمارس القتل والإرهاب ضد المواطنين».
أما منظّمتا «الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان» و«ريبريف»، فنبّهتا إلى أن «أرقام أحكام الإعدام المنفَّذة منذ بداية العام، توضح أن السعودية لا تُنفذ هذه الإعدامات كرد فعل استثنائي، بل في إطار سياسة ممنهجة». ولفتتا إلى أنه «في عام 2024، نفذت السعودية حكم الإعدام بحق ما لا يقل عن 345 شخصاً، وهو أعلى رقم تم تسجيله في تاريخها الحديث»، مضيفتَين أن «هذا الارتفاع المقلق استمرّ في 2025، حيث نُفذ ما لا يقل عن 180 إعداماً في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري وحده، أي أكثر من ضعف العدد المسجَّل في الفترة نفسها من العام الماضي»، وهو رقم ارتفع إلى 200 في تموز.
وتوقعت المنظمتان أن تحطم السعودية رقمها القياسي مجددًا في 2025، موضحتَين أن الإعدامات استهدفت فئات معينة على رأسها الأجانب والفقراء والمتظاهرون والمعارضون السياسيون، في محاكمات تفتقر إلى أبسط معايير العدالة.
*سناء أحمد إبراهيم: الإخبارية اللبنانية
التعليقات مغلقة.