تحدث الناس عن الرائحة التي كانت تفوح من جسده، عن المسك الذي يُشَمّ من مكان صلبه، عن العنكبوت التي كانت تستره، عن الكرامات التي لحقت بمن تطاول عليه، عن الذي رماه فذهبت عيناه، وعن الذي لعنه فهلك في مكانه، كُـلّ ذلك ليثبت أن دماء آل محمد ليست ككل دم، وأن من سار على طريقهم نال شرف الدنيا والآخرة.

وما أعظم هذه الذكرى حين نجعلها جسرًا بين التاريخ والواقع؛ فالإمام زيد عليه السلام لم يخُض معركته لأجل تلك اللحظة فقط، بل ليكون منارةً يهتدي بها الأحرار في كُـلّ زمان.

إن مظلوميته، صموده، صراحته، تضحياته، كلها رسائل ناطقة إلى كُـلّ أُمَّـة تُظلم، وإلى كُـلّ شعب يُستضعف، وإلى كُـلّ من يواجه طاغية في أي عصر.

إننا حين نُحيي ذكرى زيد، لا نحييها بعباراتٍ طقوسية أَو حزنٍ عاطفي، بل نُحييها بفهم، بموقف، بإصرار على حمل الأمانة التي دفع زيد حياته؛ مِن أجلِها. نُحييها بوعي يجعلنا ندرك أن الصراع بين الحق والباطل لا يزال قائمًا، وأن السكوت عنه ليس من الدين، وأن الولاء الحقيقي لأهل البيت هو اتباعهم في نهجهم العملي، في التضحية، في الموقف، في الجهاد، في رفض الظالم، ونصرة المظلوم.

إنها مناسبة لتجديد العهد مع الشهداء، لنتعلّم منهم كيف يكون الإنسان لله، لا للناس، كيف يكون عبدًا للحق، لا تابعًا للباطل، كيف يصنع من موته حياةً، ومن ألمه نورًا، ومن مظلوميته رسالة.

فطوبى لمن سار على درب زيد، وحمل فكره، وصدح بكلمته، وكان زيديًّا لا بالاسم فقط، بل بالفعل، بالصدق، بالعزم، بالثبات.

وسلامٌ على الإمام زيد، في خشبته، وفي غربته، وفي آلامه، وفي دمه الطاهر الذي روى أرض العراق، فأنبت فيها شجرة الوعي، وفتح بها باب الثورة، ومدّ بها جسر العودة إلى الإسلام المحمدي الأصيل.