الإمام الحسين وصرخةُ الضمير الحي.. من كربلاء إلى غزة
صنعاء سيتي| مقالات| شاهر أحمد عمير
كربلاء ستبقى الميزان، وغزة هي الامتحان، والصمت اليوم خيانة كما كان بالأمس، والموقف الحق باقٍ، لا يزول.
في العاشر من محرّم، يُعاد مشهد الألم والدم والتخاذل… يُعاد مشهد كربلاء في كُـلّ زمن، وتتجدد صرخة الإمام الحسين عليه السلام: “هيهات منا الذلة”.
استُشهد سبط النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، الحسين بن علي، مظلومًا، عطشانَ، محاصَرًا مع أهل بيته ورفاقه، لا لذنب اقترفوه، بل لأنهم رفضوا بيعةَ الطاغية يزيد بن معاوية، وثاروا ضد الانحراف والفساد والظلم.
مأساة كربلاء لم تكن مُجَـرّد حادثة تاريخية، بل كانت ثورة خالدةً ضد كُـلّ طغيان، وضد أُمَّـة خانت إرثَ نبيها، فخذلت سبطَه، بل وشاركت في قتله وسَبْي نسائه، وأغلقت في وجهه أبواب النُصرة.
واليوم، تُعيد الأُمَّــة المأساة بوجه آخر… غزة تُذبح كما ذُبح الحسين، ويُحاصر أطفالها كما حوصر أطفال آل بيت النبي، وتُمنَعُ عنهم الماء والغذاء والدواء والكهرباء ويُقتل الآلاف، بتمويل عربي وصمتٍ أشد من السيوف.
لبنان يُقصف، وفلسطين تُجتاح، وشعوبنا بين ساكتٍ أَو مشاركٍ في الجريمة.
لقد دفعت أنظمة عربية وخليجية أكثر من أربعة ونصف تريليون دولار لدونالد ترامب خلال زيارته إلى السعوديّة والإمارات وقطر والبحرين، وكانت هذه الأموال بمثابة تمويل مباشر للحرب على غزة، ولدعم المؤامرات ضد محور المقاومة، وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي وقفت – رغم الحصار والمؤامرات – كالسدِّ المنيع في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني.
لقد ظنوا أنهم باستهداف إيران سيُسقطِون كُـلّ مقاومة، وسينهون القضيةَ الفلسطينية، لكن خاب ظنهم… فكما أفشل الإمامُ الحسين -عليه السلام- مشروع يزيد، أفشل محورُ المقاومة المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، بفضل حكمة قياداته، وصمود شعوبه، ورعاية الله لعباده المؤمنين.
نحن اليوم نجني نتائجَ خيانة الأُمَّــة للإمام علي والحسين -عليهما السلام-، خيانة لم تكن حدثًا عابرًا في التاريخ، بل كانت بدايةَ انحراف عميق في الوعي والموقف والولاء.
الأُمَّــة التي تخلَّت عن آل بيت نبيها، ورضيت أن يُقتَلَ الحسين عطشانَ في كربلاء، وأن تُسبى نساؤه ويُرفع رأسه الشريف على الرماح، هي ذاتها الأُمَّــة التي تفرّط اليوم بفلسطين، وتترك غزة تواجه آلة القتل الصهيونية وحدها، وتسمح بأن تُقصف المساجد والمدارس والمستشفيات والمخيمات، وتُباد عائلات بأكملها، وتُستهدف صالات الأعراس والمناسبات، بل حتى المقابر والجنازات لم تسلم من هذا العدوان المجرم.
هذا ما صنعه السكوت عن الحق، والرضا بالظلم، والتخلي عن خط أهل البيت عليهم السلام، الذي هو خط النبوة، وخط العدل، وخط الكرامة. فحين تخلت الأُمَّــة عن الإمام علي عليه السلام، فتحت الباب للفتن، وحين تخلت عن الحسين، سلّمت زمامَها ليزيد، ومضت في درب التنازلات حتى أوصلت نفسَها إلى أن يُسلَّطَ عليها عدوٌّ لا يعرفُ حَرمة، ولا دين، ولا إنسانية.
لكن الله لا يترُكُ الأُمَّــةَ بلا حجّـة. ففي زمن الهزائم والانبطاح، ينهض من سلالة الحسين حفيده في هذا العصر، السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله-، ليجدِّدَ الصوتَ الصادقَ، والصيحة الثورية، والولاءَ الحقيقيَّ لخط الحسين. هو اليوم صوتُ كربلاء المتجدد، في وجه العواصف والخيانات، يقف مع المظلومين في غزة ولبنان، ويعلن أن فلسطينَ قضيةُ الأُمَّــة، وأن العدوانَ الصهيوني الأمريكي مرفوضٌ بكل أشكاله، وأن المقاومة قدرٌ لا مفر منه.
لقد خُذل الإمامُ الحسين، لكن روحه خُلِّدت، وانتصر دمُه على السيف. وغزة اليوم تُخذَل، ولكنها ستنتصر، وسيسقط الطغاةُ كما سقط يزيد. فالمعركة اليوم ليست جديدة، إنها امتدادٌ لكربلاء… فمن كان مع الحسين فهو مع الحق في كُـلّ زمان، ومن وقف مع يزيد فهو في صَفِّ الباطل وإن لبس عباءةَ الدين.
وكربلاء ستبقى الميزان، وغزة هي الامتحان، والصمت اليوم خيانة كما كان بالأمس، والموقف الحق باقٍ، لا يزول.
التعليقات مغلقة.