تحفّز عراقي واستنفار أميركي: وقف النار لا يُطمئن بغداد

موقع صنعاء سيتي –  متابعات – 1 محرم 1447هـ

 

 

مع دخول وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيّز التنفيذ، إثر وساطة قطرية، بدت الساحة العراقية في حالة ترقّب مشوب بالحذر، بعدما تعرّضت قواعد عسكرية ومعسكرات تؤوي جنوداً أميركيين لهجمات متزامنة بطائرات مسيّرة، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها. ويأتي ذلك فيما تواصل بغداد حراكها الدبلوماسي في محاولة لتجنيب البلاد مزيداً من التورّط في ساحة المواجهة الكبرى.

 

وكشف مصدر في أحد الفصائل المسلّحة العراقية، لـ«الأخبار»، أنّ «الهجمات التي طاولت قواعد التاجي، والإمام علي في ذي قار، وبلد، وعين الأسد، لم تُنفَّذ من قِبل تشكيلات المقاومة العراقية، ولم تصدُر أي تعليمات أو بيانات بشأنها». وأضاف إنّ «الاحتمال الأقرب هو أن تكون إيران قد حرّكت بعض أوراقها الميدانية، من دون أن تُدخل الفصائل رسمياً على خطّ المواجهة المباشرة، وذلك لضبط إيقاع التصعيد وعدم فتح الجبهات كلها دفعة واحدة».

 

لكنّ الصمت الذي اختارته الفصائل حتى الآن، لا يعني بالضرورة حياداً دائماً. فبحسب الخبير الأمني العراقي، العميد داوود القيسي، فإنّ «تكرار الهجمات بطائرات مسيّرة متطوّرة، واستهداف رادارات ومنشآت دقيقة، يشير إلى مستوى جديد من قواعد الاشتباك في العراق». وقال القيسي، لـ«الأخبار»، إنّ «استمرار هذه الضربات قد يدفع أطرافاً داخلية وخارجية إلى الانخراط الفعلي في ساحة المواجهة، ما ينذر بحرب بالوكالة متعدّدة الجبهات».

 

ورأى أنّ «وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لم يُنهِ التوتّر، بل جمّده مؤقّتاً»، مشيراً إلى أنّ «أحد أهداف طهران قد يكون اختبار قدرة واشنطن على حماية قواعدها في العراق والمنطقة، وربما تمرير رسائل مدروسة عبر ساحة رخوة جغرافياً ومعقّدة سياسياً».

علّقت قواعد أميركية عديدة عملياتها الروتينية ورفعت حالة الإنذار إلى الدرجة القصوى

وكان أكّد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أثناء جلسة مجلس الوزراء، أنّ «القوات العراقية أسقطت طائرات مسيّرة كانت تحاول استهداف مواقع عسكرية أخرى». ورحّب بوقف النار بين إيران وإسرائيل، معرباً عن أمله في أن «يكون قوياً ومتماسكاً»، لافتاً إلى أنّ «العراق ينحاز دائماً إلى السلم والاستقرار في المنطقة». وقال إنّ «العراق ثبّت موقفه الواضح في إدانة العدوان الصهيوني على إيران، ونجح في إبعاد الحروب عنه وتجنيب الشعب مآسيها».

 

وتابع إنّ «خرق الأجواء العراقية أمر لا يمكن أن يستمر لدولة ذات سيادة. وباشرت وزارة الدفاع في تعاقدات من أجل تعزيز منظومة الدفاع الجوي». وسبق أن أجرى السوداني اتصالين مع أمير قطر، تميم بن حمد، ورئيس الإمارات، محمد بن زايد، ودعا عبرهما إلى «تغليب لغة الحوار وتجنّب أي خطوات تؤدّي إلى اتّساع دائرة الصراع».

 

ورغم التصريحات الرسمية المطمئنة، فإنّ المشهد الميداني يشي بخلاف ذلك. إذ شهدت بغداد ومحافظات غربية وجنوبية تحليقاً مكثّفاً لطيران الاستطلاع الأميركي، وانتشاراً أمنيّاً غير مسبوق حول المنشآت الحساسة. كما علّقت قواعد أميركية عديدة عملياتها الروتينية ورفعت حالة الإنذار إلى الدرجة القصوى. وبحسب مصادر أمنيّة، تمّ العثور على حطام ثلاث طائرات مسيّرة غير منفجرة في محافظة ميسان قرب الحدود الإيرانية، بينما أصيبت رادارات في قاعدتَي «التاجي» و«الإمام علي» بأضرار بالغة؛ علماً أنّ وزارة الدفاع الأميركية كانت أعلنت أنّ الدفاعات الجوية تصدّت لبعض المسيّرات من دون تسجيل إصابات.

 

وفي خضمّ ذلك، تؤكّد مصادر دبلوماسية، لـ«الأخبار»، أنّ «العراق يقود حراكاً إقليمياً واسعاً لإبقاء حدوده خارج دائرة النار، وأنّ اجتماعاً قريباً سيُعقد في بغداد بمشاركة قيادات أمنيّة وسياسية للاتفاق على آلية تحرّك موحّدة تضمن عدم تحوّل الأراضي العراقية إلى منصة انطلاق أو هدف في الصراع بين طهران وواشنطن». وفيما يبقى مصير الهدنة رهناً بتوازن الردع، يبدو أنّ العراق سيكون أحد الميادين المفتوحة على كل الاحتمالات.

 

وفي هذا السياق، حذّر السياسي العراقي، مفيد السعيدي، في حديث إلى «الأخبار»، من أنّ «الهدنة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي تبدو هشّة وغير مضمونة، وقد تلجأ تل أبيب إلى خرقها في أي لحظة تحت ذرائع أمنيّة أو إستراتيجية». وأضاف: «في حال استؤنفت الضربات الإسرائيلية أو تحرّكت واشنطن لاستهداف مواقع داخل العراق مجدّداً، فقد نجد أنفسنا أمام انهيار كامل لمسار التهدئة، رغم التزام الفصائل المسلّحة حتى الآن بعدم الانخراط في المواجهة المباشرة».

 

وتوقّع السعيدي أن «تعود الولايات المتحدة إلى ضرب أهداف داخل العراق تحت غطاء الردع أو حماية جنودها، حتى من دون وجود دليل على تورّط الفصائل في الهجمات الأخيرة»، محذّراً من أنّ «هذا السيناريو سيعيد العراق إلى دوّامة التصعيد ويقوّض أي محاولة لاحتواء الأزمة إقليمياً».

التعليقات مغلقة.