الاقتصاد تحت النار: نزيف داخلي يتجاوز الضربات العسكرية

 موقع صنعاء سيتي – صحافة

 

 

الحرب ليست فقط ما يُسمع في أصوات الانفجارات، بل ما يحدث في عمق المؤشرات الاقتصادية، حين ترتجف الأسواق، ويُسحب الغطاء المالي، ويُترك الاقتصاد وحيداً في مواجهة نفسه. وهذه المرة، الامتحان الحقيقي يجري في صميم البنية الاقتصادية للكيان الإسرائيلي، الذي أطلق حرباً على إيران يبدو أنّه لم يستعدّ جيّداً لتحمّل تبعاتها.

 

*تكلفة الحرب: نزيف متسارع

بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، قد تصل تكلفة الحرب الجارية مع إيران إلى نحو 28 مليار دولار. ومع تجاوز الإنفاق الدفاعي 1.5 مليار دولار خلال خمسة أيام فقط، وجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة إلى إصدار السندات وطلب التمويل الطارئ في محاولة لكبح النزيف.

تداعيات هذه التكلفة لا تقتصر على المدى القريب، بل تمتد إلى ضغوط متزايدة على الميزانية العامة التي كانت تعاني أساساً عجزاً متكرراً، وسط توقعات بتزايد الدين العام وتراجع احتياطي النقد الأجنبي، ما يضعف قدرة “إسرائيل” على الاستجابة الاقتصادية المستقبلية.

 

*تراجع الأسواق

في الخلفية، تلقّى الاقتصاد الإسرائيلي ضربة قاسية من وكالة “ستاندرد آند بورز” عبر خفض التصنيف الائتماني، وسط توقّعات بعجز مالي يبلغ 9% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بـ3% في 2024، بحسب تقرير وزارة المالية الإسرائيلية الصادر في نيسان/أبريل 2025. ولا بد أن ترتفع هذه النسبة إذا طال أمد هذه الحرب.

ويأتي هذا في وقت كانت فيه حكومة بنيامين نتنياهو تروّج لـ”قوة الاقتصاد الإسرائيلي” كخط الدفاع الأول. لكن الأسواق قالت كلمتها:

انهيار في بورصة تل أبيب، ولا سيما في قطاعات السياحة والبنوك والنقل والتمويل.

انخفاض مؤشر تل أبيب 35 بنسبة 12% خلال الأسبوع الممتد من 10 إلى 17 حزيران/يونيو 2025، مع خسائر في

رأس المال السوقي تجاوزت 5 مليارات دولار.

ارتفاع الفائدة على السندات الحكومية، بعدما تحوّلت المخاطر من افتراضية إلى واقعية.

فقدان الشيكل 3% من قيمته، وتسارع التحويلات نحو العملات الأجنبية والذهب هرباً من المجهول.
وفي تقرير صادر عن معهد الدراسات المالية الدولي في حزيران/يونيو 2025، شرح الخبير المالي مارك شتاين أن انخفاض الشيكل وتوجه المستثمرين إلى الذهب والعملات الأجنبية مؤشر قوي على توقع الأسواق لفترة طويلة من عدم الاستقرار.

 

*السياحة والطيران: شلل تام

انهارت السياحة والطيران بنسبة تفوق 70% بعد تعليق الشركات رحلاتها وإغلاق الأجواء، وتحوّل أكثر من 6 ملايين مستوطن إلى رهائن داخل جغرافيا الكيان. هكذا، أصبح “أكبر اقتصاد ترفيهي في الشرق الأوسط” عاجزاً عن تأمين حرية الحركة لمن بناه.

ووفقاً لتقارير غرفة السياحة الإسرائيلية الصادرة في حزيران/يونيو 2025، فقدت شركات الطيران والسياحة نحو 75% من إيراداتها مع إلغاء أكثر من 80% من الرحلات. وهذه الضربة ليست فقط موقتة، بل تحمل انعكاسات طويلة الأمد على سمعة “إسرائيل” السياحية وقطاع الضيافة الذي يعتمد بشكل كبير على الحركة الدائمة والسياحة الداخلية والخارجية، وسط مخاوف من مغادرة العديد من العاملين لهذا القطاع.

 

*استثمارات مجمّدة وركود تكنولوجي

يشهد الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤاً حاداً في تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتأجيلاً لعدد كبير من المشاريع الناشئة، خاصة في قطاع التكنولوجيا الذي لطالما كان مصدر فخر اقتصادياً. ومع تراجع الثقة، بدأت الشركات تبحث عن ملاذات أكثر استقراراً.

أظهرت بيانات البنك المركزي الإسرائيلي في الربع الثاني من 2025 انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التكنولوجيا بنسبة 40% مقارنة بالربع السابق.

 

*إيران واقتصاد الصمود

على الضفة المقابلة، في إيران، يعيش نحو 90 مليون إنسان تحت حصار وعقوبات قاسية متواصلة منذ 45 عاماً، أسفرت عن:

عزل مالي كامل.

حظر على التحويلات والتطوير الخارجي.

استهداف المصافي والمنشآت الصناعية.

أزمات وقود، وارتفاع أسعار الغذاء، وتباطؤ في الإنتاج.

ومع ذلك، لم ينهَر الاقتصاد الإيراني. لأنه لم يُبنَ على الترف ولا على المساعدات الطارئة، بل على نموذج “ترميمي” يعتمد على القدرات الذاتية. كذلك، لم يسارع الإيرانيون إلى مغادرة بلادهم، بل تمسكوا بأرضهم وهويتهم، في مقابل هوية وهمية للمحتل تُسوّق نفسها للعالم، لكنها تتداعى عند أول اختبار.

وفي تحليل نشرته وكالة أنباء مهر الإيرانية في أيار/مايو 2025، أكدت خبيرة الاقتصاد الإيراني نرجس فاطمي أن النموذج الاقتصادي الإيراني يعتمد على “المرونة الذاتية” التي مكنته من مواجهة العقوبات رغم كل الصعوبات.

 

*نموذجان… وفرق صارخ

إنه صراع بين اقتصاد مدعوم من قوى عالمية كبرى، لكنه يفتقد إلى جذورٍ ثابتة أو هوية حقيقية، واقتصاد محاصر ومُحارب منذ عقود، لكنه متجذّر في أرضه وشعبه. بين واجهة لامعة بالابتكار التقني تحمل هشاشة داخلية، وبين بنية اقتصادية “ترميمية” مشقوقة بالألم لكنها صلبة وثابتة.

النصر في هذا الصراع لا يُقاس بحجم الميزانيات أو فخامة التقنيات، بل بمن يستطيع أن يحافظ على تماسك شعبه وقوته الداخلية في وجه العواصف، ومن يصمد حين تمتد الأزمة ولا تجد النتائج السريعة طريقها. في نهاية المطاف، الصمود الحقيقي هو قوة لا تُقهر.

 

*زياد ناصر الدين: الميادين نت

التعليقات مغلقة.