العالم يَرقب الردّ الإيراني: النووي مقابل النووي؟

 موقع صنعاء سيتي – صحافة

 

 

بعد انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر، إلى جانب العدوان الإسرائيلي على إيران، واستهدافها ثلاث منشآت نووية، هي: «فوردو»، نطنز وأصفهان، بدأ الحديث عن سيناريوات الردّ الإيراني، وفي مقدّمها احتمال إقدام طهران على ضرب مفاعل «ديمونا» النووي الإسرائيلي، الذي لطالما هدّدت به، علماً أن إسرائيل، وخلافاً للجمهورية الإسلامية، ليست من الموقّعين على اتفاقية «الحدّ من انتشار الأسلحة النووية» (NPT).

 

وجاء آخر تهديد في هذا الإطار، على لسان أحد أعضاء «لجنة الأمن القومي» في مجلس الشورى الإيراني، قبل نحو أسبوع، فضلاً عن تصريحات نُسبت إلى مسؤول إيراني رفيع، وصبّت في الاتجاه نفسه، حين قال إنّ «مفاعل ديمونا قد يكون هدفاً مشروعاً إذا انتقلت الحرب إلى أبعاد جديدة»، مؤكّداً أن «الحرس الثوري» الإيراني مطّلع على مخزون إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية، وفقاً لوكالة «صابرين نيوز».

 

*«ديمونا»: المفاعل الإسرائيلي الأشهر

وعلى الرغم من أنّ إسرائيل، التي تتبنّى «سياسة الغموض النووي»، لم تُعلن بشكل رسمي، يوماً، امتلاكها برنامجاً نووياً، سواء أكان عسكرياً أم مدنياً، فإن مفاعل «ديمونا»، الذي كشفت عنه صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية بالاستناد إلى شهادة المهندس الإسرائيلي مردخاي فعنونو، حيث كان يعمل في مركز النقب للأبحاث النووية في الفترة ما بين عامَي 1976 و1985، يُعدّ إحدى أبرز منشآت البرنامج النووي الإسرائيلي، إلى جانب مركز «ناحال سوريك»، الواقع جنوب تل أبيب، وهو أهم مراكز البحوث المتخصّصة بالجانب العسكري لذلك البرنامج، فضلاً عن مستودع «عيلبون»، الواقع بالقرب من الجليل الأدنى، حيث يتم تخزين الأسلحة النووية، إضافة إلى خمسة منشآت أخرى.

 

وبالاستناد إلى شهادة فعنونو، فإنّ المفاعل، المؤلّف حالياً من تسعة مبانٍ، حيث يعمل حوالى ثلاثة آلاف فنّي ومهندس، تمّ بناؤه في الستينيات في صحراء النقب، بمساعدة فرنسية، وينتج سنوياً 40 كيلوغراماً من البلوتونيوم للأغراض العسكرية، أي إنه يعمل بطاقة تصل إلى 150 ميغاواط على الأقلّ، وفق تقديرات بعض الخبراء.

 

ويُعدّ مقرّ المفاعل الرئيسي، المعروف بقبّته الفضية، إلى جانب المبنى الثاني الواقع بمعظمه تحت الأرض بعمق 6 طبقات، والمُصنّف «سرّي للغاية»، لكونه يضمّ منشأة فصل البلوتونيوم، وقسم تصنيع البلوتونيوم اللازم لتصنيع القنابل الذرية، فضلاً عن قسم تصنيع مكوّنات القنبلة المؤلّفة من ديتورايد الليثيوم والبيرليوم، أهم قسمَين فيه، إضافة إلى المبنيَين السابع والتاسع، واللذين يضمّ أحدهما مختبراً لإجراء التجارب الخاصة بعملية التطوير، ونحو 480 وحدة تدير أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، فيما يتولّى الآخر إنتاج معدن اليورانيوم المنضّب المستخدم في صناعة بعض الذخائر بتقنيات الليزر المتطوّرة.

 

*بين قدرات إيران العسكرية و»الحصانة النووية» لإسرائيل

على العموم، تبدو سيناريوات الردّ الإيراني المحتمل منوطة بعاملَين أساسيَّين، أولهما يتعلّق بمدى قدرة منظومة إيران العسكرية من صواريخ ومُسيّرات على إصابة المفاعلات النووية الإسرائيلية، وإلحاق أضرار جسيمة بها؛ وثانيهما يرتبط بمدى نجاعة الدفاعات الجوية لإسرائيل، أو قدرة منشآتها النووية على استيعاب ذلك النوع من الهجمات الإيرانية المركّبة، ولا سيما في ضوء التقارير الغربية التي تتحدّث عن قرب نفاد مخزون الكيان من الصواريخ الاعتراضية.

 

في ما يتصل بالعامل الأول، فإنّ المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية الحالية، وبحسب محلّلين، برهنت على المستوى العالي للتكنولوجيا العسكرية المتوفّرة لدى إيران، بخاصة في مجال الصواريخ الباليستية الدقيقة والثقيلة، والتي استخدمتها خلال الأيام الماضية لاستهداف مراكز استراتيجية في عمق الكيان، شملت مبنى البورصة في تل أبيب، ومعهد «وايزمان» للعلوم والتكنولوجيا في مدينة روحوفوت، إضافة إلى قاعدة الاستخبارات في بئر السبع، والتي تقع على مقربة من مفاعل «ديمونا».

 

«هناك مخاوف تتعلّق بالسلامة المرتبطة بمفاعل ديمونا، خاصة مع حقيقة أن المفاعل متقادم»

ومن بين تلك الصواريخ، صاروخ «خيبر شكن»، البالغ مداه 1450 كيلومتراً، والقابل للتوجيه عبر الأقمار الاصطناعية، وصاروخ «سجّيل» الثقيل الذي يراوِح مداه بين 2000 و2500 كيلومتر، إلى جانب ما يتوافر لديها من إمكانات وقدرات صاروخية دقيقة وفرط صوتية لم تستخدمها بعد، على غرار صاروخ «فتّاح 2»، القادر على المناورة داخل الغلاف الجوي، وبسرعة تصل إلى 13 ماخ.

 

وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «معاريف» العبرية، أخيراً، عن وجود خشية حقيقية لدى دوائر صنع القرار الأمني في تل أبيب، من الترسانة الصاروخية الإيرانية، لافتة إلى أن «أكثر من ألف صاروخ باليستي ثقيل فرط صوتي موجّهة ضدّ منشآت نووية في إسرائيل». وتابعت الصحيفة، نقلاً عن تقديرات استخبارية إسرائيلية، أن تلك الترسانة «لم تكن مبرمجة لإحداثيات مفاعل ديمونا فحسب، بل أيضاً لعدّة منشآت أخرى في وسط إسرائيل، نُقلت إليها خطط استراتيجية حسّاسة».

 

وبالحديث عن العامل الثاني، فقد اتّخذت سلطات الاحتلال سلسلة إجراءات خلال الأعوام الأخيرة لتحصين مفاعل «ديمونا» من الهجمات الصاروخية، مع توالي التهديدات من قبل أطراف في «محور المقاومة» باستهدافه، وهو ما كشفته صور حصل عليها «مركز جيمس مارتن لدراسات حظر الانتشار»، تظهر تحديثات وإنشاءات جديدة في محيط المفاعل. ويندرج ضمن جملة تلك الإجراءات، قرار أصدرته «لجنة الطاقة الذرية» الإسرائيلية، في صيف عام 2018، ويتّصل بتشديد تدابير الحماية في «ديمونا» و»ناحال سوريك»، على خلفية تقديرات بوجود نوايا لدى إيران وجهات أخرى تابعة لها بشنّ هجمات عليهما.

 

وفي معرض تعليقها على الموضوع، لفتت صحيفة «هآرتس» العبرية إلى أن اللجنة المذكورة عكفت، منذ ذلك الوقت، على إجراء «مناورات واسعة النطاق تحاكي إصابة صواريخ لأحد المفاعلَين، وإخلاء موظّفين»، في موازاة اعتماد بروتوكولات حماية إضافية تتعلّق بمنع تسرّب مواد مشعّة، في حال وقوع سيناريو مشابه، مؤكّدة أن تعرُّض المفاعلات النووية الإسرائيلية لهجوم من هذا النوع، سيولّد «ذعراً جماهيرياً» داخل إسرائيل، و»سيشكّل إنجازاً كبيراً على مستوى الوعي» لدى المحور المعادي لها.

 

*مخاطر محتملة على المنطقة أم تهويل متعمّد؟

يشير معلّقون إسرائيليون إلى أنّ «سقوط صاروخ باليستي، من طراز سكود أو غيره، على مسافة 115 قدماً (35 متراً) من مفاعل نووي مثل ديمونا، قد ينجم عنه تسرّب غاز إشعاعي، أو إلحاق الضرر بالنظم الداخلية المسؤولة عن تشغيله وتبريده».

 

وفي هذا الإطار، أعرب المحلّل العسكري الإسرائيلي، يهودا أري غروس، عن خشيته من وقوع ما سمّاه «تشيرنوبل في إسرائيل»، مرجّحاً احتمالية نشوب حالة «هلع نووي» في كيان الاحتلال، في حال استهداف ديمونا، أو أيّ مفاعل إسرائيلي آخر، مشيراً إلى أن «هناك مخاوف تتعلّق بالسلامة المرتبطة بمفاعل ديمونا، خاصة مع حقيقة أن المفاعل متقادم».

 

ولفت غروس إلى أنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وعلى رغم سرّية المسألة، تحاول التغلّب على ذلك التحدّي من خلال «ما تذيعه من بيانات رسمية بين فترة وأخرى، على أمل طمأنة الجمهور الإسرائيلي، حول التحديث والتدعيم المستمر للمنشآت النووية الإسرائيلية، وفقاً لتوجيهات وكالة الطاقة الذرية الإسرائيلية»، مبيّناً أن «مفاعل ديمونا مجهّز بأجهزة الحماية والإنذار من الزلازل».

بدورها، أشارت «وكالة الطاقة الذرية الأميركية»، إلى أن تعرّض مفاعل «ديمونا» لأيّ استهداف، «من شأنه أن ينثر الماء الثقيل داخل المفاعل، ويحدث انفجارات وحرائق تشتمل على مكوّنات وقود نووي، إلى جانب انبعاث مواد إشعاعية، قابلة للتحوّل إلى سحابة طائرة مع الريح بعيداً عن المفاعل»، زاعمة أن «أضرار أيّ حادث أو تسريب أو تفجير في مفاعل ديمونا قد تمتدّ من النقب إلى تل أبيب، وهي منطقة يقطنها نحو 5 ملايين إسرائيلي، وصولاً إلى الضفة الغربية وكذلك مشارف قبرص والأردن».

في المقابل، نفى رئيس «مجلس هيئة الطاقة الذرية الأردنية»، خالد طوقان، تلك المزاعم، مؤكداً أنّ الأردن، في حال ضرب مفاعل «ديمونا»، سيكون من أقلّ الدول تأثّراً بالعواقب، «وذلك بسبب الموقع الجغرافي واتّجاه الرياح»، وهي تقديرات تنطبق على دول أخرى كلبنان.

 

*خضر خروبي: الإخبارية اللبنانية

التعليقات مغلقة.