المواجهة الإسرائيلية الإيرانية تحتدم.. هل اقترب “يوم القيامة”؟

موقع صنعاء سيتي – متابعات – 26 ذو الحجة 1446هـ

 

تشهد المواجهة بين إسرائيل وإيران تصعيداً غير مسبوق مع دخولها مستويات معقدة تهدد بانفجار صراع إقليمي قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة.

 

ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وخبراء امنيون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع “ے”، أن إسرائيل تسعى لجر الولايات المتحدة الأمريكية معها إلى الحرب ضد إيران، في مقابل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على واشنطن، لكن يبقى خيار التدخل العسكري الأمريكي المباشر مرهوناً بحسابات دقيقة، في وقت تحذر فيه موسكو وبكين من عواقب كارثية قد تعصف باستقرار الشرق الأوسط برمته، بل وقد يتوسع إلى حرب عالمية ثالثة.

 

*إسرائيل ترى في النفوذ الإيراني خطراً استراتيجياً يطوّقها

يقول الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض إلى أن إسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة والغرب الاستعماري، مصممة على تجريد إيران من قوتها النووية والصاروخية وإنهاء نفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط.

ويوضح عوض أن المشروع الإسرائيلي والغربي المشترك يقوم على رؤية استراتيجية تعتبر إيران تهديداً شاملاً ليس فقط لإسرائيل، بل أيضاً لمصالح الغرب في المنطقة، بما يشمل منابع النفط، والقواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة، والممرات المائية الحيوية للتجارة العالمية.

ويلفت عوض إلى أن إسرائيل ترى في النفوذ الإيراني المتنامي خطراً استراتيجياً يطوّقها من جميع الجهات ك”حزام النار”، الذي شكلته أذرع إيران في المنطقة، وهذا ما يدفع تل أبيب إلى العمل على إزالة هذا الحزام وتدمير القدرات التي تمثل خطراً عليها مستقبلاً.

ويشير عوض إلى أن إسرائيل في الوقت الراهن تواصل ضرب البرنامج النووي الإيراني والبنية التحتية للصواريخ الباليستية، التي تعتمد عليها طهران في فرض توازن الردع أمام القوى الكبرى.

ويؤكد عوض أن تل أبيب تحاول أيضاً إسقاط النظام الإيراني ذاته، مستفيدة من الدعم الأمريكي والغربي الواسع، سواء عبر إمدادات السلاح، أو الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي توفره هذه الدول لها في المحافل الدولية.

ويعتبر عوض أن فشل المحادثات النووية في جنيف بين طهران والترويكا الأوروبية شكّل دليلاً إضافياً على أن الغرب لا يسعى إلى تسوية سياسية بقدر ما يسعى إلى تصعيد الضغوط على إيران من أجل إضعافها بالكامل.

 

*دخول أمريكا الحرب محكوم بحسابات داخلية وخارجية معقدة

لكن رغم هذا الدعم الغربي المكثف، يشير عوض إلى أن إسرائيل بدأت تدرك مؤخراً صعوبة تحقيق أهدافها المعلنة بالكامل، سواء بتدمير البرنامج النووي أو القدرات الصاروخية الإيرانية أو إسقاط النظام، وهو ما يدفعها اليوم إلى محاولة “جرّ الولايات المتحدة من أنفها” إلى عمق المواجهة العسكرية، خاصة إذا ما تعرضت لهجمات إيرانية قوية تهدد وجودها بشكل مباشر.

ويحذر عوض من أن دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في المواجهة لا يزال محكوماً بحسابات معقدة داخلية وخارجية في واشنطن، لكن عوض لا يستبعد أن تقع واشنطن في هذا الفخ في حال شعرت أن أمن إسرائيل بات مهدداً جدياً.

ويؤكد عوض أن التصعيد الميداني هو الذي سيحدد شكل المرحلة المقبلة: فإذا نجحت إسرائيل في إضعاف إيران بشكل كبير فقد تقبل بوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، أما إذا صمدت طهران واستمرت في مواجهة الضربات فإن سيناريو استمرار الحرب سيفتح أبواباً خطيرة.

ويشير عوض إلى أن هذا التصعيد قد يقود إما إلى اندلاع حرب إقليمية موسعة تشمل معظم دول الشرق الأوسط، أو حتى إلى حرب عالمية ثالثة شاملة في حال تدخلت أطراف كبرى كالصين وروسيا بشكل مباشر، خاصة وأن انهيار النظام الإيراني سيضر بمصالح بكين وموسكو بصورة عميقة.

فزوال النظام الإيراني، وفق عوض، يعني تعطيل مشروع “طريق الحرير” الصيني وحرمان الصين من واردات الطاقة الحيوية من إيران، كما يمثل خسارة كبيرة لروسيا التي تعتمد على التحالف مع طهران في موازنة الهيمنة الأمريكية.

ويؤكد عوض أن السيناريوهات المحتملة مفتوحة على احتمالات خطيرة جداً: فإما حرب إقليمية مدمرة، أو حرب عالمية أوسع، أو ربما تسوية مذلة تُفرض على إيران إذا تعرضت لضربات ساحقة، تجبرها على التضحية بمشروعها النووي والصاروخي مقابل الحفاظ على النظام السياسي القائم في طهران.

 

*إسرائيل تعيش مأزقاً خطيراً

من جانبه، يقول الخبير العسكري والأمني والاستراتيجي اللواء الركن المتقاعد واصف عريقات أن إسرائيل تعيش مأزقاً خطيراً بعد دخول العدوان على إيران أسبوعه الثاني، حيث تحولت الأهداف المعلنة للعملية العسكرية من إزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني إلى أهداف أقل طموحاً، في ظل صمود إيران وردها السريع الذي أربك صناع القرار في تل أبيب وواشنطن على حد سواء.

ويوضح عريقات أن إسرائيل، مدفوعة بتحالف وثيق مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، شنت هجومها على إيران عبر خطة تضليلية استندت إلى عنصر المباغتة والصدمة والرعب، وقد استهلت عملياتها باغتيالات طالت علماء وقادة عسكريين إيرانيين، وتدمير جزئي لبعض المنشآت النووية، مما أوحى لإسرائيل بأنها اقتربت من تحقيق أهدافها في وقت قياسي.

هذا النجاح الظاهري وفق عريقات، دفع نتنياهو لاحقاً لإضافة هدف أكثر جرأة وهو إسقاط النظام الإيراني من خلال شبكة عملاء واسعة للموساد داخل الأراضي الإيرانية.

ووفق عريقات، لكن سرعان ما تبدلت المعادلة بعد أقل من 18 ساعة على الضربة الأولى، عندما ردت إيران بقصف صاروخي مكثف استهدف العمق الإسرائيلي في أكثر من 18 جولة ألحقت خسائر مباشرة بإسرائيل، حيث أن هذا الرد العنيف حوّل التحمس الإسرائيلي إلى حالة من القلق والرعب، إذ بات الإسرائيليون يشهدون للمرة الأولى حرباً تصل إلى عمق مدنهم وتشل حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.

وبحسب اللواء عريقات، اضطر مجلس الحرب الإسرائيلي لإعادة صياغة أهداف العدوان، فبعد أن كانت إزالة المشروعين النووي والصاروخي بشكل كامل، أصبحت الأهداف تقتصر على “إلحاق ضرر جسيم” بهذه البرامج و”إضعاف المحور الشيعي” في المنطقة، مع التحضير لاحقاً لمعالجة الملفات العالقة عبر وسائل سياسية ودبلوماسية.

 

*فشل الرهان الإسرائيلي على حدوث انقلاب في طهران

ويرى عريقات أن هذا التغيير في الخطط يعكس وصول صناع القرار الإسرائيلي إلى قناعة جديدة بقوة الردع الإيرانية غير المتوقعة، وفشل رهانهم على حدوث انقلاب داخلي في طهران.

ويشير عريقات إلى أن إدارة ترمب وجدت نفسها في حرج داخلي مع تصاعد المطالب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بعدم التورط المباشر في حرب جديدة، وهو ما ترافق مع نصائح روسية واضحة للرئيس الأمريكي تحذره من الانجرار لمواجهة قد تتطور إلى نزاع نووي إقليمي.

هذا الضغط بحسب عريقات، دفع ترمب للتراجع عن تهديداته بإعطاء إيران مهلة أسبوعين لحسم الموقف، معلناً لاحقاً أن القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني “قد لا يكون ضرورياً”، في إشارة واضحة إلى إدراك الإدارة الأمريكية لصعوبة تحقيق الحسم العسكري المباشر.

ووفق عريقات، فقد انتقلت إيران من مرحلة “التعافي من الصدمة” إلى مرحلة “التصدي الفعّال”، والآن إلى مرحلة “الاستنزاف” التي تعتبر الأكثر خطورة على إسرائيل والتي تخشاها بشدة لعجزها عن تحملها لفترات طويلة في ظل محدودية قدراتها البشرية والاقتصادية، حيث يقارن بين 92 مليون إيراني مقابل 9 ملايين إسرائيلي، ومساحة إيران التي تفوق مساحة إسرائيل 75 ضعفاً.

 

*6 سيناريوهات متوقعة لمسار الأزمة المتصاعدة

ويطرح اللواء عريقات ستة سيناريوهات متوقعة لمسار الأزمة المتصاعدة: الأول، استمرار العدوان الإسرائيلي بنمطه الحالي من خلال تكثيف الغارات والقصف لبلوغ الحد الأقصى من التحمل على أمل جر الولايات المتحدة للدخول المباشر في الحرب.

اما السيناريو الثاني، وفق عريقات، تكثيف الحرب الناعمة عبر الاغتيالات، الهجمات السيبرانية، واستهداف قيادات سياسية وعسكرية كبرى، مع محاولة دفع الداخل الإيراني نحو الانقلاب.

ويشير عريقات إلى السيناريو الثالث وهو توسيع الدعم الأمريكي عبر دخول واشنطن بدعم أكبر، مع تحريك جبهات إسناد إيران كحزب الله في لبنان، والمقاومة العراقية، والحوثيين في اليمن.

والسيناريو الرابع وفق عريقات، وهو توسيع العدوان بدعم أمريكي أوروبي، ما قد يجر دولاً إقليمية للمشاركة العسكرية، مفاقماً من اتساع رقعة الصراع.

ويتطرق عريقات إلى السيناريو الخامس، وهو تدحرج الأزمة نحو فقدان السيطرة والانزلاق نحو مواجهة عالمية مفتوحة يصعب التحكم بمسارها.

بينما السيناريو السادس فهو بحسب عريقات، تدخل دولي أوسع، حيث أنه في حال اقتناع الأطراف بعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة، مما يدفعهم للقبول بوقف إطلاق نار وفتح باب المفاوضات لتثبيت هدنة قد تفضي لاحقاً لاتفاقيات سلام شاملة.

ويؤكد عريقات أن إسرائيل اليوم أمام اختبار استراتيجي هو الأخطر في تاريخها، وقد تجد نفسها أمام معادلات لم تخطط لها، خاصة مع تعقيدات المشهد الدولي، وحجم التعاطف الدولي المتزايد مع الموقف الإيراني بعد الضربة الاستباقية الإسرائيلية، ما يضع المنطقة بأسرها على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة.

 

*مناورة وخداع أمريكيان في التعامل مع طهران

بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية د. أمجد بشكار أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ بداية التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران على أسلوب المراوغة والخداع في تعاملها مع طهران، حيث قامت واشنطن بالسماح بضربة إسرائيلية استباقية، وما زالت واشنطن تستخدم هذا الأسلوب ولكن بتكتيكات وإجراءات مختلفة في المرحلة الحالية.

وفيما يخص احتمال استهداف منشأة “فوردو” النووية الإيرانية، يشير بشكار إلى أن إسرائيل لا تمتلك القدرة العسكرية على تدمير هذه المنشآت النووية بشكل منفرد، حيث أن تل أبيب كانت تراهن منذ بداية الحرب على أن الولايات المتحدة ستدخل إلى جانبها في حال تطورت المواجهة.

ويوضح بشكار أن إسرائيل اصطدمت بواقع ميداني مختلف تماماً، حيث تمكنت طهران سريعاً من إعادة ملء فراغ القيادة العسكرية الذي خلفته عمليات الاغتيال، واستعادة زمام المبادرة خلال أقل من 24 ساعة بعد الضربة الأولى.

ويشير بشكار إلى أن تقييمات في البنتاغون أكدت أن تدمير منشأة “فوردو” قد يتطلب استخدام تكتيك نووي محدود، وهو خيار يثير الكثير من التساؤلات بشأن تداعياته الخطيرة.

 

*إيران تملك خيارات استراتيجية واسعة

ويلفت بشكار إلى أن إيران تملك خيارات استراتيجية واسعة جداً لم تستخدم منها حتى الآن سوى 20% فقط، مشدداً على أن استهداف القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة سيكون أسهل لإيران من استهداف إسرائيل بشكل مباشر، مع إمكانية توسيع دائرة العمليات لتشمل مضيق هرمز وباب المندب، كما أن أذرع إيران في المنطقة لم تدخل بعد بشكل مباشر في المعركة، لكن من المرجح أن تكون هذه الأذرع جاهزة للتدخل العنيف في حال انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، ما سيؤدي إلى اتساع رقعة المواجهة.

من جانب آخر، يشير بشكار إلى تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من اندلاع حرب عالمية ثالثة، حيث يلاحظ بشكار تحوّلاً واضحاً في لهجة الصين وباكستان وروسيا وكوريا الشمالية التي انتقلت من الدعوة لوقف التصعيد إلى دعم متزايد لإيران عسكرياً ولوجستياً.

ويعتبر بشكار أن توسيع الحرب قد يدفع هذه القوى الكبرى إلى تدخل أعمق دفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

ويؤكد بشكار أن نجاح إسرائيل في هذه المواجهة سيمنحها موقع الزعامة والتسيد في الشرق الأوسط بشكل كامل، إضافة إلى فتح الباب أمام مخططات خطيرة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين سواء من غزة أو الضفة الغربية.

 

*التدخل البري الأمريكي في إيران سيفشل

ويحذّر بشكار من أن أي تدخل بري أمريكي مباشر في إيران سيكون محفوفاً بالفشل، مستشهداً بتجارب واشنطن السابقة في الحروب البرية التي انتهت بخسائر كبيرة، موضحاً أن إيران تمتلك عوامل قوة متعددة، أبرزها المساحة الجغرافية الشاسعة التي تعادل مساحة بلاد الشام وتركيا والعراق مجتمعة (ما يقارب 1.65 مليون كيلومتر مربع)، إلى جانب الأيديولوجيا الصلبة للشعب الإيراني وعدم وجود معارضة منظمة قابلة للاستثمار من قبل الغرب.

ويؤكد بشكار أن الضغط العسكري الأمريكي قد يفتح باباً للعودة إلى المسار الدبلوماسي، لكنه لن يفرض تنازلات جوهرية من الجانب الإيراني.

ويشير بشكار إلى أن إسرائيل باتت اليوم تحت ضغط استنزاف خطير على المستويين العسكري والاقتصادي، إذ سجلت حتى الآن عجزاً مالياً يتجاوز 35 مليار شيكل، مع معاناة واضحة في منظومة القبة الحديدية التي أوشكت صواريخها على النفاد مع استمرار التصعيد، ما يجعل استمرار الحرب مكلفاً ومتسعاً مع مرور الوقت.

 

*”فوردو” النووية محصنة بشكل بالغ التعقيد والعمق

من جهته، يوضح الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع نزار نزال أن منشأة “فوردو” النووية الإيرانية محصنة بشكل بالغ التعقيد والعمق، بحيث لا يمكن تدميرها بأي وسيلة من وسائل الهجوم الجوي التقليدية.

ويشير نزال إلى أن هذا التحصين الهائل يجعل من المستحيل عملياً على إسرائيل أن تتمكن من استهداف المنشأة أو إلحاق ضرر بها عبر سلاح الجو وحده، حيث يتطلب تدميرها تدخلاً ميدانياً مباشراً على الأرض، وهو أمر غير ممكن في ظل الظروف العسكرية والسياسية الراهنة.

ويلفت نزال إلى أن الولايات المتحدة نفسها تشكك في قدرة قاذفاتها الاستراتيجية من طراز B-2 على تنفيذ المهمة بنجاح، ما يفتح باب التساؤل حول احتمالية لجوء واشنطن إلى خيار أخطر يتمثل باستخدام أسلحة نووية تكتيكية لاختراق وتدمير المنشأة شديدة التحصين، وهو ما يفسر التحذيرات الروسية الأخيرة.

وبحسب نزال، فإن تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تأتي من فراغ، بل تعكس قلق موسكو من أن أي محاولة أمريكية-إسرائيلية لتدمير منشأة “فوردو” باستخدام سلاح نووي تكتيكي قد تقود إلى حرب واسعة النطاق.

ورغم أن نزال لا يرى أن العالم يقف على أعتاب حرب عالمية ثالثة بالمعنى التقليدي، إلا أنه يرى أن هذا التصعيد قد يتحول إلى حرب إقليمية متدحرجة قد تتداخل فيها قوى دولية متعددة.

وفي قراءته لمسار الأحداث المحتمل، يرى نزال أن الولايات المتحدة تتجه للدخول المباشر في الصراع، وهو ما سيؤدي بدوره إلى دفع أطراف أخرى للدخول إلى ساحة المواجهة، في ظل توقعه بأن ترفع إيران سقف التصعيد بإغلاق مضيق هرمز الحيوي، وتفعيل حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم الفصائل العراقية وحزب الله اللبناني.

 

*دخول باكستان على خط المواجهة

ويشير نزال إلى احتمال دخول باكستان على خط المواجهة، وهو ما سيجعل الصين معنية بشكل مباشر أيضاً بالمواجهة، نظراً لارتباط مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية العميقة مع إيران، خاصة في إطار مشروع “طريق الحرير”.

ويؤكد نزال أن إسرائيل تجد نفسها حالياً في مأزق استنزاف متواصل بين فعل ورد فعل، مع ما يرافق ذلك من شلل اقتصادي داخلي وضغوط متزايدة على المجتمع الإسرائيلي الذي لم يعد يحتمل استمرار هذه الحالة.

ووفق نزال، فإن إسرائيل تقف اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التصعيد للإطاحة بالنظام الإيراني عبر عملية عسكرية واسعة النطاق قد تجر المنطقة كلها إلى حرب شاملة دون تحقيق الهدف، وإما البحث عن تبريد للصراع وهو ما يراه احتمالاً مستبعداً جداً في المرحلة الحالية.

ويرى نزال أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة شديدة التعقيد، مملوءة بالدخان والنار، في ظل غياب أي مؤشرات فعلية على قرب احتواء هذه الأزمة، مما ينذر بتوسيع رقعة الصراع الإقليمي الذي سيترك تأثيراته العميقة على مستقبل الشرق الأوسط برمته.

 

*إسرائيل لا تقدر على مهاجمة مفاعل “فوردو”

الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح يقول إن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ هجوم عسكري مباشر يستهدف مفاعل “فوردو” النووي الإيراني، وذلك لأنها تفتقر إلى القنابل الخاصة القادرة على اختراق الطبقات الأرضية العميقة، كما تفتقر إلى الطائرات القادرة على حمل هذا النوع من القنابل، وهي الأسلحة المتوفرة حصراً لدى الولايات المتحدة الأمريكية.

وبناء على ذلك، يشير صلاح إلى أن من سيقدم على هذه الضربة هي واشنطن نفسها، وقد تم اتخاذ القرار بالفعل بتوجيه الضربة خلال الفترة القريبة القادمة.

ويبيّن صلاح أن السيناريو المتوقع يتمثل في قيام الولايات المتحدة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات لتدمير الطبقات العليا من المنشأة، ثم استخدام قنابل نووية تكتيكية لتدمير المفاعل بشكل نهائي.

ويؤكد صلاح أن هذا العمل يشكل اعتداءً سافراً على سيادة دولة مستقلة ويمثل جريمة حرب مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي معرض تحليله لأبعاد المشهد، يشير صلاح إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كانت شريكاً أساسياً في التحضير لهذه الحرب من خلال التلاعب بالمفاوضات مع إيران لمدة شهرين، قبل أن تنقلب على طهران وتمنح إسرائيل الضوء الأخضر لشن الهجوم المباغت، في إطار خطة شاملة كانت تهدف لإشعال اضطرابات داخلية في إيران، عبر تحريك عملاء سريين واستخدام طائرات مسيّرة وعمليات اغتيال بحق العلماء الإيرانيين، في محاولة لإسقاط النظام من الداخل على غرار ما جرى في سوريا، لكن فشلت هذه المحاولة في اختراق بنية النظام الإيراني الصلبة.

 

*تنسيق العمل مع بعض الأطراف الإقليمية

ويرى صلاح أن المهلة التي حددها ترمب لإيران لمدة أسبوعين ما هي إلا مناورة إضافية تمنح الوقت الكافي لإسرائيل والولايات المتحدة من أجل استكمال الاستعدادات العسكرية واللوجستية والاستخبارية للهجوم الشامل، إلى جانب تنسيق العمل مع بعض الأطراف الإقليمية وتحضير ضربات متزامنة في كل من إيران ولبنان واليمن والعراق لضمان شل قدرات الرد الإيرانية والمفاجأة الكاملة.

ورغم تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حرب عالمية ثالثة، يقلل صلاح من قدرة موسكو على ردع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن روسيا اليوم منهكة عسكرياً واقتصادياً بفعل حرب الاستنزاف في أوكرانيا وخسارتها للنفوذ في سوريا، وبالتالي فإن تصريحات بوتين لا تتجاوز البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية بعيدة عن منطق التصعيد لحرب عالمية.

وبشأن السيناريوهات المحتملة، يرى صلاح أن العودة إلى المفاوضات غير واردة بعد خديعة واشنطن لطهران، أما خيار التهدئة المؤقتة عبر وقف إطلاق النار فهو غير مقبول من قبل الإيرانيين الذين يدركون أن أي تهدئة ستُستغل في التحضير لجولة حرب جديدة.

ويستبعد صلاح إمكانية حدوث انقلاب داخلي ناجح في إيران بعدما كشفت طهران هذه المحاولات وأفشلتها مبكراً.

 

*توجيه ضربة عسكرية أمريكية مباشرة

وبحسب صلاح، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو توجيه ضربة عسكرية أمريكية مباشرة تستهدف مفاعل “فوردو” تحديداً، بدعم كامل من إسرائيل.

وتهدف هذه الضربة، وفق تقدير صلاح، ليس فقط إلى القضاء على البرنامج النووي الإيراني، بل أيضاً إلى إنهاء تهديد الصواريخ الإيرانية التي طالت العمق الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، حيث انتقلت المعركة إلى داخل إسرائيل لأول مرة في تاريخه، وتعرضت مدنها ومواقعها العسكرية للتدمير المباشر.

ويشدد صلاح على أن هذه الحرب أدت إلى تراجع قوة الردع الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، وأظهرت للعالم أن إسرائيل باتت منكشفة أمام الصواريخ الإيرانية، بل وأثبتت أن ضرب إسرائيل وهزيمتها بات أمراً ممكناً، بعدما كانت لعقود تخوض حروبها في أراضي خصومها بعيداً عن جبهتها الداخلية.

ويشير صلاح إلى أن هذه الحرب أسقطت الأمن القومي الإسرائيلي في العمق، وأثبتت أن القضاء التام على المشروع النووي الإيراني غير ممكن حتى مع استخدام القوة العسكرية الهائلة، كما كشفت هشاشة إسرائيل أمام الحلفاء الإقليميين لإيران، وأكدت أن الدعم الإيراني لحلفائه في فلسطين ولبنان واليمن والعراق سيبقى عنصراً أساسياً في معادلات القوة المقبلة بالمنطقة.

 

*إسرائيل أمام سيناريوهات شديدة التعقيد

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي أن إسرائيل أمام سيناريوهات شديدة التعقيد تتعلق بخياراتها العسكرية لتدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية المحصنة في أعماق جبال إيران، والتي تشكل عقدة عملياتية يصعب اختراقها بالوسائل التقليدية.

ويشير ياغي إلى أن إسرائيل تضع عدة سيناريوهات محتملة لتنفيذ هجومها، السيناريو الأول يعتمد على إمكانية استخدام القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات من طراز GBU-57 والتي لا يمكن حملها إلا بواسطة قاذفات الشبح الاستراتيجية الأمريكية B-2 غير المتوفرة في سلاح الجو الإسرائيلي، بل إن تسليم هذه الطائرات والقنابل لإسرائيل يتطلب شهوراً من التدريب والتأهيل للطيارين الإسرائيليين، وهو ما يجعل هذا السيناريو عملياً شبه مستحيل في المدى القريب.

أما السيناريو الثاني، الأكثر خطورة، وفق ياغي، فيتمثل في لجوء إسرائيل إلى ضربة نووية تكتيكية ضد فوردو، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام صراع نووي في الشرق الأوسط، إذ قد ترد إيران على إسرائيل بأسلوب مشابه وتعلن نفسها قوة نووية رسمية، مما ينذر بانفجار الصراع إلى مستوى كارثي.

ويؤكد ياغي أن الأمريكيين يدرسون أيضاً سيناريو تنفيذ ضربات متتالية عبر طائرات B-2 لإحداث اختراق تدريجي في الطبقات الصخرية التي تحمي فوردو، لكن هذا التكتيك يحمل مخاطر إشعاعية هائلة نتيجة احتمالية تسرب مواد نووية مخصبة بنسبة 60% إلى الهواء والمياه، مهدداً بتلوث الخليج العربي والمحيط الهندي برمته، وهو ما يفسر تردد واشنطن في المضي قدماً بهذا الخيار.

 

*صراعات داخلية في الولايات المتحدة

إضافة إلى ذلك، يلفت ياغي إلى تشكل الصراعات الداخلية في الولايات المتحدة حول الدعم المباشر لإسرائيل عاملاً معرقلاً، إذ يخوض البيت الأبيض صراعاً سياسياً بين دعاة الدعم الكامل وبين المحذرين من تبعات التدخل على المصالح الأمريكية عالمياً.

ويلفت ياغي إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر صراحة من أن مثل هذه الخيارات النووية الصفرية قد تفتح الباب أمام حرب عالمية ثالثة، كما رفض بوتين بشكل قاطع طرح موضوع اغتيال القيادة الإيرانية كخامنئي، معتبراً أن الانزلاق إلى سيناريوهات مثل تلك سيدفع الجميع نحو الهاوية.

أما بالنسبة للرئيس الأمريكي ترمب، فيرى ياغي أنه لا يزال مقتنعاً بإمكانية التدخل لإنقاذ إسرائيل عبر ضرب فوردو، لكنه يجهل عمق التداعيات الجيوسياسية لهذا التدخل، الذي قد يؤدي إلى تغيّر التحالفات الإقليمية والدولية، وتبتعد بعض حلفاء واشنطن عن دعمها نتيجة تضرر مصالحهم الاستراتيجية من سياسة المغامرة العسكرية.

في حال بقيت إسرائيل وحدها في المعركة، يتوقع ياغي أن تطول الحرب بشكل مرهق لتل أبيب، نظراً للفوارق الشاسعة في القدرات البشرية والجغرافية بين الطرفين، حيث يبلغ عدد سكان إيران 92 مليون نسمة مقابل 9 ملايين في إسرائيل، ومساحتها تزيد بـ75 ضعفاً، وستحاول إسرائيل في هذه الحالة البحث عن وقف لإطلاق النار من طرف واحد بعد إنهاك قواتها، لكن يبقى السؤال من سيطلق “الرصاصة الأخيرة” في هذا السيناريو؟ وهنا يرى ياغي أن إيران هي من ستملك هذه الورقة، ما يثير قلقاً كبيراً في إسرائيل.

 

*السيناريو الأكثر خطورة

أما السيناريو الأكثر خطورة والذي سيفجر المنطقة، وفق ياغي، فيتمثل في تدخل عسكري أمريكي مباشر إلى جانب إسرائيل، مما سيؤدي إلى استهداف إيران للقواعد الأمريكية في المحيط الهندي وبحر العرب والعراق وسوريا، مع محاولة تجنب استهداف قواعد أمريكية داخل دول الخليج لتفادي توسيع الجبهة بشكل مبكر، وفي حال تصاعدت المواجهة أكثر، ستلجأ إيران إلى إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، وتهدد بتدمير البنية التحتية النفطية في المنطقة، ما يشكل خطراً استراتيجياً غير مسبوق، بل هناك كما يبدو قرار لدى إيران وحلفاءها، إذا ما تم استهداف مفاعل فوردو سيتم استهداف مفاعل ديمونا، وسيتم منع خروج النفط من المنطقة لمدة ثلاثة ايام كبداية.

ويؤكد ياغي أن الولايات المتحدة تعمل إلى ترتيب تحالف دولي موسع يضم دولاً مثل كندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، مع محاولات ضم فرنسا الرافضة والمترددة، في المقابل، ستجد روسيا والصين نفسيهما مضطرتين لدعم إيران بشكل غير معلن، باعتبار طهران تشكل حليفاً استراتيجياً لهما ضد الهيمنة الغربية، وهو ما أشار إليه بوتين بوضوح حين قال: “نحن وإيران نحارب نفس الأعداء”.

 

*إمكانية الوصول إلى اتفاق دولي

وفي المقابل، يوضح ياغي أن هناك سيناريو آخر يتمثل في إمكانية الوصول إلى اتفاق دولي، لكنه حتى الآن يصطدم بتعنت إسرائيلي-أمريكي يصر على شروط استسلام إيرانية، في وقت تؤكد فيه طهران أنها لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها بنسبة 3.67%، مع رفض كامل لمناقشة قدراتها الصاروخية والاستراتيجية.

وبحسب ياغي، هناك سيناريو ممكن وواقعي، ويتمثل في إعلان أمريكي-إسرائيلي وقف الأعمال العدائية من جانب واحد بعد استنفاد الضربات، لكن ياغي يؤكد أن إيران سترفض مثل هذا الوضع الذي يكرس مبدأ “حق حرية الحركة الدائمة” من جانب إسرائيل والولايات المتحدة لتوجه ضرباتها متى شاءت، مما سيبقي حالة الحرب المتقطعة مستمرة.

ويرى ياغي أن المشهد ينزلق نحو مزيد من التصعيد، في ظل غياب أي حلول وسط بين الطرفين، مشيراً إلى أن إسرائيل، وبدعم أمريكي كامل، ترى في هذا التصعيد فرصة ذهبية لتحقيق سيطرة إقليمية شاملة، وهو ما عبر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي بقوله: “نحن لا ننتظر الخطر بل نذهب للقضاء عليه”.

التعليقات مغلقة.