الهروب للميسورين والمترو للمعوزين: جبهة إسرائيل الداخلية تنزف

موقع صنعاء سيتي – صحافة

 

 

تحوّلت محطّات المترو في إسرائيل إلى أماكن إقامة للمستوطنين الفارّين من الصواريخ الإيرانية، وذلك في ظلّ تزايد الشكاوى من قلّة الملاجئ المحصّنة، خصوصاً بعد حادثة بيتح تكفا التي قُتل فيها خمسة مستوطنين داخل أحد هذه الملاجئ.

ويبدو أن المستوطنين الذين لجأوا إلى تلك المحطّات، هم الذين لم يتمكّنوا من النزوح إلى الجنوب أو الشمال، أو الهروب إلى خارج إسرائيل، في وقت يتضاعف فيه حجم الأضرار الناتجة من سقوط الصواريخ على المباني، والتي ناهزت تكلفتها أكثر من مليارَي شيكل.

ويبدو أن تداعيات الحرب بدأت ترخي بثقلها على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بعدما تحدّثت «مؤسسة التأمين الوطني» عن «إجلاء 5000 إسرائيلي من منازلهم بعد تضرّرها بفعل القصف الصاروخي الإيراني»، فيما ارتفع عدد الشكاوى التي قُدّمت لصندوق التعويضات، إلى نحو 23 ألفاً، وهي مرشّحة للارتفاع في ظلّ استمرار الضربات الصاروخية.

ويعيش المستوطنون حالة هلع متزايدة، نظراً إلى استمرار حالة التأهب، وإطلاق صافرات الإنذار للتحذير من الصواريخ الإيرانية؛ إذ ذكرت مصادر عبرية أن آلاف المستوطنين تصلهم بشكل دائم مكالمات هاتفية ورسائل نصية تطالبهم بالتوجّه إلى الملاجئ، في ظلّ استمرار الدفعات الصاروخية التي تطلقها إيران في اتجاه المدن الإسرائيلية، وهو ما دفع «الجبهة الداخلية» التابعة لجيش الاحتلال إلى مخاطبة الإسرائيليين عبر وسائل الإعلام للتخفيف من حدّة روعهم.

كذلك، شهدت إسرائيل عمليات نزوح داخلية كبيرة خلال الأيام الماضية، حيث ذكرت صحيفة «معاريف» العبرية أن السلطات أجلت آلاف الإسرائيليين إلى أماكن مختلفة، بينما يتم إجراء فحص للمباني المتضرّرة بالصواريخ، لاتّخاذ قرار في شأنها. ولفتت إلى أن الضربات الإيرانية دفعت إسرائيل إلى نقل مئات العائلات إلى الفنادق بسبب تضرُّر المباني.

تحوّل ميناء «هرتسيليا» على ساحل البحر المتوسط، إلى محطّة لفرار الإسرائيليين

ومن بين أبرز المناطق التي طاولتها تلك الأضرار، بني براك، الحيّ الاستيطاني الذي يقع في قلب مدينة تل أبيب، ويقطنه اليهود المتدينون، والذي لم يشهد، منذ عام 1948، بحسب صحيفة «هآرتس»، سقوط أيّ صواريخ عليه. ولكنّ هذا الوضع تغيّر في ظلّ المواجهة الحالية، فيما تلفت الصحيفة إلى أن «حاخامات المدينة كانوا يقولون إنها محروسة بفضل علماء التوراة فيها وكثرة المتديّنين، ولكنّ هذه الوعود تبخّرت مع الصواريخ الإيرانية».

أمّا بيت يام، القريبة من تل أبيب، والتي أصيبت بصواريخ إيرانية ثقيلة، فقال رئيس بلديتها إن 75 مبنى فيها تضرَّرت بفعل الصواريخ الإيرانية، 30 منها يجب هدمها بالكامل، في حين ذكرت «القناة الـ13» العبرية أن آلاف الإسرائيليين أخلوا منازلهم في منطقة الوسط، بعدما تمّ إخلاء الآلاف من منطقة غلاف غزة ومن الشمال في أوقات سابقة.

وكشفت «القناة الـ12» العبرية، بدورها، عن ارتفاع في أسعار الشقق خارج منطقة تل أبيب، في ظلّ ارتفاع الطلب عليها، مشيرة إلى أنه «وفقاً لفحص أجريناه على منصّة تأجير الشقق العالمية، Airbnb، يبلغ متوسط استئجار الشقة شمال البلاد، لليلة واحدة، نحو 600 شيكل، لكن من الممكن أيضاً العثور على شقق بأسعار منخفضة تصل إلى حوالى 200 شيكل لليلة»، علماً أن الدولار يساوي حوالى 3.5 شيكل.

ووفقاً للقناة، فإنه «منذ ساعات صباح الأحد، بدأت تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مجموعات مختلفة، منشورات ونداءات من إسرائيليين – معظمهم من منطقة الوسط التي تقع في قلب القصف الإيراني – يبحثون عن حلول مؤقتة وآمنة». وكان سكان كيبوتس «رعيم»، الذين فرّوا إلى تل أبيب عقب أحداث السابع من أكتوبر، أوفر حظّاً، بعدما قرّروا العودة إلى منازلهم المهجورة في الكيبوتس.

وعن عمليتي النزوح الداخلي والهروب إلى الخارج، ومحاولة إسرائيل السيطرة على ذلك كي لا يؤثّر على معنويات الجبهة الداخلية، كتب الصحافي الإسرائيلي يوفال يوعاز، في مقالة في موقع «زمن إسرائيل» بعنوان «الحقّ في الهروب»، إن «حكومة نتنياهو لم تصدر قراراً رسميّاً بمنع السفر، لكنّ الواقع يشير إلى منع فعلي نتيجة إغلاق المجال الجوي وقيود الطيران»، لافتاً إلى أن «مَن تبقّى له خيار الهروب من إسرائيل، يعتمد على يخوت خاصة أو المعابر البرية نحو الأردن ومصر».

وأضاف: «القرار بمنع شركات الطيران من نقل الإسرائيليين إلى الخارج، يجعل حرّية التنقل مقيّدة بحكم الواقع»، على الرغم من أن القانون الأساسي يكفل هذا الحقّ، مشيراً إلى أن «التناقض الصارخ هو أن وزارة السياحة أعلنت أنها ستساعد 38 ألف سائح أجنبي على مغادرة إسرائيل جوّاً، في الوقت الذي يُمنع فيه الإسرائيليون من السفر.

وهذا التمييز في المعاملة يثير شكوكاً حقيقية حول صحة الادّعاءات الأمنية، ويدفع إلى التساؤل: هل من حقّ الإسرائيليين الهروب؟».

ويأتي هذا التشديد في منع السفر، في الوقت الذي كشفت فيه «هآرتس» أن ميناء «هرتسيليا» على ساحل البحر المتوسط، تحوّل إلى محطّة لفرار الإسرائيليين، الذين يصلون صباحاً كل يوم وهم يجرّون حقائب سفر ويبحثون عن يخت ليبحر بهم إلى قبرص، ومن هناك إلى أيّ مكان آخر، في مقابل آلاف الدولارات.

وبحسب مجموعات على «فايسبوك» مخصّصة لمغادرة البلاد عبر البحر، «هناك مئات الأشخاص الذين يرغبون الآن في مغادرة إسرائيل بهذه الطريقة.

وكما هو معروف، عندما يكون هناك طلب، هناك دائماً مَن يسارع إلى عرض خدماته مقابل المال». وأشارت الصحيفة إلى أن ميناء حيفا في الشمال، وعسقلان في الجنوب، يُعدّان عنواناً لمن يريد الفرار، حيث يَنتظر أصحاب القوارب الصغيرة عند الشواطئ لنقل مجموعات لا تزيد على عشرة أشخاص.

وفي تقييم لوضع الجبهة الداخلية، قال اللواء المتقاعد في جيش الاحتلال، إسحق بريك، إنها «غير جاهزة للحرب، والاقتصاد الإسرائيلي لن يصمد في حال اندلاع مواجهة طويلة الأمد مع إيران»، مشدّداً على أن التسوية الوحيدة الممكنة تمرّ عبر اتفاق سياسي بين واشنطن وطهران.

وحذّر بريك من الركون إلى «نشوة الإنجاز العسكري»، قائلاً إن هجوم سلاح الجو الإسرائيلي على منشآت إيران النووية «لم ينجح في تصفية قدرات طهران على إنتاج القنبلة»، فيما تمثّل الإنجاز الفعلي الوحيد في «تعزيز الردع لا أكثر».

وأشار إلى أن الحرب الحالية كشفت مرّة أخرى عن «الفجوة الكبيرة» بين الجهوزية العالية لسلاح الجو، وما وصفه بـ«الإهمال الإجرامي» في تجهيز الجبهة الداخلية، مؤكّداً أن تجاهل التهديدات التي قد تطاول عمق الاحتلال، سيؤدي إلى دمار واسع، كما حدث في «غلاف غزة» وفي الشمال.

وأضاف أن استمرار الحرب لفترة طويلة، سيقود إلى شلل اقتصادي وانقطاع عن العالم في مجالات الطيران والتجارة، وهو «ما قد يعطّل بالكامل قدرة إسرائيل على الاستمرار في القتال».

 

*الإخبارية اللبنانية

التعليقات مغلقة.