حزن ما بعد العطلة.. ضريبة الحرية المؤقتة والعودة إلى الروتين
موقع صنعاء سيتي – متابعات – 22 ذو الحجة 1446هـ
يعيش معظم الناس عادةً صدمة نفسية عند العودة إلى الروتين اليومي بعد الإجازة والعطلة.. هذا الشعور بطله “الدوبامين” هرمون “المتعة والدافع” الذي يُفرَز بغزارة في لحظات الاكتشاف والدهشة والتجربة. فالعطلة بما تحمله من جديد ومغامرة وسعادة، تطلق سيلاً من هذا الهرمون الساحر، وعند العودة إلى الروتين المعتاد ينخفض مستواه بصورة مفاجئة، ويشعر الشخص عندها بالهبوط المزاجي القاسي.
تبدو العودة إلى العمل من بعد عطلة وكأنها عودة إلى الروتين الممل أو غير المحبّب، ويشعر المرء في هذه الحال وكأنه يفقد فجأة كل المتعة التي جمعها أو عاشها خلال العطلة دفعة واحدة، وهي ما تسمّى في علم النفس “كآبة ما بعد العطلات” أو (Post-Holiday Blues)، وتُعد وكأنها صدمة نفسية حقيقية أو تتمتع بكامل شروطها، أو كأنّ العائد من العطلة بمجرد أن يتذكر أنه سيرجع إلى الاستيقاظ مبكراً ليقوم بمهام محددة ملقاة على عاتقه في العمل فإنه يفقد دفعة هرمونات السعادة التي جمعها خلال عطلته.
كآبة مؤقتة قد تطول!
على الرغم من أنّ علم النفس يعد اكتئاب ما بعد العطلات حالاً مؤقتة من الانزعاج النفسي الذي يظهر بعد انتهاء فترة العطلة، فإنه يتسبب بأعراض نفسية حقيقية مثل: الأرق أو اضطرابات النوم، وانخفاض الطاقة والحيوية والغضب السريع وصعوبة التركيز، وتختلط جميعها بمشاعر القلق أو الحزن، لكنها رغم ذلك هي حالة عابرة وغير مزمنة، وعادة ما تزول خلال أسابيع قليلة.
في دراسة أجرتها الطبيبة النفسية إيلين كينيدي- مور من جامعة برينستون، فإنّ السبب الرئيسي للشعور بالاكتئاب بعد العطلة يكمن في تراجع حاد في الأدرينالين والسيروتونين والدوبامين وهي هرمونات السعادة التي تكون مرتفعة خلال فترات العطلات بسبب الإثارة والتجارب الجديدة، ثم يشعر الدماغ فور انتهاء العطلة، بنقص في تلك الهرمونات، فيشعر الفرد فجأة بفراغ عاطفي وانخفاض في النشاط النفسي والجسدي.
ووفق خبراء في علم النفس العصبي، فإنّ الدماغ يضخم الفرق بين ما كان عليه خلال العطلة وما هو عليه بعدها، فيخلق حالاً وهمية تجعل الواقع اليومي أكثر سوداوية مما هو عليه في الحقيقة.
التغير في دماغنا.. هل يعني أننا نكره العمل أم نكره فقدان الحرية؟
بما أنّ النفس البشرية تميل إلى “التفكير العاطفي” أي أن يأخذ الإنسان شعوره الخاص بمثابة دليل مطلق على ما يصيبه، فإننا عندما نعود من العطلة فنشعر بالملل أو التوتر، فنفترض أنّ العمل هو السبب، لكن في الواقع، قد يكون الأمر أعمق من هذا، وهو الخوف من فقدان لحظة الحرية الموقتة التي نشعر أنها ملكنا خلال العطلة.
خلال بحثه حول مشاعر ما بعد العطلة، توصل الباحث ريتشارد أكونور إلى أننا نبني خلال العطلة “دروعاً دفاعية” مؤقتة بهدف الهرب من ضغوط الحياة، وعندما تنكسر هذه الدروع مع العودة للروتين، نصاب بما يشبه الصدمة النفسية.
يقول أكونور إنه “ليس بالضرورة أن نكون جميعاً فرحين خلال العطلة، ولكن هناك ضغطاً اجتماعياً عاماً وعبر وسائل التواصل تفرض علينا إبداء الفرح والسرور خلال العطلات، مما يؤدي إلى استنزاف الطاقة في محاولة إظهار صور مزيفة للسعادة أمام الآخرين، سواء كانوا واقعيين أو افتراضيين، بينما نكون نعاني داخلياً من القلق والتوتر، فالتظاهر بالفرح هو استنزاف للطاقة النفسية، يتركنا في حال ضعف بعد انتهاء العطلة”.
الكآبة المؤقتة قد تتحول إلى مشكلة نفسية حقيقية
في العادة، تزول كآبة ما بعد العطلات خلال أسابيع، لكن إذا ما استمر الحزن والإنهاك النفسي، وبدأ الروتين يبدو كعبء لا يطاق، فإنّ ذلك قد يكون علامة على اضطرابات نفسية.
وتفيد إحصاءات “التحالف الوطني للأمراض النفسية” في الولايات المتحدة الأميركية بأنّ نسبة غير قليلة من الناس يعانون تدهوراً نفسياً خلال فترة العطلات وما بعدها، وما يظهر يبدو كأنه صراع بين الحلم المؤقت للحرية والواقع الصارم الذي يفرضه روتين العمل والعلاقات الاجتماعية، الذي يفسره الأطباء بيولوجياً بأنه بسبب الانسحاب المفاجئ للهرمونات، الذي يؤثر بعمق على التوازن النفسي والبيولوجي بعدما يضخم الدماغ رتابة الحياة اليومية، ويجعل العودة إليها تبدو أكثر كآبة مما هي عليه فعلياً، وهذا ما يسمى بـ”متلازمة ما بعد الإجازة” أو (Post-Holiday Blues).
ظهور هذه المتلازمة تسببه الضغوط الاجتماعية الناتجة من التظاهر بالسعادة والفرح الذي يستهلك طاقة هائلة، كما تقول جوديث أورلوف في كتابها “النجاح كمتعاطف فائق الإحساس” (Thriving as an Empath).
بحسب التحالف الوطني للأمراض النفسية (NAMI) فإنّ هناك نحو 24 في المئة من المصابين بأمراض نفسية يصيبهم تدهور ملحوظ خلال فترة العطلات، وقد بيّنت الإحصاءات أنّ هناك اضطرابات عاطفية موسمية قد تصيب خمسة في المئة من البالغين، ويكون في ذروته خلال كانون الثاني/يناير، وشباط/فبراير، مع تأثير واضح بعد انتهاء فترة العطلات في هذين الشهرين.
ووفقاً لتقرير أجرته إحدى الجامعات الإسبانية فإنّ 35 في المئة من العمال الإسبان الحساسين، الذين تراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً، يعانون أعراضاً جسدية مزعجة عند اندفاعهم للعودة إلى دوامة العمل، مثل الأرق وتقلصات المعدة، وعدم انتظام ضربات القلب.
وأشار التقرير إلى أنّ الموظفين المنهكين يمكنهم التخفيف من كآبة نهاية الصيف عبر قضاء بضعة أيام في المنزل قبل العودة إلى “منجم الملح” مثلاً بعد عطلتهم الإسبانية المعتادة التي تمتد شهراً كاملاً، وحذّر التقرير أيضاً من “العودة إلى العمل في يوم الإثنين الرهيب تحديداً”.
تصف ميليسا وينبرغ، – استشارية في علم النفس والأداء -، هذا الأمر بأنه “خداع” صحي أو بأنه مجرد “وهم من ضمن مجموعة من الأوهام التي يخدعنا بها دماغنا باستمرار”، وتقول: “سواء كنا استمتعنا بعطلتنا أم لا، أو كنا نرغب فعلاً بالعودة إلى العمل، فإنّ دماغنا مبرمج ليجعلنا نصدق بأننا فعلنا ذلك أو كنا نرغب بذلك، وبهذا ندفع الثمن العاطفي حتى لو كانت عطلتنا فاشلة، كما ندفعه إن كانت مذهلة”.
وأطلق الاختصاصي الهولندي آد فنغيرهوست، على هذا الشعور اسم “مرض الترفيه”، وهو مزيج من الأعراض النفسية والفيسيولوجية التي تصيب البعض عند مغادرتهم للعمل نحو الراحة، ثم مجدداً عند عودتهم إلى الرتابة، ومن تلك الأعراض يبرز القلق والحزن والإرهاق وصداع الرأس، وحتى أعراض تشبه الإنفلونزا.
لكن يبقى أنّ بطل القصة الحقيقي في هذه الحالة هو هرمون الدوبامين، هرمون “المتعة والدافع”.
هل شعرتم أنتم أيضاً بهذا الشعور عند عودتكم من عطلتكم؟
التعليقات مغلقة.