غزة بين نيران الإقليم وصمت العالم: كيف تؤثر الصراعات الدولية على “حرب الإبادة”؟

موقع صنعاء سيتي – متابعات – 19 ذو الحجة 1446هـ

 

في قلب الشرق الأوسط، تظل غزة، المحاصَرة والجائعة، رمزًا لمعاناة متواصلة ومعادلات سياسية معقّدة تتجاوز حدود الجغرافيا. فعلى مدار العقود الماضية، لم تكن الأوضاع في القطاع ناتجة عن عوامل داخلية فقط، بل جاءت انعكاسًا مباشرًا لصراعات إقليمية وتوازنات دولية وحروب متكررة.

 

وفي ظل سلسلة من التطورات المتلاحقة، بدءًا من الحرب الروسية الأوكرانية، ومرورًا بالتوترات بين باكستان والهند، ووصولًا إلى العدوان الإسرائيلي على إيران، يطفو سؤال جوهري على السطح: إلى أي مدى تُسهم السياسات العالمية والصراعات الإقليمية في تشكيل ملامح الواقع في غزة؟ وكيف يلعب الإعلام دورًا في تثبيت السرديات أو تقويضها، في عصر أصبحت فيه الكلمة والصورة لا تقلان تأثيرًا عن السلاح والدبلوماسية؟

 

*انقسام دولي تجاه قضايا الإقليم
يرى الباحث في العلاقات الدولية، بشار شلبي، في حديثه لـ”قدس برس”، أن “القوى الكبرى منقسمة تجاه قضايا الإقليم عمومًا، والقضية الفلسطينية خصوصًا. فالولايات المتحدة الأمريكية دأبت على استخدام حق النقض “فيتو” في مجلس الأمن ضد أي قرار يُدين الاحتلال الإسرائيلي، وكان ذلك جليًا في آخر جلسة، عندما وقفت منفردة مستخدمة “الفيتو” أمام 14 دولة طالبت بوقف الحرب”. كما أشار إلى أن هذا الانقسام الدولي برز سابقًا في الملف السوري، “إذ دعمت روسيا والصين نظام بشار الأسد بشكل واضح”.

 

*تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على غزة
ويُضيف شلبي أن “الحرب الروسية الأوكرانية أثّرت سلبًا على حرب الإبادة والتجويع في غزة، إذ أدّى انشغال أوروبا بهذا الصراع إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية. كما أن المواقف الروسية والأوكرانية من العدوان على غزة لم تشهد تغيرًا يُذكر، مما أبقى الوضع في القطاع خارج دوائر التأثير الدولي الفاعل”.

 

وفي سياق متصل، عبّر شلبي عن اعتقاده بأن طهران سعت إلى إبقاء غزة حاضرة في مفاوضاتها مع واشنطن حول الملف النووي، “بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية”، مستبعدًا في الوقت ذاته أن تكون موسكو قد استخدمت الورقة الفلسطينية في مفاوضاتها المتعلقة بأوكرانيا.

 

كما أشار إلى تصاعد دور الصين في الملف الفلسطيني، من خلال “تصريحات مسؤوليها، واستضافتها لاجتماعات الفصائل، وسعيها إلى تحقيق مصالحة وطنية بين الأطراف الفلسطينية”.

 

*تأثير الحروب العالمية على حرب غزة
من جهته، اعتبر القيادي الإسلامي والمحلل السياسي زكي بني إرشيد، في حديثه لـ”قدس برس”، أن “لكل صراع أو بؤرة توتر طبيعته الخاصة، والربط بين الملفات يبقى محدودًا، باستثناء ما نشأ عن رغبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في إنهاء النزاعات لصالح التركيز على الملفات الاقتصادية، ومنها حرب الرسوم الجمركية”.

 

وأكد بني إرشيد أنه لا يرى ارتباطًا مباشرًا بين التوترات العالمية ومسار العدوان الإسرائيلي على غزة، “لا من حيث إمكانية وقفه، ولا حتى على صعيد تهدئة مرحلية”.

 

وأوضح أن “إنهاء العدوان يرتبط بالدرجة الأولى بقدرة المقاومة على الصمود، وبالحفاظ على الحاضنة الشعبية داخل غزة وفلسطين. كما أن تفكك التحالف الحاكم في الكيان الصهيوني، والذي يشكل أغلبية برلمانية، قد يكون عاملًا داخليًا مؤثرًا في وقف العدوان”.

 

*تغيّر استراتيجي في موازين القوى
وأشار بني إرشيد إلى أن العالم يعيش مرحلة انتقالية سريعة، تشمل أيضًا انقسامًا حادًا داخل الولايات المتحدة، مع احتمالات تصعيدية في الأفق. واعتبر أن “هذا التغير يضعف القبضة الأميركية ويفرض تحولات في ميزان القوى الدولي، ما قد يؤدي إلى تشكّل قناعة عامة، وخصوصًا في الغرب، بأن إسرائيل باتت عبئًا على النظام الدولي، ومصدر تهديد للاستقرار والسلم العالمي، مع ما يترتب على ذلك من ضرر بالمصالح الدولية”.

 

*التطورات الإقليمية وأثرها على السردية “الإسرائيلية”
وفي السياق الإعلامي، أكد الإعلامي والمحلل السياسي الأردني، خضر المشايخ، أن “الرواية الإسرائيلية لطالما هيمنت على الإعلام الغربي، في ظل غياب الرواية الفلسطينية، بسبب ضعف الأدوات الإعلامية لدى الطرف الفلسطيني والعربي، بالإضافة إلى تبني الحكومات الغربية للرواية الإسرائيلية”.

 

وأضاف المشايخ، في حديثه لـ”قدس برس”، أن “الرواية الفلسطينية بدأت تُحقّق انتشارًا متزايدًا في الغرب، بفعل الجرائم الإسرائيلية التي تُوثَّق وتُنقل مباشرة، إلى جانب تطوّر الأداء الإعلامي الفلسطيني”.

 

ولفت إلى أن “السياسات الداعمة تلعب دورًا حاسمًا في إبراز السرديات، فمثلًا، يحظى المدنيون في أوكرانيا بتعاطف واسع بسبب الدعم السياسي الأوروبي، بينما تُحارب الرواية الفلسطينية رغم كل الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزة”.

 

واختتم بالقول إن “الإعلام الغربي دأب على ممارسة سياسة الكيل بمكيالين، كما ظهر في تغطيته لأحداث كبرى مثل الحرب في أفغانستان، واحتلال العراق، وحتى في تعاطيه المستمر مع القضية الفلسطينية. وهذا يعكس موقفًا سياسيًا للدول الغربية، التي تتعامل بعدائية مع قضايا الأمة الإسلامية والعربية”.

 

وأشار إلى أن الرأي العام الغربي، بعد متابعته للجرائم في أوكرانيا، بدأ يُجري مقارنات إنسانية “فضحت الرواية الإسرائيلية”، وأسهم في تشكّل رأي مضاد يعتبر أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب حقيقية في غزة.

 

التعليقات مغلقة.