الابن المتمرد على حضن أمه: “إسرائيل” تجرّ أوروبا إلى وحل الإبادة

موقع صنعاء سيتي – متابعات – 7 ذو الحجة 1446هـ

 

شهدت العلاقة بين أوروبا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، منذ إعلان تأسيسها على أنقاض فلسطين عام 1948، استقرارًا نسبيًا ودعمًا شبه مطلق من الجانب الأوروبي، على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

ولطالما اعتبرت أوروبا نفسها، أما بغير أب، لدولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن دخلت تلك الأم في شيخوختها، وبدأ الأبن في التمرد.

فالقارة العجوز كانت على الدوام شريكًا رئيسيًا للاحتلال، إذ وفرت له الغطاء الدولي والدعم في المحافل العالمية، في سياق تقاطع المصالح وتلاقي الرؤى الغربية بشأن الصراع في الشرق الأوسط.

إلا أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتصاعد سياسة الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج ضد المدنيين، أطلق موجة غير مسبوقة من الانتقادات الأوروبية، وفتح الباب أمام حالة توتر تُعد الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين الجانبين. هذا الواقع الجديد يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذه العلاقة وحدودها الأخلاقية والسياسية.

العلاقة بين أوروبا و”إسرائيل” سياسيًا واقتصاديًا:
يرى “القائم بأعمال رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا”، عدنان حميدان، أن “العلاقة بين الطرفين قائمة على مزيج من الإرث الاستعماري والمصالح الاقتصادية والتواطؤ السياسي. فعلى الصعيد السياسي، توفر أوروبا مظلة شرعية ناعمة لتجاوزات الاحتلال، وتمنحه غطاءً دبلوماسيًا في المحافل الدولية، وتكتفي غالبًا بإدانات شكلية لا تُترجم إلى مواقف حقيقية”.

وأضاف حميدان في حديثه لـ”قدس برس” أن “الروابط الاقتصادية بين الجانبين متشابكة بشكل واسع، من خلال اتفاقيات تجارية وعلمية، ومنح تفضيلية في مجالات التكنولوجيا والبحث، إلى جانب استثمارات مباشرة وشراكات في الصناعات العسكرية”.

أبرز المحطات التاريخية في العلاقة:
يُشير حميدان إلى أن “أولى المحطات البارزة بدأت بالاعتراف الأوروبي المبكر بـ”إسرائيل”، مرورًا بدعمها في الأزمات القانونية والدبلوماسية، لا سيما بعد العدوان الثلاثي عام 1956. وشكّلت اتفاقية الشراكة الأوروبية–الإسرائيلية عام 1995 نقطة تحوّل كبيرة، حيث دُمجت “إسرائيل” ضمن السوق الأوروبية كمنتج مستقل”.

وتابع: “كما ساهمت انتفاضة الأقصى في فضح هشاشة الموقف الأوروبي، الذي غالبًا ما تماهى مع الموقف الأمريكي. وعلى مدى العقود التالية، تعززت العلاقات الاقتصادية والسياسية تدريجيًا، خاصة بعد توقيع اتفاقيات الشراكة في التسعينيات، والتي عمّقت التعاون في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، رغم استمرار الاحتلال وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني”.

ويرى حميدان أن المنعطف الأكثر حدة في هذه العلاقة كان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين شنّ العدو الإسرائيلي حرب إبادة جماعية في قطاع غزة، ما أدى إلى تأثير مباشر في المواقف الأوروبية، رسميًا وشعبيًا.

وأوضح أن “الضغط الإعلامي والشعبي الواسع أجبر بعض الدول الأوروبية على مراجعة مواقفها واتخاذ خطوات داخل برلماناتها، رغم أن هذه المراجعات ما زالت محدودة”.

ولفت إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة “أحدثت انقسامًا داخل أوروبا بين من يتمسك بعلاقة استراتيجية مع “إسرائيل”، ومن يرى أن استمرار دعمها، رغم الانتهاكات، يُعد خرقًا خطيرًا لأخلاقيات السياسة الخارجية الأوروبية”.

وأضاف: “لقد شكلت هذه الحرب محطة فاصلة في العلاقة بين الطرفين، إذ كشفت هشاشة التوازن السياسي الذي بُنيت عليه، وأظهرت أن الكلفة البشرية لهذا التحالف تفوق بكثير أي مصالح اقتصادية أو سياسية”، وفق تعبيره.

وشدد حميدان على أن “صور المجازر والدمار التي ارتكبها الاحتلال في غزة أحدثت هزة عميقة في صورة “إسرائيل” داخل الوعي الأوروبي”، مشيرًا إلى أن “المؤسسات الإعلامية الأوروبية التي طالما تبنّت الرواية الإسرائيلية، وجدت نفسها مضطرة لتغطية فظائع جيش الاحتلال. كما تحولت الجامعات الأوروبية التي كانت تتعاون أكاديميًا مع “إسرائيل”، إلى ساحات للاحتجاجات الطلابية المناهضة للإبادة”.

واعتبر أن العلاقة بين أوروبا و”إسرائيل” تمر حاليًا بـ”مرحلة إعادة تقييم غير مُعلنة، لا تزال المصالح تحكمها حتى اللحظة، غير أن الغطاء الأخلاقي الذي كانت تستند إليه هذه العلاقة يتآكل يومًا بعد يوم”.

هل يمكن لـ “إسرائيل” أن تخسر أوروبا؟
من جانبه، أكّد رئيس “المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية”، ماجد الزير، أن “استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة سيدفع بعض الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، وربما غير مسبوقة، مما قد ينعكس سلبًا على صورة الاحتلال دوليًا”.

وقال الزير في حديثه لـ”قدس برس”: “رغم ذلك، فإن “إسرائيل” لن تخسر أوروبا بالكامل، فالعلاقة بين الطرفين متينة وعضوية، ومشروع الاحتلال في جوهره امتداد للمنظومة الأوروبية. كما أن اللوبي الصهيوني النافذ في هذه الدول لن يسمح بحدوث قطيعة شاملة، لكن من المؤكد أن العلاقة ستتأثر ضمن حدود معينة”.

وتشهد الساحة السياسية الأوروبية تحولات ملحوظة في مواقفها تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، مدفوعة بتصاعد الضغط الشعبي الذي يدعو إلى خطوات عملية للضغط على الاحتلال لوقف عدوانه، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

وقد تجلّت هذه التحولات في عدد من الخطوات اللافتة، أبرزها قرار الاتحاد الأوروبي بمراجعة اتفاقية الشراكة مع “إسرائيل”، بسبب ما وصفه بـ”الوضع الكارثي” في قطاع غزة، عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في العاصمة البلجيكية “بروكسل”.

وفي السياق ذاته، أعلنت بريطانيا تعليق محادثات التجارة الحرة مع “إسرائيل”، وفرضت عقوبات جديدة على مستوطنين في الضفة الغربية. كما صادق البرلمان الإسباني، أمس الثلاثاء، على توصية تدعو إلى حظر بيع الأسلحة للاحتلال، وتطالب بمنع توقيع أو استمرار أي عقود عسكرية مع دول متورطة في الإبادة الجماعية.

ترافقت هذه التطورات مع تصاعد لهجة الإدانات الرسمية من عدد من الحكومات الأوروبية تجاه جرائم الاحتلال، ملوّحة باتخاذ إجراءات عملية للضغط على “إسرائيل” لوقف انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني.

التعليقات مغلقة.