ماذا بعد تهديد الاتحاد الأوروبي لإسرائيل.. هل سينفذ وعيده أم يصبح مهمشا أكثر؟
موقع صنعاء سيتي – صحافة
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا أعده مارتن كونيتشني قال فيه إنه وبعد أشهر من التراخي والتواطؤ في مواجهة تدمير إسرائيل لغزة، بدأت أوروبا أخيرا تستعيد نشاطها. يبدو أن مقتل عشرات الآلاف والهجمات على المدارس والمستشفيات لم تكن كافية. ولكن، إلى جانب عرقلة المساعدات الإنسانية والدعوات العلنية للتطهير العرقي، أصبحت أفعال إسرائيل أخيرا أشد وطأة من أن تتجاهل أو تنكر أو تبرر.
ففي الأسابيع الأخيرة، صدرت سلسلة من التصريحات القوية غير المعتادة، والتوبيخات الدبلوماسية، والتهديدات بفرض عقوبات من العواصم الأوروبية – كل خطوة تُضخّم الأخرى، كما لو أن قطيعا خامدا منذ فترة طويلة قد تحرك فجأة.
من بين هذه التطورات، قد يكون أبرزها التعليق المحتمل لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تمنح إسرائيل وصولا تفضيليا إلى أكبر سوق موحدة في العالم. في الشهر الماضي، كسر وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، صمت الاتحاد الأوروبي برسالة يطالب فيها بمراجعة رسمية لامتثال إسرائيل للمادة الثانية من الاتفاق، التي تُلزمها بـ”احترام حقوق الإنسان”.
كسر وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، صمت الاتحاد الأوروبي برسالة يطالب فيها بمراجعة رسمية لامتثال إسرائيل للمادة الثانية من الاتفاق، التي تُلزمها بـ”احترام حقوق الإنسان”.
أثارت هذه الخطوة موجة من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي اصطفت وراء الفكرة. في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 20 أيار/ مايو، أيدت أغلبية واضحة – 17 دولة عضوا – الاقتراح الهولندي. أما كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، التي بدت متشككة قبل الاجتماع، فقد بدا أنها غيرت موقفها خلال المناقشة، وأعلنت في النهاية بوضوح عن إطلاق المراجعة.
هل هذه نقطة تحول حقيقية أم مجرد كلام فارغ؟ ما زلنا نتنظر الجواب.
والواضح هو أن ديناميكيات الاتحاد الأوروبي قد تغيرت. قبل عام، عندما اقترحت إسبانيا وأيرلندا – الحكومتان الأكثر صراحة بشأن معاناة الفلسطينيين – فكرة المراجعة نفسها، لم تجدا دعما يذكر، بل على النقيض من ذلك، تعتبر هولندا تقليديا أقرب إلى إسرائيل، وتتخذ موقفا وسطا للاتحاد الأوروبي في هذه القضية. هذا الوسط الواسع، الذي كان حتى الآن يفضل الحوار والعلاقات الوثيقة مع إسرائيل، هو الذي تحول الآن وانضم إلى الجناح الأكثر انتقادا.
ولم يبق سوى أشد داعمي إسرائيل، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا والمجر وجمهورية التشيك، أقلية في التصويت ضد المراجعة.
لقد انقلب الرأي العام الدولي على إسرائيل، لكن هذا لا يكفي لإجبار نتنياهو على التراجع.
كما أن المراجعة ليست سوى الخطوة الأولى: فحص ما إذا كانت إسرائيل تنتهك المادة الثانية، التي تحدد احترام حقوق الإنسان بأنه “عنصر أساسي” في الاتفاقية.
لقد انقلب الرأي العام الدولي على إسرائيل، لكن هذا لا يكفي لإجبار نتنياهو على التراجع.
وبالنظر إلى حجم الانتهاكات والجرائم في غزة والضفة الغربية، المدعومة بنتائج المحاكم الدولية، فإن مثل هذه المراجعة لا ينبغي أن تكون ضرورية.
وكما قال أحد النشطاء الأيرلنديين: “الأمر أشبه بالوقوف أمام مبنى محترق والمطالبة بمراجعة ما إذا كان هناك حريق”.
الحقائق واضحة – لكن حتى الاعتراف بها هو أمر متفجر سياسيا.
المراجعة، التي يُتوقع أن تنجز بحلول اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي القادم في 23 حزيران/ يونيو، تعتمد الآن على شخصيتين رئيسيتين: كالاس ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين. فهل ستؤكدان ما هو بديهي – أن إسرائيل تنتهك المادة 2 – وتستخلصان النتائج المنطقية؟ أم ستسعيان إلى حماية العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل من أي انقطاع؟
كانت كالاس، وهي ليبرالية من إستونيا، حتى وقت قريب تتجنب الكثير من الانتقادات لإسرائيل، على الرغم من أنها تبدو الآن تسير جنبا إلى جنب مع المركز السياسي للاتحاد الأوروبي. وتمثل فون دير لاين، وهي ديمقراطية مسيحية ألمانية، الجناح الأكثر انحيازا لإسرائيل في الكتلة.
كانت وجه الدعم الشامل للاتحاد الأوروبي في البداية لرد إسرائيل المدمر على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ثم التزمت الصمت إلى حد كبير مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين في غزة.
ولكن في الأسبوع الماضي، وللمرة الأولى، صرحت بأن قتل إسرائيل للمدنيين أمر “مقيت” و”لا يمكن تبريره بموجب القانون الإنساني والدولي”.
وتشير هذه اللغة بشكل لا لبس فيه إلى الاستنتاج الوحيد الموثوق الذي يمكن أن تتوصل إليه المراجعة.
بمجرد اكتمال المراجعة، سيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خيارات الخطوات التالية، والتي يجب أن تشمل تعليق اتفاقية الشراكة.
ويتطلب التعليق الكامل إجماعا بين جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 – وهو أمر مستحيل بالنظر إلى المتشددين مثل المجر. لكن تعليق بند التجارة التفضيلية في الاتفاقية – وهو الجزء الأكثر أهمية اقتصاديا، لا يتطلب سوى أغلبية مؤهلة: 15 دولة عضوا تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي.
تمثل ركيزة التجارة محور الضغط الحقيقي، ذلك أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث يمثل 32% من إجمالي تجارتها.
في المقابل، لا تمثل إسرائيل سوى 0.8% من تجارة الاتحاد الأوروبي. لن يؤدي إلغاء الوصول التفضيلي إلى إيقاف التجارة، ولكنه سيفرض تكلفة ملموسة على إسرائيل تتمثل في زيادة التعريفات الجمركية وتقليص الوصول إلى الأسواق. ويمكن للاتحاد الأوروبي أيضا تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج “أفق أوروبا”، وهو برنامج الأبحاث الرائد للاتحاد – وهو احتمال يثير بالفعل قلقا في القطاع الأكاديمي الإسرائيلي.
ليست جميع الدول التي صوتت لصالح المراجعة تفضل بالضرورة التعليق الفعلي. وللوصول إلى عتبة الـ 65% من السكان، ستحتاج ألمانيا أو إيطاليا – وهما دولتان كبيرتان عارضتا المراجعة – إلى تغيير موقفهما.
ولا يزال الوصول إلى أغلبية مؤهلة أمرا صعبا. فليست جميع الدول التي صوتت لصالح المراجعة تفضل بالضرورة التعليق الفعلي.
وللوصول إلى عتبة الـ 65% من السكان، ستحتاج ألمانيا أو إيطاليا – وهما دولتان كبيرتان عارضتا المراجعة – إلى تغيير موقفهما. في الوقت الحالي، يبدو ذلك مستبعدا.
ولكن إذا استمرت إسرائيل في نهجها المتطرف الحالي، فسيزداد الضغط. يشير توبيخ المستشار فريدريش ميرز اللاذع وغير المعتاد لإسرائيل الأسبوع الماضي إلى أنه حتى دعم برلين لا يمكن اعتباره أمرا مسلما به.
وإذا قرر الاتحاد الأوروبي تجاهل نتائج مراجعة نزيهة، فسيفقد المادة 2 معناها ويقوض بنود حقوق الإنسان في اتفاقيات الاتحاد الأوروبي حول العالم.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، استند الاتحاد الأوروبي إلى هذه البنود أكثر من 20 مرة لتعليق المزايا بسبب انتهاكات جسيمة، معظمها في أفريقيا.
ولهذا السبب، لا يمكن استبعاد احتمال التعليق. ما لم تغير إسرائيل مسارها جذريا، فإن احتمالية ذلك ستزداد.
بالنسبة لأوروبا، تمثل هذه فرصة للخروج من حالة عدم الأهمية التي فرضتها على نفسها والعودة إلى دورها.
لقد فشل الحوار الخالي من الضغوط فشلا ذريعا. عندما عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعا لمجلس الشراكة مع إسرائيل في شباط/ فبراير، وحث بأدب على تقديم المزيد من المساعدات إلى غزة ووقف التوسع الاستيطاني، ردت إسرائيل بمنع جميع المساعدات وتسريع نمو المستوطنات.
فقط بعد أن بدأت المبادرة الهولندية تكتسب زخما، بدأ المسؤولون الإسرائيليون بالضغط داخليا للسماح بدخول بعض المساعدات إلى غزة، مشيرين إلى تهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات.
لمنع رعب التطهير العرقي والضم الوشيك، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يمضي قدما ويفرض تكلفة اقتصادية وسياسية حقيقية على إسرائيل.
إذا فعل ذلك، فإن احتمال إعادة المزايا المعلقة قد يصبح أقوى أداة في يد الاتحاد الأوروبي لتشجيع مسار مختلف: مسار لا يؤدي إلى قمع وعنف لا نهاية لهما، بل إلى السلام والأمن القائمين على المساواة.
*”القدس العربي”
التعليقات مغلقة.