نساء غزة يواجهن انعدام الخصوصية في خيام النزوح

تعيش نساء قطاع غزة واقعاً متردياً، وتتزايد الصعوبات داخل الخيام البلاستيكية والقماشية، والتي تغيب فيها مختلف أشكال الخصوصية التي يمكنها مراعاة احتياجاتهن اليومية.

وتتعاظم الأزمات التي تواجه الفلسطينيين في القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي، لكن التحديات تكون أكثر قسوة على النساء، خصوصاً اللواتي يعشن داخل مدارس أو مخيمات الإيواء المكدسة بمئات آلاف النازحين، حيث تنعدم الحدود بين الحياة العامة والخاصة، وتغيب أدنى درجات الخصوصية، وتتحول أبسط الاحتياجات الشخصية إلى عبء نفسي ثقيل، فكل حركة مرصودة، وكل همسة مسموعة، ولا أبواب تمنح النساء لحظات عزلة أو راحة.

تضطر المرأة عندما تريد أن تبدّل ملابسها إلى التحايل على المساحة الضيقة، أو تطلب من أطفالها أن يراقبوا، وإذا احتاجت إلى استخدام الحمام، فإنها تضطر إلى الانتظار لوقت طويل، أو قطع مسافات بعيدة. وتفقد المرأة في أوقات المرض أو الحيض حقها في الراحة، إذ لا ماء ساخناً، ولا تتوفر أدوات نظافة، ولا مكان للجلوس أو التمدد، فالمساحات ضيقة داخل مدارس ومخيمات الإيواء.

ولا توفر تلك الأماكن مساحة كافية لممارسة تفاصيل الحياة الطبيعية، ومنها تجهيز الطعام، أو الغسيل، ما يجعل النساء عاجزات عن إتمام أبسط التفاصيل. تقول الفلسطينية أم محمد السعدي (42 سنة)، وهي أم لخمسة أطفال: “نزحت من حي الزيتون في مدينة غزة بعد استهداف المنطقة وتدمير منزلي. أشعر بالإرهاق الشديد داخل الخيمة القماشية التي نصبها زوجي على جانب طريق عام، فالزحام والضجيج يتواصلان”.

وتوضح السعدي قائلة: “لا أشعر بأدنى درجات الخصوصية، سواء خلال طهي الطعام أو صناعة الخبز على فرن الطين أمام الخيمة، والذهاب إلى المرحاض العام أزمة متكررة، وتغيير الملابس معاناة يومية، إذ يتوجب عليّ أن أغطي نفسي، أو أطلب من ابنتي الصغيرة الإمساك بالغطاء، وفي الكثير من المرات، خاصة أوقات التعب الشديد، لا يمكنني القيام بكل هذه الاحتياطات التي تتطلب المزيد من الجهد والوقت”.

بدورها، تشير الطالبة الجامعية ميساء خالد (23 سنة)، والتي كانت على وشك التخرج قبل الحرب، إلى أنها كانت تدرس اللغة الإنكليزية وتحلم باستكمال الدراسات العليا، لكنها الآن تنام على فرشة إلى جانب والدتها وإخوتها داخل خيمة صغيرة، وتبيّن أنها لا تجد مكاناً للكتابة أو القراءة أو مراجعة المواد التي درستها قبل الحرب، إذ تحاول الحفاظ على ما اجتهدت في دراسته خلال السنوات الماضية، لكن ضجيج حياة النزوح وضيق المساحة وتكدس الناس يحرمها من ذلك.

تشاركها الثلاثينية رنا محمد، وهي أم لرضيع عمره أربعة أشهر، شعور الضيق والحرمان من الحرية في ممارسة أبسط الأمور، إذ لا تتمكن في أوقات كثيرة من إرضاع طفلها داخل الخيمة المكتظة، وتوضح أنها تضطر إلى القيام بالكثير من المهام الخاصة برضيعها أمام باقي أفراد أسرتها، من تغيير الحفاضات أو التنظيف، فيما تضطر إلى الكثير من الاحتياطات لمجرد الذهاب إلى الحمام أو تبديل ملابسها، ما يزيد من قسوة العيش داخل الخيام.

وتقول: “للنساء خصوصيات، سواء في محتويات الغرفة أو الملابس أو المتعلقات الشخصية، لكن خيام النزوح تسببت في كشف معظم الخصوصيات، ما يضطرنا إلى التعامل طيلة الوقت على غير طبيعتنا، وهو أمر مرهق للغاية”.

ويتسبب تلاصق الخيام في إحراج دائم للفلسطينية سائدة زهدي، التي اعتادت على حياة هادئة قبل العدوان، إذ كانت تعيش مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد داخل شقة جهّزتها مع زوجها بكل ما يلزم، وتقول: “لم تقتصر تداعيات الحرب على خسارة الشقة، وإنما امتدت إلى حالة متواصلة من النزوح من منطقة إلى أخرى، كما سلبتني الخصوصية. لم أعد قادرة على ضبط أطفالي كما يجب بفعل الوجود داخل المخيم المفتوح على مختلف أشكال المخاطر الصحية والبيئية، كما أنني عاجزة عن توفير مساحة خاصة للعناية بتفاصيلي الخاصة”.

تضيف زهدي: “الخيمة ضيقة للغاية، لدرجة أننا لا نتمكن من الطبخ بداخلها خشية اشتعال النيران فيها، ما يضطرنا للطبخ والجلي والغسيل في زاوية صغيرة إلى جوارها، وهي زاوية مفتوحة أمام الجيران والمارة، ورغم إنشاء حمام خاص بنا بجوار الخيمة، إلا أنني لا أشعر بأي راحة بداخله، فهو مصنوع من شادر خفيف وأخشاب هشة، ويمكن أن تسقط على رؤوسنا عند اشتداد الرياح، وهذا هاجس يلازمني طوال الوقت”.

ويدفع التكدس الشديد داخل مدارس ومراكز الإيواء النازحين إلى نصب خيام في الشوارع والمناطق المفتوحة، لكن محدودية تلك الأماكن تجبرهم على أن تكون الخيام متجاورة، وأحياناً من دون فواصل أو حواجز، ما يتسبب بانعدام الخصوصية، وبمضايقات لكافة أفراد الأسر، وفي مقدمتهم النساء.

التعليقات مغلقة.