تتفاقم معاناة مئات الآلاف من العائلات الفلسطينية النازحة في غزة والتي تعيش في خيام مصنوعة من النايلون والمواد البلاستيكية مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات خانقة، حيث تحولت المآوي المؤقتة إلى أفران حارقة بفعل الشمس، وسجون خانقة في ظل غياب التهوية.
ويعرف النايلون، وهو المادة الأساسية المستخدمة في بناء هذه الخيام، بخاصية امتصاصه للحرارة، وعدم قدرته على تمرير الهواء، وفي ظل انعدام الكهرباء والمراوح، تصبح ساعات النهار الطويلة تحدياً مرهقاً للنازحين، خصوصاً الأطفال وكبار السن والمرضى.
وعلى الرغم من انخفاض حدة الحرارة ليلاً بفعل غياب الشمس، فإن حرارة النهار تظل مخزنة داخل الخيام سيئة التهوية، فتظل الأجواء خانقة حتى ساعات متأخرة، ما يضطر كثيراً من العائلات للنوم خارج الخيام، وهو ما يعرضها لأخطار إضافية كالبعوض، والزواحف، وانعدام الخصوصية.
مخيمات غزة تفتقد المقومات الأساسية
وتزيد أزمة المياه وشح وصولها إلى المخيمات التي تفتقد أدنى المقومات الأساسية، من معاناة الفلسطينيين، حيث تصل بشكل محدود وهي ساخنة وغير صالحة للشرب، ما يزيد من خطر الجفاف، بينما يفسد الغذاء الشحيح بسرعة، مما يجعل من كل وجبة مخاطرة صحية. ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة داخل الخيام البلاستيكية في زيادة حالات الإغماء، والجفاف، والطفح الجلدي بين الأطفال، بينما يتسبب انعدام التهوية الجيدة في ارتفاع درجات حرارة الأطفال إلى مستويات خطيرة. وتترافق أزمة ارتفاع درجات الحرارة والتقلبات الجوية مع مجموعة من التحديات التي تواجه الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وأماكن سكنهم، جراء النقص الحاد في المواد الغذائية والأدوية، وانعدام مختلف مقومات الحياة الأساسية، مع الارتفاع الشديد في أسعار البضائع.
يقول أبو وسيم الحاج، نازح من شمال مدينة غزة، ويقيم في خيمة قرب ساحة السرايا “الساعة الحادية عشر صباحاً لا يمكننا البقاء داخل الخيمة، حيث تتحول إلى كتلة من اللهب والهواء الساخن بفعل اشتداد الشمس على النايلون الذي يقوم بتخزين الحرارة”. موضحاً أنه يخرج مع زوجته الستينية للجلوس خارج الخيمة، على الرغم من رائحة الصرف الصحي ودخان الحطب، لكن ذلك أهون من الحرارة الشديدة داخل الخيمة التي تغلي نتيجة الحرارة وسوء التهوية. ويبين الحاج أن الخيمة لا يمكنها أن تعتبر مكاناً دائماً للسكن، سواء في فصل الشتاء أو الصيف، حيث تزيد التقلبات الجوية من قساوة العيش الصعب أصلاً، جراء النقص الحاد في كل المتطلبات الأساسية للحياة الآدمية.
وتلفت الفلسطينية سمية فرحات، وهي نازحة من حي الزيتون، شرقي مدينة غزة، وتعيش برفقة عائلتها المكونة من تسعة أفراد في خيمة قرب شارع الجلاء الرئيسي، إلى أن الحرارة تحرق أبناءها وأحفادها، حيث يحبس النايلون الحرارة داخل الخيمة الصغيرة والمهترئة.
وتبين فرحات أن الخيمة لا ترحم الكبير أو حتى حفيدها الأصغر وهو رضيع، مضيفة “الشمس تضرب من كل جهة، والنايلون يسخن بسرعة، أحاول عمل كمادات للأطفال لكن دون جدوى، فالأزمة أعمق من الحلول التقليدية البسيطة”. وتشير فرحات إلى أن معظم الأعمال اليومية تكون خارج الخيمة الضيقة، وفي الوقت الحالي أصبحوا يفترشون الرمل تحت ظل قطعة قماش تحميهم من أشعة الشمس، لكنها لا تحميهم من الغبار والبعوض “الوضع مأساوي، لكننا داخل الخيمة قد نموت مختنقين”.
وتقول العشرينية سارة فتحي، وهي طالبة جامعية نازحة مع أسرتها داخل مخيم نزوح مؤقت، إنها كانت تدرس تخصص العلاقات العامة، وحالياً تدرس كيف يمكنها العيش داخل الخيمة دون اختناق، وقد باءت كل محاولات التغلب على الأزمة بالفشل. موضحة أن الهاجس الذي يقلقها على مدار الوقت هو مرض السكري الذي تعاني منه والدتها، ومرض الربو الذي يعاني منه والدها، حيث يضرهما البقاء داخل الخيمة، وحتى الجلوس خارجها.
ويقول والدها سعيد فتحي إنه يحرص على شرب المياه بشكل متواصل “الحرارة تشعرني وكأنني عاجز عن التقاط أنفاسي، ولا تنتهي الأزمة عند جلوسي خارج الخيمة بسبب التلوث المحيط بنا من كل جانب”.
ويحوّل اشتداد موجات الحر وغياب أدنى المقومات الأساسية داخل خيام النازحين في قطاع غزة، المصنوعة في الغالب من النايلون والشوادر، الحياة اليومية إلى كابوس مستمر، حيث يختنق الناس في خيامهم، ولا يجدون مأوى يقيهم من لهيب الشمس.
التعليقات مغلقة.