جولة في الصحافة العبرية: تفاعلات الضربة اليمنية في أروقة الصهيونية
موجة من السخط والتذمّر تتكشف تباعاً في الأوساط الصهيونية نتيجة ما وصفه الإعلام العبري بالاستدارة الأمريكية غير المسبوقة، ورغم أنها استدارة لحظية تعبر عن خلاف بين شخصين ( نتنياهو وترمب) أكثر منها انقلاب على الشراكة الصهيونية الذي ينصهر فيها الأمريكي والعدو الإسرائيلي، بحكم أنه مشروع يرتبط بأعماق الكيانين وحكام الصهيونية الكبرى والحلم المنشود، إلا أنها أفرزت مجموعة من القراءات وجملة من التحذيرات من تداعيات الأزمة بين “الشريكين الاستراتيجيين” واحتمالية تأثيراتها على مستقبل الصهيونية. ونشير هنا إلى أن هذا الخلاف لم يؤثر البتة على قوافل الدعم العسكري والحربي ومختلف أشكال الدعم المالي والعسكري للعدوان الصهيوني.
في هذا التقرير قراءة عابرة على مجموعة من التصريحات التي دارت في أروقة الساسة وعلى سبيل نقاشات إعلامية جرت في وسائل إعلام العدو الإسرائيلي:
عبّر مايك هاكبي، سفير الولايات المتحدة في الكيان الصهيوني، عن قلقه إزاء الوضع قائلاً: “هذا الأمر ليس عملية التفاف على الإسرائيليين، إنما أمر ينهي هذا الجزء من العنف، فلنأتِ لإيقاف ما بقي من العنف. أعتقد أن علينا أن نستمر في الإيضاح لليمنيين أن هناك سبعمائة ألف أمريكي يقطنون في إسرائيل، وإذا أصابوا أحداً منهم أو ألحقوا بهم الضرر، فإن الولايات المتحدة ستقوم بشن هجوم ضدهم.”
وبقدر ما يعبر ظاهر التصريح الأمريكي عن تحذير لليمن إلا أنه يعكس تلميحا أمريكيا إلى ما يمكن وصفه بـ “إخلاء مسؤولية” تجاه التعهد التاريخي الأمريكي بحماية الكيان.
من جانبه، وصف أور هيلر، المراسل العسكري للقناة 13 الصهيونية، القرار الأمريكي بـ “الخيبة الكبيرة في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي”، معتبراً أنه “يمثل عاملاً مشجعاً لليمنيين، الذين سيواصلون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحوَنا.”
وكانت أوساطُ العدو الصهيوني قد عبرت عن صدمتها من قرار ترمب لأنه لم يخبر “إسرائيل” بهذا الاتفاق، وهو ما يعني أنه تركها وحيدة في الميدان لتواجه عدواً انتصر في حرب استمرت لسنوات على التحالف السعودي الإماراتي، لأن الولايات المتحدة كانت تكتفي بمجرد الدعم التسليحي والاستخباراتي والتقني دون أن تتدخل بشكل مباشر، وهو ما يتوقع أن يحصل مع “تل أبيب” التي ستكون عاجزة عن مواجهة اليمن، الذي أثبت باستهداف مطار “بن غوريون” أنه قادر على إيلام “إسرائيل”، وأنه على الرغم من الضربات الإسرائيلية سيستمر وبزخم أكبر في مساندته لغزة.
عميت سيغل، محلل سياسي صهيوني، قال: “نذكّر أن الأمريكيين لا يهاجمون اليمنيين لأنهم يطلقون الصواريخ نحو إسرائيل، لذا الاختبار حالياً هو أن اليمنيين سيتفرغون لمهاجمة إسرائيل، وإسرائيل ستضطر للعمل بمفردها، وتبقى إسرائيل متروكة جانباً، فكيف ستتصرف حيال ذلك؟”
باراك ساري، مستشار استراتيجي صهيوني، وصف القرار الأمريكي بـ “الخبر السيء جداً لإسرائيل من قبل ترامب بإعلان وقف الحرب ضد اليمن، وقد عقدنا عليه الكثير من التوقعات، وقد بقيت إسرائيل بمفردها، وأنا لا أعلم من أين التفاؤل لدينا، فاليمنيون قاتلوا ضد السعودية، والسعودية قاتلت ضدهم مع أفضل السلاح الأمريكي على مدى سنوات، وقد وجه السعوديون ضد اليمنيين كل الضربات الممكنة، وقد رد اليمنيون إلى أن استسلم السعوديون، لذا لا أرى أن الضربات الأكثر قوة ستكسرهم.”
أجمعت أوساط العدو أن الرد اليمني سيأتي قريباً، وأن الضربات التي وجهتها “إسرائيل” له لن يكون لها تأثير ملموس على قدراته الصاروخية وسلاح المسيرات، وأن على “إسرائيل” أن تهيئ نفسها لضربات يمنية مستمرة، وربما تأخذ أشكالاً أكثر قسوة بعد أن عزلت واشنطن نفسها عن المشاركة المباشرة في الحرب.
أوهاد حيمو، محلل صهيوني للشؤون العربية، قال: “الخلاصة مقلقة جداً، ويبدو لي أن ذلك لم يفاجئ أحداً بأن اليمنيين يواصلون حتى الآن القول إنهم سيواصلون المعادلة نفسها من فرض الحصار الجوي على إسرائيل، وهم سيواصلون مهاجمة إسرائيل.”
الموغ بوكير، مراسل للقناة 12 الصهيونية، أضاف: “وفق تقديرات المستوى السياسي والعسكري، فلا يوجد من توقع أن لا تطلق المزيد من الصواريخ من اليمن نحو إسرائيل بعد الهجوم على مطار صنعاء، وهم سيختارون المزيد من الأهداف بهدف إيلامنا، وقد رأينا فهم يواجهون القتال منذ العام ألفين وأربعة عشر، وهم لم ينكسروا.”
يتفاعل الحظر الجوي اليمني على مطارات العدو، في ظل تمديد شركات الطيران الأجنبية تعليق رحلاتها نحو فلسطين المحتلة، وآخرها إعلان شركة الطيران البولندية LOT Polish Airlines تعليق رحلاتها الى الـ 18 من الشهر الجاري، وذلك في ظل استمرار إطلاق الصواريخ والمسيرات اليمنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يصفه إعلام العدو بـ “رسائل الحرب النفسية” القادمة من اليمن، مع مؤشرات إلى نجاح تكاملها في فرض الحظر بشكل أكبر.
دين فيشر، مراسل لشؤون الطيران في القناة 12 الصهيونية، أوضح قائلاً: “قام اليمنيون بخطوة من الحرب النفسية المؤثرة، وأرسلوا رسائل إلكترونية إلى شركات الطيران الأجنبية، وقالوا لهم إن استمريتم بالسفر إلى “إسرائيل”، فإنكم ستكونون في مكانِ الخطر، وهذا الإنذار موجهٌ مباشرةً لكم. وقد قالت الشركات إن ما حصل يوم الأحد هو حدث استثنائي، لذا نحن نواصل دراسة خطواتنا، فهناك خطر حقيقي على إلغاء موسم الصيف، لأن شركات الطيران تعمل ليس فقط بناء على اعتبارات الأمان، إنما لاعتبارات اقتصادية، فإننا سنرى الحصار يتحقق، وإن كنا نأمل أن لا يحصل ذلك.”
نعاما سيكولر، رئيسة التحرير في نشرة غلوبس الاقتصادي الصهيونية، قالت “نحن أمام اقتصاد كلاسيكي حول العرض والطلب، والجميع في ظل إلغاء شركات الطيران الأجنبية رحلاتها يركضُ للشركات الإسرائيلية، وهذا يرفع أسعار البطاقات، والمشكلة الأكبر لدينا في هذا السياق هي أن الطواقم الأجنبية لا تريد الوصول إلى هنا، لأنها تخاف، وهم يسمعون أن هناك صواريخ تطلق نحو تل أبيب، وهم لا يريدون القدوم، وهذا هو الأثر النفسي. وبنظري، توجد موجةٌ إضافيةٌ من الشركات التي ستعيد تقييم الوضع في الأيام المقبلة، وقد بقينا مع الشركات الإسرائيلية، ومع من هم الأكثر وفاءً لنا، وهم الإماراتيون الذين لم يلغوا رحلاتهم لا في الموجة السابقة ولا الحالية.”
يشار الى أنّ توالي العمليات اليمنية يُذهب بسمعة الكيان المؤقت كوجهة آمنة للاستثمار، ويضع ورقة أمانها في يد اليمن الذي يبدي قدراً كبيراً من الدهاء في التعامل معها وتحويلها الى ورقة ضاغطة لصالح المقاومة الفلسطينية في الوقت الراهن، وذلك من خلال نتائجها العميقة التي تتشكل في أكثر من صعيد، من بينها في الوقت المنظور خلق بيئة مضطربة ليس فقط أمام السياحة، إنما لاقتصاد العدو بشكل كامل، خاصة مع تراجع الجدارة الائتمانية في ظل تذبذب حالة الاستقرار الأمني والسياسي.
*تقرير: يحيى الشامي
التعليقات مغلقة.