دفعت موجة الجفاف الشديد في العراق الحكومة إلى مطالبة أنقرة بدعم جهودها لمعالجة أزمة المياه، وذلك خلال محادثات أجراها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تركيا، وأكد وزير الموارد المائية في العراق عون ذياب، يوم الجمعة، أن بلاده تمر بسنة جفاف شديدة تتطلب دعماً لمعالجة أزمة المياه، وأن موضوع المياه طُرح في شكل واسع خلال محادثات أجراها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تركيا، وقال: “شرح الوفد للجانب التركي الظروف الصعبة التي يواجهها العراق بسبب الجفاف الشديد والمشاكل الحادة المرتبطة بنقص المياه، في وقت يتوقع أن يواجه العراق صيفاً صعباً بسبب أزمة المياه التي تتطلب تدخلاً فعّالاً. وتلقينا ردوداً إيجابية من الجانب التركي الذي وعد بدعم العراق، وستتابع الوزارة واردات المياه يومياً لمعرفة مدى الالتزام بهذا الموضوع”.
وكانت الحكومة العراقية اضطرت إلى اتخاذ قرار بمنع زراعة المحاصيل الصيفية بسبب محدودية الموارد المائية، وأن القرار كان صعباً لكن لا بدّ منه في ظل التحديات الحالية، كما قلصت مساحة الأراضي التي تشملها الخطة الزراعية الموسمية إلى النصف، وصولاً إلى استبعاد محافظات معيّنة من الخطة بالكامل بسبب موجة الجفاف غير المسبوقة بتأثير قطع إيران تحديداً روافد نهر دجلة.
وسبق أن أعلنت وزارة الموارد المائية أن “خطراً كبيراً يهدد العراقيين بسبب نقص واردات المياه من دول المنبع في تركيا وإيران، الذي تسبّب في تراجع معدل الخزين العام”، وأوضحت أن إجراءاتها ركزت على محورين رئيسين: الأول تخفيف آثار شحّ المياه على المواطنين، والثاني ضمان وصول حصص المياه إلى كل المستفيدين.
ويُواجه العراق انخفاضاً كبيراً في مستوى مياه نهرَي دجلة والفرات، الذي تعزوه السلطات إلى سدود تبنيها إيران وتركيا، وشحّ الأمطار، كما زاد ارتفاع درجات الحرارة نقص المياه عاماً بعد آخر، ما يجعل البلد من بين أكثر خمس دول في العالم عرضة لتأثيرات التغير المناخي الواضحة، بحسب ما تقول الأمم المتحدة.
وفاقم تأثر العراق بالتغير المناخي أزمات الاجتماعية، من بينها النزوح من مناطق جفّت فيها المياه مثل الأهوار (جنوب) وقرى قريبة من أنهر في محافظة ديالى (شرق)، وأيضاً نفوق الحيوانات وارتفاع معدلات درجات الحرارة والطقس المتطرف التي لم يرَ العراقيون مثيلاً لها، كما تراجعت الزراعة على نحوٍ لافت ما أدى إلى مشكلات اقتصادية بسبب الاعتماد على الاستيراد.
وفيما حذر متخصّصون عراقيون من تفاقم ظاهرة التغير المناخي وانعكاسها على العراق مع ارتفاع وتيرة التصحر والجفاف وشحّ المياه، التي وصلت إلى حد حرمان مناطق عديدة المياه الصالحة للشرب، أعلن رئيس الوزراء السوداني، في 12 مارس/ آذار الماضي، إطلاق مبادرة تشجير لمكافحة التصحّر والعواصف الترابية.
وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي: “يتدهور الوضع البيئي بسرعة في العراق، والواردات المائية لا تتناسب مع حجم الاستهلاك، كما يتسبب التغير المناخي في مشكلات بيئية وصحية وهجرة، وبالتالي لا بدّ من التفاهم مع الدول المجاورة من أجل زيادة حصة المياه العراقية، ثم تطبيق آليات لمنع التجاوزات المحلية على المياه”. أضاف: “وضع المياه في العراق متردٍ ويحتاج إلى جهود جماعية تشمل الحكومة والمنظمات والمواطنين أنفسهم من أجل عبور المراحل الصعبة، فالمناخ بات متطرفاً بفعل التغيّرات المناخية التي صارت تخلّف العواصف الرملية وشح الأمطار والاحتباس الحراري، ما ساهم في انخفاض الغطاء النباتي ورفع معدلات التلوث، ومساحة الأراضي المتصحرة في العراق تناهز نحو 27 مليون دونم تعادل نحو 15% من مساحة البلاد، وهذه نسبة كبيرة وخطيرة”.
من جهته، قال الناشط البيئي محمد سلمان إن “الاتفاقات الدولية تؤكد أهمية تقاسم الضرر في حالات التدهور البيئي والمناخي، بالتالي من واجب تركيا وإيران وحتى سورية أن تتقاسم الضرر مع العراق في محنة شحّ المياه، أما المجتمع الدولي فغير متعاون في مسألة تقاسم الضرر خلال المشكلات البيئية، وكل دولة تسعى إلى الحفاظ على مواردها، لذلك وقع العراق ضحية إجراءات تعسفية من دول الجوار، وبالتالي لا بدّ من إجراء حوار”.
ويشهد العراق أزمة جفاف غير مسبوقة، بسبب تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهرَي دجلة والفرات، نتيجة سياسات مائية لإيران وتركيا، من خلال بناء سدود وتحويل مجاري أنهار فرعية ومنع دخولها إلى العراق، ما دفع العراق الى اللجوء إلى ما يوصف بـ”التخزين الميت” في بحيرات وسدود، والوصول إلى آخر محطة تخزين تتمثل في منخفض بحيرة الثرثار لمحاولة تغذية الأنهار التي تمرّ إلى محافظات الوسط والجنوب عبر نهرَي دجلة والفرات.
التعليقات مغلقة.