الكيان الصهيوني وحيدًا على جبهة اليمن: صنعاء تكرّس انتصارها
“صحافة”
مثّلت نتيجة الوساطة العُمانية بخصوص اليمن، والتي أفضت إلى هدنة يمنية – أميركية تشمل عبور السفن الأميركية في البحر الأحمر والغارات الأميركية على هذا البلد، وتستثني “إسرائيل”، انتصاراً لصنعاء هو الأوضح على الجبهات المفتوحة منذ 7 أكتوبر 2023، ومعترفاً به من جانب أعدائها، ولا سيما الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي كان قد تعهّد بسحق حركة «أنصار الله»، حين قال لدى إطلاقه حملة الغارات عليها في منتصف آذار الماضي: «لقد انتهى وقتكم، ويجب أن تتوقف هجماتكم بدءاً من اليوم. وإن لم تفعلوا، فستشهدون جحيماً لم تروا مثله من قبل».
وبحسب الصحافة “الإسرائيلية”، فإن العدو فوجئ بإعلان ترامب الذي لم يُطلع الكيان مسبقاً على مجريات المفاوضات مع «أنصار الله»، في ما يمثّل دليلاً إضافياً على ضيقه برئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الذي صار يتصرّف أخيراً كمن يوجّه الأوامر إلى الإدارة الأميركية، ويرعى حملات ضدّ عدد من أركانها الذين يميلون إلى الوصول إلى اتفاقات تخفّف من حدّة الأزمات في الشرق الأوسط، بما في ذلك مع إيران، في حين أن نتنياهو يسعى مع بعض أنصاره داخل الإدارة إلى توريط الولايات المتحدة في حروب لا نهاية لها، تستنزف مواردها وتزيد العداء لها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
واللافت أن الإعلان جاء مباشرة بعد العدوان “الإسرائيلي” الواسع على مطار صنعاء، والذي رفع بشكل كبير مستوى التوتّر في المنطقة، وهدّد بتوسيع نطاق الحرب – لا سيما مع تكرار قادة إسرائيل تحميل إيران مسؤولية الهجمات اليمنية على الكيان وتهديدهم بتوجيه ضربات إلى طهران -، وكان يمكن أن يخرّب جولة ترامب، التي تشمل السعودية وقطر والإمارات (بين 13 و16 أيار الجاري)، وقال الرئيس الأميركي إنها ستشهد «إعلاناً كبيراً جداً» بشأن الشرق الأوسط.
ورغم أن ترامب أعلن «استسلام الحوثيين» وأنهم «ما عادوا يريدون القتال»، فإن الواقع يقول إن أميركا كانت قد أطلقت حملتيها الجويتين على اليمن خلال السنة ونصف السنة الماضيين، بهدف منع صنعاء من استهداف إسرائيل؛ وعليه، فإن مجرّد قبولها بوقف الغارات من دون إلزام «أنصار الله» بالكفّ عن استهداف إسرائيل، والذي لم ترد الإشارة إليه في اتفاق مسقط، يمثّل تسليماً أميركياً بفشل الحملتين كلتيهما.
وهذا تحول من شأنه أن يؤدي إلى تكريس اليمن لاعباً مؤثراً في الشرق الأوسط، استطاع أن يستغلّ موقعه الجغرافي الذي يشمل ممرات مائية حساسة لسلاسل الإمداد العالمية، وتطوير قوته وحمايتها ومنع القوى المناوئة له من النيل منها.
والواقع أن فشل الحملات الجوية كان حقيقة معروفة منذ زمن، وتحدّثت عنه طويلاً الصحافة الأميركية وحتى “الإسرائيلية”. كما سبق لترامب نفسه أن اعترف بامتلاك «أنصار الله» أسلحة متطورة، في حين أقرّ كثير من المسؤولين العسكريين الأميركييين بصعوبة المواجهة مع الحركة وكلفتها العالية، وتأثيرها الإستراتيجي في القوة الأميركية في العالم، وصورة الولايات المتحدة التي أهينت حاملات طائراتها وسلاحها الجوي في البحار والأجواء اليمنية.
وجرى كل ذلك أمام أعين منافسي واشنطن الكبار، والذين أسهم دعمهم لصنعاء في مجالات من مثل تحسين تكنولوجيا الصواريخ البحرية والجوية وإمكانات تتبّع السفن، في الفشل الأميركي، وهو ما تشير إليه الاتهامات الأميركية المنتظمة لكلّ من روسيا والصين وإيران.
بناءً على تلك الحقائق، لم يكن ثمة مناص أمام ترامب من التنازل لليمنيين، ولو لحساب اتساع الهوة بينه وبين نتنياهو، الذي تزداد الدلالات سوءاً بالنسبة إليه عند إقامة صلة بين اتفاق مسقط وبين المفاوضات النووية الإيرانية – الأميركية، والتي تجري في سلطنة عمان أيضاً، وستكون محكومة بالفشل إذا ما استجاب الأول لشروط الأخير. ورغم أن ترامب سيأخذ، في نهاية المطاف، مصالح “إسرائيل” في الحسبان، وهو سيفعل ذلك لأسباب تتصل بجوهر العلاقات الأميركية – الإسرائيلية بمعزل عن الأشخاص، فإن حفظ هذه المصالح، في ما يتصل بالجبهة اليمنية تحديداً، له مدخل واحد هو وقف الحرب على غزة.
وهنا يمكن إطلاق العنان للتوقّعات بشأن حديث الرئيس الأميركي عن «إعلان كبير جداً» بشأن الشرق الأوسط، لا يمكن إلا أن يشمل القطاع، سواء كان الأمر يتعلّق بإعلان انضمام السعودية إلى مسار التطبيع مع العدو، أو باحتمال التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران.
ويأتي كل ذلك في ظل تسريبات عن أن واشنطن تعدّ مقترحاً جديداً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، من دون التنسيق مسبقاً مع تل أبيب أيضاً، وفي الوقت الذي يستعد فيه العدو لتوسيع العملية البرية بهدف احتلال القطاع بشكل دائم، ويفرض على الغزيين حصاراً خانقاً يؤدي إلى تجويعهم.
وإذ أعلنت “إسرائيل” أنها سترجئ تنفيذ هذه العملية حتى منتصف أيار، في انتظار جولة ترامب، فإن وسائل إعلام قطرية تتحدث عن أن واشنطن أرسلت المقترح الجديد إلى الوسطاء، مشيرة إلى أنه ينص على التوصل إلى إرساء هدنة مؤقتة وفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات، مقابل إطلاق عدد محدود من الأسرى الإسرائيليين، من ضمنهم عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسية الأميركية، والكشف عن مصير الأسرى الآخرين.
ويطرح ما تقدّم سؤالاً كبيراً حول العلاقة بين إدارة ترامب وبين حكومة نتنياهو، وما إذا كانت قد وصلت إلى نقطة افتراق، أم أن الإدارة اتخذت قراراً بخفض جوهري للتصعيد في الشرق الأوسط، وهو ما يعني عملياً وقف جموح حكومة العدو عند هذا الحد.
حسين إبراهيم: الاخبار اللبنانية
التعليقات مغلقة.