هزيمة إسرائيلية تبحث عن صورة نصر كاذبة في حصون اليمن الصامدة
ما الذي استهدفه العدوانُ الأمريكي الإسرائيلي البريطاني في اليمن؟ وما دلالاتُ هذه الاستهدافات؟ وما علاقةُ ذلك بضَعفِ العنصر الاستخباراتي لواشنطن وتل أبيب والصورة التي يراد لها أن تظهرَ في الإعلام العالمي بعد العدوان على المنشآت اليمنية؟ وماذا عن الردِّ اليمنيِّ المتصاعِد والقادم والذي يرتبطُ بغزةَ أكثرَ من ارتباطه باستهداف اليمن؟ وهل كان هذا متوقَّعَ الحدوث ضمن سيناريو التصعيد اليمني ضد كَيانِ العدوّ وضد الداعم الأمريكي الإنجليزي؟
هناك صورةٌ أرادت أمريكا وكيان العدوّ أن تَظهَرَ أمام العالم لاستهداف اليوم والأمس. كان البحث عن خزانات وقود في عمليات الاستهداف أكثر أهميّة من استهدف أي شيء آخر. ظهور حرائق وأدخنة متصاعدة مهمٌّ لتضخيم الحدث رغم هزالته. كما أن استهداف مطار صنعاء كرسالة مماثلة لاستهداف مطار اللد وإن لم يكن الأثر متساويًّا؛ فخسائر الكيان الإسرائيلي المادية والمعنوية أكبرُ بكثير مما قد يخسر اليمن المقاوِم، بل لا مجالَ للمقارنة بين الخسارتَين.
الحقيقة أن واشنطن و”تل أبيب” ومن كان معهما سيكونون أكثرَ حرجًا عند الحديث عن استهداف مواقع وأهداف متواضعة منها مرافقُ مدنيةٌ لا علاقة لها بترسانة ومخازن اليمن الاستراتيجية ذات الثقل العسكري والتي باتت اللغزَ المحير والعُقدة التي لن يُكتَبَ للعدو نجاحٌ في فَكِّ شفرتها. فهؤلاء لم يقرأوا تاريخَ هذا البلد، المشهورِ بأنه يخزِّنُ “الأسرار”، جزءٌ من هذا التاريخ لكُتَّاب من الغرب، جالوا صحاري وقِفارَ وجبال هذا البلد الصعبِ والمدهِش.
ما تم استهدافُه كان عبارةً عن مرافقَ اقتصادية ومنشآتٍ مدنية. استهدافُ ميناء الحديدة أَو ميناءَي رأس عيسى أَو مصانع الإسمنت في باجل الحديدة ومصنع عمران في محافظة عمران ومحطات كهرباء هي خارج الخدمة أصلاً لتقادُمِها أَو محطات متواضعة الأداء، كما حصل مع محطة ذهبان الكهربائية شمالي العاصمة، ومحطة حزيز جنوبي العاصمة وعَصِر في الغرب وجُدُر شمالي العاصمة. هذه المنشآت إلى جانب مطارِ صنعاء واستهدافِ المدنيين في الأحياء السكنية، أعطت مؤشراتٍ واضحة؛ تقول: إن واشنطن و”تل أبيب” والداعمين لهما يعانون جَفافًا استخباراتيًّا كبيرًا، وعمىً عملياتيًّا، وفقرًا حقيقيًّا في بنك أهداف ما عاد فيه جديد، حَيثُ لا تجد هذه الطائرات المعادية والقادمة من مسافات بعيدة إلَّا استهدافَ أماكنَ ذات طابع “مدني”، وصنع حَدَثٍ كما حصل عند استهداف خزانات النفط في الحديدة لإظهار الحرائق التي تخدُمُ الصورةَ التي يبحث عنها المجرمُ الصهيوني نتنياهو لمواجهة الرأي العام الداخلي المتأزم والساخط عليه، إلى جانب الشعور بأن ضرب اليمن لمطار (اللِّد) المسمَّى صهيونيًّا “بن غوريون”؛ الأول خلّف خسائرَ حقيقية تتعاظم اليوم مع كُـلّ إعلانٍ لشركات الطيران الأجنبية عن تمديدِ تعليق وإلغاء رحلاتها. وهذا في حَــدِّ ذاته كسرٌ لصورة نتنياهو وما يسوِّقه من إنجازات، فيما يظهر الحظرُ اليمني البحري والجوي معًا في الداخل الصهيوني كمادة للعبِ السياسيين والمعارضين الصهاينة في مواجهة نتنياهو. مقابل هذا تتعزَّزُ صورةُ الضَّعف الأمريكي والعجز عن حماية (إسرائيل) في البحر وفي الداخل بعد استقدام منظومةٍ (ثاد) وفشلها في اعتراض الصواريخ اليمنية، والثاني فشل ترامب في تغيير الصورة التي فرضها اليمنيون في المواجهات البحرية والتي تقفُ كمانع حقيقي في وجه المشروع الصهيو أمريكي، ومواجهة بقاء الهيمنة الأمريكية في البحار والمحيطات.
لهذا كان الردُّ الأعمى محاولةً لتنفيس الغضبِ الصهيوني؛ فاليمنُ لم يكتفِ بضرب مطار اللِّد بل تبعه إعلانُ حظرِ الطيران المدني داخل (إسرائيل)، والاستعداد اليمني لاستهداف المطارات الإسرائيلية والذهاب إلى ما بعد مطارات العدوّ. هذا يفسّر توجُّـهَ العدوّ نحو استهداف منشآت خدمية اقتصادية ترتبطُ بمصالح الشعب اليمني لا بالجانب العسكري. وهذا في حَــدّ ذاته فشلٌ واضحٌ للعدو، وتعميقٌ لأزمة فشل أمريكا في فَكِّ عُقَدِ اليمن التي لا تنتهي.
والمتابعُ للمواقف اليمني -الثوري، السياسي، العسكري- يدركُ أن ما حصل كان متوقَّعًا، حَيثُ الاستعدادُ اليمني لفرض واقع جديد، يرُدُّ على التطاول الصهيوني في فلسطينَ المحتلّة وغزة، وفي اليمن. ما بعد استهداف المعتوه ترامب لميناء رأس عيسى كان اليمن قد استعد كما قال الرئيس المشاط لـ “المرحلة الأخيرة” من معركة النصر والتي أشار إلى أنه ستصاحبُها “هزَّاتٌ عنيفة” تتطلَّبُ الصبرَ والصمود، وهي المرحلة التي تسبقُ النصرَ اليمني القادم بإذن الله.
تداعياتُ ضرب مطار اللد تلاحقُ نتنياهو:
ما تم استهدافُه في اليمن لا مقارنة لتأثيراته بما طالته وستطاله اليد اليمنية في الداخل الإسرائيلي. ولو تحدثنا عما سيتم استهدافه للعدو، سنجبر هؤلاء المحتلين على عَضِّ أصابع الندم بشدة.
بمُجَـرَّدِ استهدافِ اليمنِ لباحة المحطة الثالثة في مطار اللد، كانت الخسائر الإسرائيلية قد بدأت فعلًا. هذا لم يحدث بتاريخ هذا الكيان المسخ من قبلُ حتى عندما استُهدف هذا المطار من قبل فسَرعانَ ما كانت حركةُ الطيران والنقل الجوي تستعيدُ نشاطَها في وقت قصير جِـدًّا. لكن هذا لم يحصل هذه المرة، خَاصَّةً بعد أن أعلنت القواتُ المسلحة اليمنية عن حظرِ الطيران المدني من وإلى الكيان الإسرائيلي، والذي تبعه توقُّفٌ لحركة المطارات وإعلانُ شركات الطيران العاملة في الأراضي المحتلّة تدريجيًّا عن تعليق رحلاتها.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية العبرية، فَــإنَّ 27 شركةَ طيران أجنبيةً من أصل 30 شركة، ما بعد الاستهداف والحظر اليمني للطيران في الأراضي المحتلّة، ألغت رحلاتِها إلى فلسطين المحتلة، وإلى مطار اللد.
ووفق الموقع نفسه، أعلنت مجموعة لوفتهانزا التي تضُمُّ الخطوط الجوية السويسرية، والخطوط الجوية النمساوية، ويورو وينجز، وخطوط بروكسل، تمديد تعليق رحلاتها إلى يافا (تل أبيب) حتى 11 مايو/أيار الجاري. وأوقفت الخطوطُ الجوية الإيطالية (ITA) الرحلاتِ الجوية من وإلى تل أبيب حتى 11 مايو.
كما أعلنت الخطوطُ الجويةُ المتحدة (يونايتد إيرلاينز) الأمريكية، عن تمديد إلغاء الرحلات حتى 9 مايو، وشركة الطيران المجرية منخفضة التكلفة (ويز إير) حتى 8 مايو.
كذلك شركاتُ الخطوط الجوية اليونانية “إيجه”، والخطوط الجوية البريطانية (بريتيش إيرويز) وخطوطُ دلتا الجوية (أمريكية) وشركةُ الطيران الإيرلندية منخفضةُ التكلفة رايان إير، مدَّدَت تعليقَ رحلاتِها إلى كيان العدوّ. بينما يجدُ آلافُ المستوطنين أنفسهم عالقين في الخارج بعد تعليق شركات الطيران رحلاتها. وهذا بحد ذاته ضربةٌ موجعة وقوية تُفترَضُ معها اليمن أن يكون هناك تصعيدٌ لوقف همجية العدوّ في استباحتِه لدماء الغزيين وتدمير ما تبقى من مباني قطاع غزةَ المنكوب.
ومع استمرار التعليق وحظر الطيران إلى أراضي الكيان المحتلّ، ستكونُ له تأثيراتٌ كبيرةٌ على قِطاع النقل الصهيوني؛ فإطالة فترة إلغاء الرحلاتِ سيتسبَّب في المزيد من الخسائر للشركات والمسافرين، كما سيزيدُ في تكاليف الطيران؛ بسَببِ الحاجة إلى استخدام طرقٍ بديلة. والأهمُ تأثيرُه الذي سيكونُ موجِعًا لقطاع السياحة في كيان الاحتلال؛ بسَببِ صعوبة الوصول إلى البلاد التي تستقبل ما بين 1.5-3 ملايين سائح سنويًّا. وتداعيات ذلك على السوق الإسرائيلي وقطاع التجارة والاستثمار الذي يعاني أزماتٍ معقَّدة منذ سنوات. ويمكن تصوُّرُ قدر الخسائر التي ستلحق الكيان الإسرائيلي على ضوء ما قد لحقه من خسائرَ، حَيثُ تم إلغاءُ ما يقارب 80 رحلة جوية إلى مطار اللد خلال 24 ساعة رافقها تكبُّدُ 50 % من القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية خسائرَ فورية؛ بسَببِ الهجوم اليمني على المطار.
ويمكنُ بناءُ الصورة القادمة، لما سيتركُه التصعيدُ اليمني المساند لغزة والحق الفلسطيني، إذَا ما أُخِذَ في الحسبان تراجُعُ أعداد السياح بنسبة تجاوزت 73 %، وتراجع الإشغال في الفنادق بنسبة 80 %. وتكبُّد قطاع السياحة في الكيان المحتلّ خلال 2024 حوالى 13.5 مليار شيكل، والذي يتجاوز 5 مليارات دولار؛ أيْ إن التصعيدَ اليمني المواجِه للتحَرّك الأمريكي الإسرائيلي في غزة، سيخلُقُ تأثيرًا غير مسبوق، حَيثُ يمكنُ فَهْمُ معنى إعلان اليمن التعبئةَ وحالةَ الطوارئ. هذا يشير إلى أحد أمرَينِ:- إما التراجُعُ الأمريكي الصهيوني عن استباحةِ غزةَ والمنطقة العربية في لبنان وسوريا أَو اتساع ِنطاق المواجهة؛ إذ سيكون هذا معاكِسًا لمؤشر الحَذَر الأمريكي من الانزلاق في حرب يمنية، ليست الأولوية؛ والتي تعني في الواقع ضياعَ مشروع ترامب حول “أمريكا القومية”، بينما هي مؤشِّرُ توافُرِ الفرصة “فُرصة النجاة الوحيدة للمجرم الصهيوني نتنياهو” في مواجِهة الداخل الإسرائيلي، يقابلُها تسريعُ عجلة انهيارِ الكَيانِ في ضوء معطيات الداخل الإسرائيلي المتفكِّك، وإصرار اليمن على المضي قُدُمًا في كسر شوكة الهيمنة ومواجهة مشروع الصهيونية التدميري التوسعي.
التعليقات مغلقة.