عباقرة الإسلام المجهولون.. 6 علماء مسلمين قدماء لم تسمع بهم على الأرجح

صنعاء سيتي – منوعات

لا شك أن العلوم لا تتطور وتتقدم دفعة واحدة في أُمّةٍ بعينها، أو تظهر من لا شيء؛ بل تأخذ ممن سبقها من أفكار واكتشافات، وتعمل على تطوير ميراثها وتتبناه، وهذا ما فعله العرب والمسلمون في فترات كانت مناطق أخرى من العالم تتخبّط في معضلات ثقافية ودينية وأخلاقية تبعدها عن هذا الدور الإنساني، وتحديدًا بداية من القرن الثالث للهجرة والتاسع للميلاد بدأ العلماء العرب والمسلمون في إدراك نتائج مهمة واكتشافات كبيرة أثرت الحياة العلمية بعدهم؛ بل وكانت إسهامات العرب في بعض المجالات هي الأصيلة التي أخذ منها باقي العالم في ما بعد المبادئ الأساسية لتطوير أبحاثهم.

وربما يطرأ إلى الأذهان بعض الأسماء الشهيرة في مجالات العلوم مثل: ابن سينا، والزهراوي، والبيروني والرازي وغيرهم من أعلام العصور الذهبية للإسلام، ولكن التاريخ العربي والإسلامي في الحقيقة امتلأ بالعديد من الأسماء المهمة من أعلام العلماء المسلمين الذين ربما لم تسمع بأسمائهم إن لم تكن من المهتمين بالتدقيق في التاريخ أو العلوم، وربما لم تجد تلك الأسماء المنصات الإعلامية التي تحتفي بهم رغم اعتراف الكثير من الثقافات الأخرى بإنجازاتهم وإسهاماتهم في مجالات عدة.

 

1- ابن يونس المصري.. «ناسا» تخلّد اسمه!

أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري، واحد من أعظم الفلكيين العرب، وقد وُلد في مصر سنة 342 هجرية الموافقة لسنة 950 ميلادية، وكان من أعلام الدولة الفاطمية في الفلك، فقد رعاه الخليفة الفاطمي العزيز بالله الذي أقام له مرصدًا فلكيًّا في منطقة جبل المقطّم، ووفّر له ما يبتغي من أدوات وتجهيزات لتساعده في مهامه وأبحاثه، واستمر في أبحاثه بعد وفاة الخليفة العزيز بالله وتولّي الحكم ابنه الحاكم بأمر الله.

ومن أهم إنجازات ابن يونس كان كتابه الأبرز في علوم الفلك المسمى «الزيج الحاكمي»، والذي اشتق اسمه من الفارسية، وتعني «الجدول»، والذي رصد فيه الأحداث الفلكية المهمة في عصره، ورصد فيه كُسوفيْن للشمس في العامين 977 و978 ميلادي بدقة عالية.

 

منطقة ابن يونس على القمر

كما أنّه رصد خسوفًا للقمر في الفترة نفسها، وسجّله في جداوله الفلكية. ويُنسب لابن يونس أحد أهم الاختراعات البشرية، ألا وهو بندول الساعة (pendulum clock)، بعكس شيوع نسب الاختراع إلى الإيطالي جاليليو، الأمر الذي تحقّق منه ونفاه الباحث الأمريكي «ديفيد كينج» المتخصص في تاريخ العلوم الإسلامية في القرون الوسطى، في بحث مطوّل لم يحاول مطلقًا من خلاله التقليل من إنجازات الفلكي المصري الكبير، والذي لا يعرف الكثيرون أنّ وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أطلقت اسمه على إحدى المناطق الصخرية في الجزء غير المرئي من القمر، بجوار أعلام عربية أخرى مثل ابن بطوطة وابن رشد.

 

2- البوزجاني.. عبقرية أضاءت الغرب

محمد بن محمد بن يحيى بن إسماعيل بن العباس البوزجاني هو رياضي وفلكي مسلم، مولود في بلدة تدعى بوزجان تقع ما بين بلدتي هراة ونيسابور في خراسان عام 328 من الهجرة الموافق 940 ميلادي. انتقل إلى بغداد في العشرين من عمره واستقر بها، ودرس حركة القمر، واهتم بما نُقل من علوم الرياضيات والهندسة، واشتهر في أوساط بغداد العلمية بشروحات إقليدس والخوارزمي.

قضى البوزجاني حياته في التأليف والرصد والتدريس، وانتُخب وقتها ليكون أحد أعضاء المرصد الفلكي الذي أنشأه شرف الدولة البويهي في سراية عام 377هـ، ونقل الكثير من علماء الغرب أعماله ونظرياته في الرياضيات وحركة القمر. البوزجاني هو صاحب المعادلة المثلثية التي توضح مواقع القمر، والتي سماها «معادلة السرعة»، كما أنّه صاحب نظرية «قانون الجيوب» للمثلثات الكروية في علم حساب المثلثات.

 

أبو الوفاء البوزجاني

من أشهر أعماله كتابه «زيج الواضح» في الفلك، و«الكامل»، وهو عبارة عن مقالات عن حركة الكواكب، وكتاب «عمل المسطرة والبركار والكونيا»، و«كتاب فيما يحتاج إليه الصانع من الأعمال الهندسية»، والذي تم ترجمته إلى اللغات الأوروبية باعتباره أهم المراجع العلمية في القرون الوسطى.

 

3- ابن ماسويه.. طبيبٌ لم يقرأ حرفًا

أبو زكريا يحيى بن ماسويه، أو في أقوال أخرى يوحنا بن ماسويه مولود عام 777 ميلادي تقريبًا، هو طبيب وصيدليّ وعالم عربي مسيحي من أصول سريانية نسطورية لأبيه، ورث المعرفة بالأدوية والطب من أبيه الذي عمل صيدلانيًّا في مارستان «جنديسابور» بخوزستان -إيران حاليًا- وقدم إلى بغداد وعمل في مهنة صناعة الأدوية، وقيل عنه بحسب كتاب موسوعة علماء العرب للدكتور يوسف فرحات:

«اشتغلَ في الكحالة -أي الأدوية – وقدم إلى الرشيد الهارون فخدمه، وقال عنه ابن أبي أصيبعة أنه لا يقرأ حرفًا واحدًا بأي لسان من الألسنة، إلاَّ أنه عرف الأمراض وعلاجها ببراعة، وصار بصيرًا بانتقاء الأدوية، وكان له خبرة فريدة في علاج العيون، واتّصل بكبار العلماء والمترجمين في عصره مثل جبريل بن بختيشوع، وعيسى بن الحكم، وزكريا الطيفوري في مساجلات ومناظرات كبرى».

ومن أشهر أعماله «كتاب الأزمان» -المحفوظ حاليًا في دار الوثائق بمصر- الذي يتناول علم التقويم الإسلامي، وكتاب النوادر الطبية، وكتاب مهم في الجُذام، وكتاب التشريح في الطب.

 

4- الاصطخري.. رائد الخرائط

أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، والمعروف أيضًا بالكرخي، المولود في بلدة اصطخر بفارس -إيران حاليًا- رحالة وعالم جغرافيا مرموق ولد عام 346هـ، وارتحل إلى بلدان عدة، وبحسب موسوعة العلماء العرب للدكتور يوسف فرحات:

«عني بأخبار البلاد، وخرج يطوف المناطق حتى وصل إلى الهند، ثم سواحل المحيط الأطلسي، وفي رحلاته لقي نفرًا من العلماء في الحقول المختلفة، ولم تكن مصادر علم البلاد (الجغرافيا) موفورة في عصره؛ فكان بذلك أول جغرافي صنّف أعمالًا في هذا الباب، واستعان فيه بكتاب صور الأقاليم لأبي زيد البلخي، وأخرج لنا كتابه الأشهر مسالك الممالك».

الكتاب الذي ترجم إلى عدة لغات وكان بمثابة مصدر مهم في عالم الجغرافيا، وقُسم إلى 20 فصلًا بدأها بديار العرب، ثم بحر فارس، ثم ديار المغرب، وديار مصر وأرض الشام، وانتهى بفصل ما وراء النهر، واحتوت أعماله على أهم الخرائط الجغرافية للعالم في القرون الوسطى.

 

5- الخازن.. البراعة في عِلم الحِيل

عبد الرحمن أبو جعفر الخازن أو «الخازني»، عاش في مرو بخراسان في النصف الأول من القرن السابع الهجري، ومن أهم أعماله كتاب «ميزان الحكمة»، ويعتبر بمثابة الكتاب الأول في العلوم الطبيعية، وبصفة خاصة مادة «الهيدروستاتيكا»، وقد ترجمت عدة فصول من الكتاب، ونشرت في المجلة الشرقية الأمريكية، وقد حقق الكتاب «فؤاد جمعان»، ونشره بعدها مُنقحًا.

وكان من الباحثين المبتكرين، اشتغل بالفيزياء والميكانيكا، أو ما أسماه العرب «علم الحِيَل»، كما حسب جداول فلكية عُرفت باسم «الزيج المعتبر السيخاري» في علوم الفلك، وعمل على جدول قياسات السطوح المائلة والصاعدة، ومن أهم الموضوعات التي تناولها الخازن موضوع «كتلة الهواء»، وأبحاث الجاذبية.

وبحث في قانون الطفو، وفي الكثافة وطريقة تعيينها للأجسام الصلبة والسائلة، واخترع الخازن ميزانًا خاصًا لوزن الأجسام في الهواء وفي الماء. وعلى ذلك يعتبر الخازن الممهّد الأول لطريق قياس الضغط ودرجة الحرارة.

 

6- ابن أبي أصيبعة.. أخلاقيات الطب وتاريخه

مُوفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة الخزرجي، والمعروف باسم ابن أبي أُصيبعة، هو واحد من العلماء الأجلاء في مجال الطب، وكان أديبًا بارعًا، ولد في دمشق بسوريا 595 هجرية في بيئة علمية ودراسية، فقد كان أبوه أكبر أطباء العيون وقتها، واشتهر أفراد عائلته بعلاقات طيبة وسمعة جيدة بين الملوك والحكام في سوريا ومصر، ودرس أبو العباس الطب في مصر أيضًا، وبرع في علومه.

ويُذكر له تحلّيه ونصحه ببعض الصفات الأخلاقية المهنية الجليلة، مثل احترام الخصوصية الكامل، والذكاء، والمعايير الأخلاقية الشخصية السليمة، ومن أهم أعمال ابن أبي أصيبعة كتاب «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» الذي يتناول تاريخ الطب، وكيفية ترتيب علومه، وذكر فيه مراجع يونانية وهندية كثيرة، وكتاب «التجارب والفوائد»، وكتاب «إصابات المنجمين».

التعليقات مغلقة.