سؤال يتعلق بيوم الغدير وجوابه وهذا مستهل الجواب .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا إلى معرفة محكم كتابه الكريم والصلاة والسلام على محمد المنزل عليه (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وعلى أخيه وابن عمه ومن حكمه في كل شيء غير النبوة كحكمه أمير المؤمنين وسيد الوصيين الليث الغالب علي بن أبي طالب. من اختصه الله على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأشمل الفضائل وأوسعها وأجملها وأجمعها وأحسنها وأبدعها وأكملها وأرفعها حتَّى قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ علي خير البشر فمن أبى فقد كفر. فلا يفضل علياً أحد من العالمين غير الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين فهو عصمة اللائذين وقدوة المهتدين من أمة محمد النبي الأمين والعروة الوثقى للمستمسكين. وصلواتك اللهم وسلامك على جميع أهل بيته الطاهرين الذين اخترتهم لدينك وجعلتهم خزنة علمك وحججك على عبادك وطهرتهم من الرجس تطهيراً بإرادتك وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك وعلى من تبعهم بإحسان معترفاً بحقهم مقتفياً آثارهم مستمسكاً بعروتهم.

وبعد فإنه ورد إلينا سؤال من بعض العلماء العاملين أهل التقوى واليقين مؤداه: هل للاحتفال والاجتماع في ثامن عشر ذي الحجة المسمى بيوم الغدير أصل في الشريعة وكذلك ما يكون فيه من إظهار الفرح والسرور ونشر الفضائل لأمير المؤمنين عليه السلام. هل لذلك أصل في الشرع يرجع إليه ودليل يعول عليه لأن من الناس من يقول إنَّه ليس بمشروع.

الجواب: والله الموفق للصواب. إنا نقول: لذلك كله أصل أصيل ثابت بدليل قوي ومنهج واضح سوي وبيانه من وجوه:

الوجه الأولى: الاقتداء والتأسي بفعل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في ذلك اليوم عن أمر الله عز وجل وذلك متواتر شهير حتَّى غلب على ذلك اليوم عند الشيعة من الزيدية وغيرهم اسم يوم الغدير وعلى الحديث اسم حديث الغدير ولنذكر قصة الغدير بصورة موجزة من غير نظر إلى كثرة من رواها من الصحابة والتابعين ومن خرجها من أئمتنا والمحدثين لأن ذلك معلوم التواتر مشهور وفي بطون الدفاتر مسطور فنقول لما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حجه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه الجموع الغفيرة فوصل إلى غدير خم وهو محل افتراق العرب إلى أوطانهم وبلدانهم وذلك اليوم يوم الثامن عشر من ذي الحجة نزل جبريل عليه السلام من عند الله بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.. الآية وروي عن ابن مسعود: كنا نقرأ على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَأن عليا لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..} الآية.. أخرجه ابن مردويه فأمر الله تعالى رسوله أن يقيم علياً إماماً وعلماً للناس وأن يبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد. وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر منهم في ذلك المكان ووقف رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقطع سيره ولم يستجز أن يتقدم خطوة واحدة حتَّى يبلغ ما أمر بتبليغه في علي عليه السلام فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثُمَّ قال: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد. ثُمَّ قال: اللهم اشهد ثُمَّ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وفي رواية: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما فرغ من خطبته أمر المسلمين أن يبايعوا علياً بالخلافة وأن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين فتهافت الناس عليه يبايعونه. وجاء أبو بكر وعمر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقالا: أهذا أمر منك أم من الله. فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [وهل يكون هذا عن غير أمر الله نعم أمر من الله ورسوله]، فقاما فبايعا فقال عمر: السلام عليك يا أمير المؤمنين بخٍ بخٍ لك لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهذه الواقعة مشهورة بين المفسرين والمحدثين والمؤرخين ويعتبر عندهم من أصح الأحاديث لتواتر الروايات الواردة حول الحديث. قال الإمام الحسن بن بدر الدين: أما خبر الغدير فقد روي بطرق مختلفة وأسانيد كثيرة وألفاظ مختلفة مترادفة على معنى واحد وأجمع عليه أهل النقل وبلغ حد التواتر لا إشكال في تواتره.

هذا وليس المقصود مما ذكر إلاَّ بيان أنَّه قد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنَّه قد فعل مثل هذا الاجتماع والاحتفال لمثل هذا الغرض وهو التعريف بولاية علي بن أبي طالب في مثل هذا اليوم. وقد تقرر في الأصول أن فعل الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ دليل شرعي على حسن مثل ذلك الفعل في حقنا لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } والأسوة القدوة. والمعنى أن في الإقتداء به ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر والقدوة عامة للإقتداء به في أقواله وأفعاله وتروكه فصح والحمد لله أن لهذا الاجتماع والاحتفال وما يلقى فيه من الخطب والرسائل المتضمنة لإثبات إمامة أمير المؤمنين وما اختصه الله به من الفضائل أصلاً أصيلاً.

الوجه الثاني: أنَّه ليس في ذلك منع ولا مخالفة لكتاب ولا سنة ولا إجماع. بل هو موافق لكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والعقل يحكم بحسنه؛ لأنَّه فعل عار عن ضرر أومفسدة. مع أن الأصل في الأفعال الإباحة ورفع الحرج إلاَّ لدليل ولا دليل هنا يرفع هذا الحكم.

الوجه الثالث: أن إظهار الفرح والسرور بنعم الله الدينية مأمور به في كتاب الله. قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. وبيان ولاية علي عليه السلام على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من فضل الله ورحمته بعباده لأن في اعتقاد إمامته وحبه وولايته والتصديق بأنه خير البشر كما في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [علي خير البشر فمن أبى فقد كفر] الفوز بالجنة والنجاة من النار إذ لا فوز ولا نجاة إلاَّ بذلك وأيضاً إظهار الفرح والسرور بولايته من الفرح بما أنزل الله إلى رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} وولاية علي عليه السلام مما أنزل إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما ثبت بالتواتر من أن قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}.. الآية. وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } نزلتا لبيان ولاية علي عليه السلام وإمامته وإبلاغها إلى الناس وتكليفهم بها مع أن إظهار الفرح والسرور في مثل هذا اليوم من الفرح بنصر الله كما قال تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} وأمير المؤمنين عليه السلام ممَّن شاء الله نصره في مثل هذا اليوم بالنص على إمامته وبيان فضله في ذلك الجمع العظيم والجم الغفير حتَّى قيل إنهم قريب من مائة ألف لأن ذلك الموضع المسمى بغدير خم كان هو الموضع الذي تتشعب منه طرق المدنيين والعراقيين والمصريين. فالفرح بنصر الله تعالى علياً والاجتماع للاحتفال من أجل ذلك إن لم يكن واجباً فأقل أحواله الندب لأن ولايته عليه السلام نعمة من الله تعالى على أمة محمد أجمعين وبها كان إكمال الدين لما رواه أبو سعيد الخدري أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ دعا الناس إلى علي عليه السلام في غدير خم.. الحديث. وفيه.. ثُمَّ لم يتفرقوا حتَّى نزلت هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب من بعدي].. وفي أمالي المرشد بالله عليه السلام عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنَّه قال: الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر ما طلعت عليه شمس في يوم أفضل عند الله منه ـ يعني يوم الغدير ـ وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه وأتم عليهم نعمه ورضي لهم الإسلام ديناً. وما بعث الله نبياً إلاَّ أقام وصيه في مثل هذا اليوم ونصبه علماً لأمته فليذكر الله شيعتنا على ما منّ عليهم بمعرفة هذا اليوم دون سائر الناس. وعلى الجملة.. إن الفرح بنعم الله الدينية مما لا شك في حسنه. وأي نعمة أعظم من أن يعرفنا الله على لسان رسوله بما يجب علينا في حق علي بن أبي طالب عليه السلام لنفوز بالجنة والنجاة من النار.

على أن إظهار الفرح بما لا إثم فيه جائز دليله.. تقرير النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ للعب الحبشة في العيد… وما روي في تنازع علي وجعفر وزيد في ابنة حمزة من يكفلها.. أنَّه لما قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لعلي: أنت مني وأنا منك حجل.. ولما قال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي حجل.. ولما قال لزيد: أنت أخونا ومولانا حجل.. وهو نوع لعب عند فرح لأن الفرح هو انشراح الصدر بلذة عاجلة.. والمراد من هذا بيان أن الإجتماع في مثل يوم الغدير والإحتفال به وإظهار الفرح والسرور فيه لهذا الغرض له أصل في الشريعة أصيل أصله في الثرى وفرعه في السماء والحمد لله.

الوجه الرابع: أنَّه لا شك أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ جمع الناس يوم الغدير ليبلغهم ما أمره الله تعالى بتبليغه من ولاية علي عليه السلام على الناس. ولا شك أن تبليغهم في ذلك اليوم واجب على رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ للأمر به في قوله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } مع ما اقترن به من عتاب قريب من التهديد بقوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} إذ معناه أنك إن لم تبلغ ما أمرت به فما بلغت شيئاً من رسالاته لما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض. فإذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداء جميعها وكذلك ما فعله النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من جمع الناس لذلك التبليغ فإنه ظاهر في الوجوب عليه بدليل التعريس لهم في غير موضع تعريس في يوم شديد الحر والرمضاء مع الأمر برد من كان فارق ذلك الموضع إلى طريق بلده ومنع من تأخر وصوله عن السير ومجاوزة ذلك المكان فإن ذلك كله يدل على أن ما فعله النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من جمع الناس ليبلغهم ما أمر بتبليغه في حق علي عليه السلام واجب عليه.. وقد تقرر في الأصول بأن أمته مثله فيما وضحت صفته عند أئمتنا والجمهور من غيرهم. وقد ثبت أن ما فعله من جمع الناس والخطاب بإمامة علي واجب عليه.. فيجب على الأمة مثله خاصة العلماء فإنه يجب عليهم جمع الناس ليعرفوهم بما يجب عليهم من معرفة ولاية علي واعتقاد إمامته بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بلا فصل. ويجب على الناس أن يجتمعوا لذلك كما وجب على المجتمعين في غدير خم امتثال أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والمكث في ذلك الموضع حتَّى بلغهم ما يجب عليهم في حق علي عليه السلام ونادى بالصلاة جامعة كما في رواية البراء لحديث الغدير عند المرشد بالله وغيره.. ورواه في الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى وهو لا يأمر منادياً بالصلاة جامعة إلاَّ لأمر ديني عظيم مما تعم به البلوى والتكليف.. ولا شك أن التكليف بمعرفة ولاية علي عليه السلام واعتقاد إمامته بعد موت النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بلا فصل عامٌ لكل مكلف لأن الخطاب بقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث الغدير يا أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم عامٌ للموجودين ومن سيوجد.. أما عند من يقول إن الخطاب عام للموجود والمعدوم إلى انقطاع التكليف فواضح.. وأما عند من يقول إنَّه لا يتناول إلاَّ الموجودين في زمنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والحاضرين وقت الخطاب فقط فإنما ذلك عنده باعتبار الوضع اللغوي وإلا فإن المعلوم أن خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وخطاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأصحابه يجب مقتضاه على من تأخر زمنه كما يجب على من توجه إليه الخطاب لأن أول الأمة وآخرها سواء في التكاليف الشرعية إلاَّ لمخصص. وعلى هذا فيكون اعتقاد إمامة علي عليه السلام واجباً على كل مكلف إلى انقطاع التكليف.. وما يدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فإن الخطاب بها عام ونزولها في علي عليه السلام ودلالتها على إمامته مما علم تواتراً ودلالة. ومن ذلك قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }.. قال ابن عباس عن ولاية علي عليه السلام: رواه المرشد بالله والحاكم وفي الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى.. وفي شواهد التنزيل عن الباقر وأبي إسحاق السبيعي وجابر الجعفي والكنجي والخوارزمي عن ابن إسحاق وابن جرير الطبري عن ابن عباس.. وفي شواهد التنزيل عن أبي سعيد الخدري في الآية قال: إمامة علي بن أبي طالب.. وفيه عن أبي سعيد أيضاً عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [وقفوهم إنهم مسئولون].. قال عن ولاية علي بن أبي طالب وفيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [إذا كان يوم القيامة أوقف أنا وعلي على الصراط فما يمر بنا أحد إلاَّ سألناه عن ولاية علي. فمن كان معه وإلاَّ ألقيناه في النار.. وذلك قوله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }.. وفي كتاب دلائل الصدق لبعض الشيعة قال عن الينابيع عن المناقب عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أبيه، عن جده عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: [إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلاَّ من كان معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب. وذلك قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } عن ولاية علي.. وفي الينابيع أيضاً عن الحموني بسنده إلى علي عليه السلام عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: إذا نصب الصراط على جهنم لم يجز عنه أحد إلا من كان معه براءة بولاية علي بن أبي طالب قال: وفيها نحوه أيضاً عن موفق بن أحمد عن ابن مسعود من طريقين.. وعن ابن عباس من طريق.. وأيضاً عن ابن المغازلي عن ابن عباس من طريقين.. وعن أبي سعيد من طريق.. وعن أنس من طريق.. ورواه في اللآلئ المصنوعة للسيوطي من طريق الحاكم بسنده إلى علي عليه السلام يرفعه قال: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم لم يجز أحد إلاَّ من كان معه براءة بولاية علي.. وقد تكلم الذهبي وغيره على هذا الحديث وقالوا في سنده إبراهيم بن عبد الله الصاعدي متروك وذلك على عادتهم في النصب والتعصب على أن السيوطي قد رد قولهم بأن للحديث سنداً آخر ليس فيه الصاعدي.. ذكره أبو علي الحداد في معجمه وذكر السند متصلاً بعلي بن موسى الرضى عن أبيه، عن جده جعفر، عن أبيه، عن جده علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب به.. وحينئذٍ فلا بد للمنصف من الحكم بصدق الحديث والتصديق بدلالته على أنَّه لا يجوز أحد الصراط إلاَّ من معه براءة بولاية علي بن أبي طالب.. وإذا ضممته إلى ما سبق في هذا الوجه وإلى الأخبار المقتضية بعمومها تكليف أول الأمة وآخرها بالتصديق بإمام علي عليه السلام نحو الأخبار الَّتِي نص فيها على أنَّه سيد المسلمين وأمير المؤمنين والخليفة على الأمة.. دل ذلك كله على أنَّه يجب على كل مكلف أن يعرف أن علي بن أبي طالب هو الإمام بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بلا فصل وأن يعتقد ذلك وينصره ببيان الحجة إذ لا يمكن من تأخر زمنه عن زمن علي عليه السلام إلاَّ ذلك.. ويعضد ذلك قول علي عليه السلام للجاثليق وأصحابه فأنا رحمكم الله فريضة من الله ورسوله بل أفضل الفرائض وأعلاها وأجمعها للخيرات كلها وأحكمها لدعائم الإيمان وشرائع الإسلام ولما يحتاج إليه الخلائق لصلاحهم وفسادهم في أمر دينهم ودنياهم.. أي لما يحتاج الخلائق إلى معرفته مما فيه صلاح لهم فيتبعونه وإلى ما فيه فسادهم فيجتنبونه.. ومن كلام الأئمة عليهم السلام قول الباقر: لما سأله الحروري: من إمامك؟ قال عليه السلام: من نصبه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يوم غدير خم فأبان ولايته.. والمعنى أنَّه يعتقد إمامة علي عليه السلام ويدين بها. وقول جعفر الصادق: إن الله افترض حق علي على جميع الخلق كما افترض حق نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.. وقول علي بن موسى الرضى: فكانت طاعته ـ يعني علياً عليه السلام طاعة لله عز وجل ولرسوله حجة على الخلق ورحمة من الله عز ذكره لعباده. وقول الحسن بن يحيى: الإسلام شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله والإقرار بما جاء من عند الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً وولاية علي بن أبي طالب والبراءة من عدوه، وقال: كان علي فريضة من فرائض الله. قال: وجعله علماً لولاية الله يعرف بها أولياء الله من أعداء الله فوجب لعلي على الناس ما وجب لرسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ. روى ذلك عنه في الجامع الكافي.. وقول الهادي عليه السلام بعد أن ذكر ما يجب معرفته. فإذا فهم ذلك وجب عليه أن يعرف ويفهم ويعتقد ويعلم أن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واجبة على جميع المسلمين فرض من الله رب العالمين.. لا ينجو أحد من عذاب الرحمن ولا يتم له اسم الإيمان حتَّى يعتقد ذلك بأيقن الإيقان. وقول المؤيد بالله بعد أن احتج على إمامة علي عليه السلام بقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ }.. الآية. ثُمَّ قال: وقول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مخاطباً لكافة أمته: من أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: الله ورسوله أولى. فقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من كنت مولاه فعلي مولاه.. قال المؤيد بالله: فتأملوا رحمكم الله كيف أوضح الحق وكيف قطع المعاذير.. وانظروا إلى كثير من الأمة كيف غيروا وبدلوا إلى غير ذلك من أقوال الأئمة وأتباعهم رضي الله عنهم.

إذا عرفت هذا علمت أنَّه لا يبعد القول بوجوب الإجتماع والاحتفال في يوم الغدير وإلقاء الخطب للتعريف بإمامة علي عليه السلام بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بلا فصل. ووجوب اعتقادها على كل مكلف من أول الأمة وآخرها ووجوب التعريف بذلك على العلماء وعلى العامة الإستماع لذلك والتصديق به؛ لأن كل مكلف مسئول عنها على الصراط فإن جاء بها وإلاَّ ألقي في النار كما مر في معنى قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} وقد ذكر في الجامع الكافي كلاماً للحسن بن يحيى عليه السلام في هذا المعنى ونصه: وعلى العالم إذا علم أن يُعَلِّمَ وعلى من لا يعلم أن يتعلم.. قال الله عز وجل: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} الآية.. قلت: ومثلها في ذم كتم العلم والوعيد عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ } ثُمَّ قال الحسن عليه السلام: وقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [من كتم علماً ألجم بلجام من نار يوم القيامة]. قال: وسمعنا عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال: [أربع يجبن على كل ذي حجى وعقل من أمتي.. استماع العلم وحفظه والعمل به ونشره.. قال: فهذا يجب على أهل العلم.. أما المتعلم فقد أوجب الله عليه إذا لم يعلم أن يتعلم. قال الله عز وجل: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: [طلب العلم فريضة على كل مسلم].. وقال عليه السلام: فعلى الناس أن يعنوا بدينهم وإنَّما الناس عالم ومتعلم ولا خير فيما سوى ذلك.. وفيما ذكر من الوعيد على كتم العلم بيان عذر العلماء في دعاء الناس إلى هذا الإحتفال والإجتماع وما يقع فيه من نشر فضائل أمير المؤمنين والتعريف بإمامته. وأن وقوع ذلك منهم لا لحمية ولا عصبية مع أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ما قاله في حق علي عليه السلام.. ففي الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: [اسمعوا وصيتي.. من آمن بي وصدقني فإني رسول الله فأوصيكم بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق بولايته فإن ولايته ولايتي وولايتي وولايته ولاية الله.. قد أبلغتكم فليبلغ شاهدكم غائبكم.. إن علي بن أبي طالب هو العلم فمن قصر دون العلم فقد ضل ومن تقدمه تقدم إلى النار ومن تأخره تأخر في النار ومن صد عن العلم يميناً أو شمالاً فقد هلك وغوى]. رواه في أنوار اليقين.

واعلموا رحمكم الله أن لهذا اليوم مزيد اختصاص بتعظيمه بالإحتفال فيه ونشر ما وقع فيه في حق علي عليه السلام؛ لأن الله تفضل علينا فيه بإكمال الدين بولاية أمير المؤمنين.. وفيه تعظيم لعلي عليه السلام وتأسٍ بالنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.. والأمكنة والأزمنة قد تشرف وتعظم باعتبار ما وقع فيها من الطاعات والعبادات.. وما بينه النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن أمر الله تعالى في ذلك اليوم لا ريب أنَّه من أعظم الطاعات والعبادات.

فيحسن تعظيم اليوم لذلك.. وقد مر قول الصادق عليه السلام: ما بعث الله نبياً إلاَّ أقام وصيه في مثل هذا اليوم.. وقد روي أن الأنبياء كان إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده لأحد جعلوا ذلك اليوم عيداً.. فنحن نقتدي بهم عليهم السلام فنجعل هذا اليوم عيداً لأن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عقد الإمامة لعلي عليه السلام فيه.. وقد قال تعالى بعد ذكر جماعة من الأنبياء عليهم السلام: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} هذا مع أن للأمم أهمية كبرى بالإجتماع والإحتفال عند كثير من المناسبات.

ومناسبة عيد الغدير من أعظم المناسبات لما لهذا اليوم من الدرجة الرفيعة عند الله وعند رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بنصب علي عليه السلام للخلافة فيه ونزول جبريل عليه السلام من عند الله كالمهنئ للنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ..الآية. مع جمع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الناس في ذلك اليوم ومنعهم من مفارقة ذلك المكان حتَّى بلغهم ما أمر به في أمير المؤمنين.. ووجدت حديثاً عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في فضل يوم الغدير.. وفيه مرفوعاً.. وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي. وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً.. وهذا الحديث يدل على أنَّه ينبغي تعظيم هذا اليوم واعتقاد فضله بقول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنَّه وقع فيه نصب علي وإكمال الدين.

ولهذا فإن الشيعة في بلاد الزيدية والعراق وإيران والهند وباكستان وسوريا ولبنان وغيرها يجعلون هذا اليوم عيداً. إنَّما ذلك لمعرفتهم بفضله وتصديقهم بما كان فيه.

وإلى هنا انتهى المراد بعون رب العباد وقد أتينا بالمستطاع.. مع الإعتراف بالتقصير والقصور وقصر الباع. وفيه إن شاء الله بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. والسلام.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

حل اللبس والاشكال فيما يقع في الغدير من الاحتفال

مفتي اليمن السيد علي بن محمد بن يحيى العجري المؤيدي اليحيوي المتوفي سنة 1407هجرية

التعليقات مغلقة.