«اللوبي» السعودي في واشنطن: جيش من الفاشلين .. قراءة تحليلية / علي مراد

صنعاء – صحافة

يفاخر السعوديون بنجاحهم في تخطّي عواصف من الأزمات طرأت على علاقتهم بالأميركيين خلال فترات ماضية، لكن من يدرس عملية التفاعل والتأثير في واشنطن يكتشف أنّ التحالف الذي نشأ في 14 شباط 1945 واستمر عقوداً من الزمن بين الرياض وواشنطن كان سرّ بقائه الحاجة الأميركية إلى النفط السعودي.

في مقال سابق في «الأخبار» تحت عنوان «هكذا تشتري أرامكو النفوذ لآل سعود» (العدد 2868 – 21 نيسان 2016)، تم سرد وقائع في الحقبة بين عامي 1991 و2003 تشرح كيف كانت شركة «أرامكو السعودية» تضمن مصالح الرياض في الولايات المتحدة عبر عطاءات خام النفط السعودي للشركات والمصافي المرتبطة بسياسيين وأعضاء كونغرس أميركيين. إلا أن توتّر علاقة الرياض مع الأميركيين عقب هجمات 11 أيلول، جعل السعودية تنهي برنامج التخفيضات على النفط الخام عام 2003، وتتجه الى وسائل أخرى لضمان التأثير في السياسة الأميركية والحفاظ على مصالحها. قام السعوديون بتعزيز توظيف شركات العلاقات العامة وما يُعرف بمؤسسات الـ Lobbying للتأثير على صانعي القرار الأميركي. في كشف حساب (وثيقة رقم 1) أرسلته شركة Qorvis Communications LLC للعلاقات العامة بتاريخ السابع من آب 2002 الى سفير السعودية آنذاك في واشنطن بندر بن سلطان، يظهر حجم الأموال التي اضطر بندر إلى دفعها للشركة (11,374,820 $) مقابل خدمات لمدة أربعة أشهر فقط، للتأثير على الرأي العام لتحسين صورة الرياض عقب هجمات أيلول.

حركة بلا بركة

خلال الحقبة بين 2006 و2014 كانت الرياض تتعاقد مع شركات العلاقات العامة، الاستشارات القانونية، الدعاية الاعلامية الأميركية، ولكن بوتيرة عادية، تهدف من خلالها إلى تحسين صورتها وضمان وجودها المرضي لها في أروقة دوائر القرار الأميركي. لكن مع حصول تقدم في مفاوضات مجموعة 5+1 مع إيران بخصوص ملف الأخيرة النووي، وإظهار إدارة أوباما العزم على التوصل إلى اتفاق مع طهران، يُلاحظ أن الرياض بدأت بالتعاقد مع أكبر عدد ممكن من شركات العلاقات العامة الأميركية في محاولة للتأثير على السلطتين التنفيذية والتشريعية هناك. لاحقاً، مع بروز الأصوات الأميركية المنادية بالإفراج عن الصفحات الـ28 الخاصة بتحقيق الكونغرس في هجمات 11 أيلول، استنفرت الرياض لاستئجار المزيد من شركات الـLobbying الأميركية، لكن يتبيّن من خلال نوعية الشركات التي وظّفتها الرياض أن هناك أزمة في تواصل الحكومة السعودية مع إدارة أوباما، لأن العلاقة السليمة مع نظيرتها كانت بكل بساطة ستوفر عليها جهوداً ومبالغ طائلة للحصول على ما تريد عبر شركات. وتكشف وثائق حصلت عليها «الأخبار»، هي عبارة عن نسخ عن عقود بين الجهات الرسمية السعودية وشركات أميركية متنوعة متخصصة في مجالات الضغط السياسي والعلاقات العامة والاستشارات القانونية، أنه بين عام 2015 وما مضى من عام 2016، كانت السعودية تسعى بكل ما أوتيت للتأثير على قرار الكونغرس الأميركي لإسقاط قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب – جاستا». فقد وظّفت الرياض (وثيقة رقم 2)، ممثَّلة بـ«مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي السعودي»، شركة Podesta Group بموجب عقد من 20 آب لغاية 30 أيلول 2015 ينصّ على دفع المركز مبلغ 200 ألف دولار للشركة مقابل خدمات «علاقات عامة» له.

بدأت الرياض بالتعاقد

مع عدد أكبر من شركات العلاقات العامة بعد الاتفاق النووي

تظهر نسخة عن عقد آخر (وثيقة رقم 3)، بين مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي السعودي وشركة BGR Group المتخصصة في العلاقات الحكومية بتاريخ 24 آب 2015، أن المركز يدفع للشركة مبلغ 500 ألف دولار، مقابل خدمات «علاقات عامة، إدارة خدمات وسائل الإعلام ومنتديات وسائل التواصل الاجتماعي». لاحقاً يدخل وزير الخارجية عادل الجبير على خط التعاقد مع الشركات، حيث تظهر نسخة عن عقد (وثيقة رقم 4) بينه وبين شركة DLA PIPER دفع وزارته مبلغ 85 ألف دولار شهرياً للشركة، ابتداءً من 1/1/2016 لغاية 31/12/2016، مقابل «مساعدة الحكومة السعودية على تقوية قدرة الولايات المتحدة والسعودية على تطوير مصالح الأمن القومي المشتركة». يعود «مركز الدراسات والشؤون الاعلامية» في الديوان الملكي، ممثلاً بمديره سعود القحطاني، إلى التعاقد مع شركة Podesta Group (وثيقة رقم 5) في بداية كانون الثاني 2016، عبر دفعه مبلغ 140 ألف دولار شهرياً للشركة مقابل تقديم «خدمات علاقات عامة» للمركز. يتّضح من خلال حجم عقود شهر أيلول الفائت التي وقّعتها الرياض مع المزيد من الشركات (وبعضها يتخصص في الاستشارات القانونية) أن الشركات التي تم التعاقد معها خلال 2015 وبداية 2016 لم تفلح في تحقيق طلبات الرياض، مضافاً اليها أن اثنتين من هذه الشركات الجديدة صرّحت لوزارة العدل الاميركية، بشكل واضح، بأن الهدف من وراء التعاقد يتعلق بقانون «جاستا».

جيش شركات في أيلول الفائت

بينما كان مشروع قانون «جاستا» يمرّ بمراحله الأخيرة، عبر تصويت مجلسي الشيوخ والنواب على تمريره، واستعمال الرئيس أوباما حقه في نقضه لاحقاً في 23 أيلول، كان مركز الدراسات والشؤون الاعلامية في الديوان الملكي السعودي يوقّع عقداً (وثيقة رقم 6) بتاريخ 19 أيلول مع شركة S.R.G LLC, Governmental Relations And Lobbying، يقضي بدفع المركز مبلغ 45 ألف دولار شهرياً بين 18 أيلول و18 كانون الأول 2016، مقابل عمل الشركة على «وضع خطة وتنفيذها يكون من شأنها أن تجعل صانعي السياسة الأميركيين يقدّرون القيمة الخاصة للشراكة السعودية الأميركية وأهمية السعودية الحساسة للمصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة». في 19 أيلول أيضاً وقّع المركز نفسه عقداً (وثيقة رقم 7) مع شركة Squire Patton Boggs LLP للخدمات القانونية، يقضي بدفع المركز مبلغ 100 ألف دولار شهرياً للشركة خلال المدة ما بين 19 أيلول 2016 و30 أيلول 2017، مقابل تقديم الشركة «المساعدة القانونية والاستراتيجية، والتمثيل القانوني حول السياسة الخارجية والشؤون المتعلقة بالحكومة الأميركية». وفي العقد يذكر مسؤول الشركة أسماء الفريق التخصصي الذي سوف يعمل على إنجاز المهمة، وعلى رأسهم زعيم الأغلبية للحزب الجمهوري الأسبق في الكونغرس ترنت لوت الذي نقل عنه موقع «بوليتيكو» أنه خاطب أعضاء كونغرس في 26 أيلول الفائت (قبل تصويت الكونغرس بالأغلبية الساحقة لمصلحة تمرير القانون بيومين) لإقناعهم بالتصويت ضد «جاستا». في 20 أيلول الفائت، خلال مشاركة الوفد السعودي في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقّع وزير الخارجية عادل الجبير عقداً (وثيقة رقم 8) مع شركة Brownstein Hyatt Farber Schreck للاستشارات القانونية، تقوم بموجبه الشركة بتقديم «الاستشارة القانونية لوزارة الخارجية السعودية في ما يتعلق بقانون جاستا مقابل 100 ألف دولار شهرياً، ابتداءً من 20 أيلول حتى يصبح جاستا قانوناً أو حتى 31 آذار 2017». بيانات وزارة العدل الأميركية تشير إلى أنّ الجبير تعاقد (وثيقة رقم 9) مع شركة Glover Park Group LLC للتواصل الاستراتيجي والشؤون الحكومية بتاريخ 20 أيلول أيضاً، تقدم الشركة خلالها «خدمات قانونية وتواصل مع مسؤولين حكوميين وأعضاء كونغرس بخصوص قضايا مكافحة الإرهاب وأمن الشرق الأوسط والقضايا المشتركة». يظهر أيضاً في سجلات وزارة العدل الأميركية أن وزير الاستثمار والتجارة السعودي ماجد القصبي تعاقد (وثيقة رقم 10) مع شركة المحاماة King & Spalding LLP بتاريخ 26 أيلول الفائت لتزويد وزارته «بالمساعدة القانونية بما يتعلق بتخطّي الفيتو على قانون جاستا».

القانون الأميركي يُجبر شركات العلاقات العامة والتأثير الإعلامي والاستراتيجي على تقديم كشف بنشاطاتها التفصيلية مع زبائنها كل 6 أشهر. ولأن حجم المعلومات كان ضخماً، يكفي عرض كشف (وثيقة رقم 11) شركة Podesta Group نصف السنوي (كانون الثاني – حزيران 2016)، حيث يرد فيه تفصيل الاتصالات – بالتسلسل الزمني ــ التي قامت بها الشركة لمصلحة «مركز الدراسات والشؤون الاعلامية في الديوان الملكي السعودي» خلال الفترة المذكورة أعلاه. يتبين أن الشركة تواصلت مع صحف وقنوات تلفزيونية أميركية كبيرة، إضافة الى تواصل مع أعضاء في الكونغرس ومجلس النواب وأحزاب ومراكز أبحاث وحتى جماعات الضغط الاسرائيلية. على سبيل المثال لا الحصر، تشير البيانات إلى أن الشركة تواصلت مع مايكل بريجنت، الباحث في «معهد هادسن»، 7 مرات في كانون الثاني، وأربع مرات في شهر شباط، ومرة واحدة في 20 نيسان، في اليوم نفسه الذي نشر فيه «بريجنت» مقالة طويلة عنوانها «السعودية هي أعظم حليف لأميركا»، امتدح فيها الرياض وحاول نفي تهمة الإرهاب عنها.

التعديلات ممكنة… ولكن

لا يستبعد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «جون هوبكنز» الأميركية، تريتا بارسي (الصورة)، نجاح الرياض في جعل المشرّعين الأميركيين يدخلون تعديلات على قانون «جاستا» عبر تجنيد جماعات الضغط، لكن سيبقى القانون مزعجاً للرياض حتى إن عُدّل، كونه سيظل يربط اسمها وسمعتها بالإرهاب. ويشير في حديثه إلى «الأخبار» إلى أنّ سرّ فشل تأثير السعوديين في السياسة الأميركية مؤخراً مردّه إلى اقتناع شرائح شعبية واسعة بأن أيديولوجية «داعش» مصدرها السعودية، وأيضاً فشل السعوديين في اعتماد خطة استراتيجية تجعل الأميركيين مقتنعين بهم، إذ إن الأميركي لطالما نظر الى السعودي على أنه مصدر للمال فقط لا غير.

نقلا عن الأخبار اللبنانية

التعليقات مغلقة.